المعوذتان حصن حصين

محجوب كوري
1446/02/26 - 2024/08/30 16:42PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة المعوذتان الحصن الحصين

الجمعة 26صفر1446ه

30-8-204

الحمد لله الذي أنار بالقرآن القلوب ,الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرأ ,وقسّم أحوال عباده غنىً وفقراً ,وأنزل الماء وشق أسباب الثرى ,أحمد سبحانه فهو الذي أجرى على الطائعين أجرا ,وأسبل على العاصين ستراً ,هو سبحانه يعلم ما فوق السماء وما تحت الثرى ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل إذا سرى ,,سبحت له السماوات وأملاكها ,وسبحت له النجوم وأفلاكها ,وسبحت له الأرض وحيتانها ,وسبحت له الأرض وسكانها ,و"إن من شئ يسبح بحمده    ولكن لا تفقهون تسبيحهم 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى ,ونبيه المجتبى ,معلم الحكمة ,وهادي الأمة ,صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار ما تعاقب الليل والنهار ,وسلم تسليماً كثيراً ,,,

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
[ آل عمران: 102]

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
[ النساء: 1]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

(سورة الأحزاب)

أما بعد ,أيها المؤمنون عباد الله ,,

فاقتضت حكمة الله تعالى أن يكون إبليس أحد مخلوقاته ,ولما جاء الأمر الإلهي بالسجود لآدم عليه السلام رفض واستكبر , ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ( 61 ) قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) ( 62 ) ,وقال تعالى : ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾(17)[ الأعراف: 16]

﴾فلن تنتهي الحرب مع الشيطان إلا بموت الإنسان ,ولن ينفك الشيطان عن الإنسان حتى يدخله النيران , ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
[ فاطر: 6].

-ومن رحمة الله تعالى بعباده أن أنزل لهم من السور والأذكار حصناً حصيناً ,وملاذاً آميناً ,لمن قرأها وتدبر معانيها ,ومن أعظمها سورة الفلق وسورة الناس ,,,

(رواه البخاري)" قالت عائشة رضي الله عنها :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأعلى نفسه بالمعوذات وينفث ,فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ,وأمسح بيديه رجاء بركتها "

(متفق عليه)" وكان صلى الله عليه وسلم يجمع يديه كل ليلة ,ويقرأ الإخلاص والمعوذتين ,وينفث فيهما ,ويمسح رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ثلاثاً "

"قال عبدالله بن خبيب رضي الله عنه :خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا ,فأدركته ,فقال : (قل) ,فلم أقل شيئاً ,فقال : (قل) ,فلم أقل ,فقال: (قل) ,فقلت :ما أقول ؟ ,فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : (قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاثاً تكفيك من كل شئ)"

"قال ابن القيم رحمه الله في (بدائع الفوائد) في كلامه عن المعوذتين : (المقصود بالكلام على هاتين السورتين بيان عظم منفعتهما وشدة الحاجة إليهما بل الضرورة إليها ,وأنه لا يستغني عنها أحد قط ,وأن لها تأثيراً خاصاً في دفع السحر والعين وسائر الشرور ,وأن حاجة العبد إلى الإستعاذة بهاتين السورتين أشد من حاجته إلى النفَس والطعام والشراب واللباس"

-يقول الله عزوجل مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم :

(قُللۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱللۡفَلَقِ)(1)

أعتصم وأستجير برب الفلق ,أي جميع المخلوقات ,والفلق الصبح ,قال سبحانه : (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً) ,وفيه إشارة إلى لطيفة إلى أن من فلق الصبح بعد شدة الليل وظلمته قادر على كشف الشر والشدة ,والفلق كذلك النبت وما انفلق منه ,كما قال سبحانه : (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون)

(مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)(2)

من شر كل الخلق ,جميع مخلوقات الله سبحانه وتعالى ,من شر الدنيا والآخرة ,وشر شياطين الجن والإنس ,ومن شر النار ,وشر النفس والذنوب والهوى ,ومن كل مخلوق فيه شر .

(وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)(3)

ومن شر الغاسق ,أي الليل إذا أظلم واشتدت ظلمته ,لأن الليل محل سلطان الأرواح الشريرة ,وفيه تنتشر الشياطين ,ساعة فوعان الجن ,في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام : (كفو صبيانكم عند فحمة العشاء ,وإياكم والسمر بعد هدأة الرجل ,فإنكم لا تدرون ما يبث الله من خلقه ,فأغلقوا الأبواب وأطفئوا المصباح وأكفئوا الإناء وأوكوا السقاء واذكروا اسم الله على ذلك كله) .

وصح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى القمر ,فقال : (يا عائشة ,تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب) ,لأن القمر آية الليل ,والله تعالى قال : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) (الإسراء(12)) أي القمر .

(وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱللۡعُقَدِ)(3)

ومن شر السحر يُنفث في العقد ويربط ,والتأنيث للتحقير لهم ,كما قال تعالى : (إن يدعون من دونه إلّا إناثاً وإن يدعون إلّا شيطاناً مريداً)(النساء 117) ,وكذلك الـتأنيث من جهة الأنفس الخبيثة ,وقالوا لما أخذ لبيد بن الأعصم اليهودي مشاطة من شعر النبي عليه الصلاة والسلام ,بناتُه عقدن العقد لأبيهم ,وجعل هذا السحر في بئر ذروان ,كما في الصحيح الثابت .

وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)(4) )

فقد دل القرآن والسنة على أن نفس الحاسد إذا حسد يؤذي المحسود ,قال النبي عليه الصلاة والسلام : (العين حق) ,وقال صلى الله عليه وسلم : (لو كان شئ سابق القدر لسبقته العين ,وإذا استغسلتم فاغسلوا) ,ويُروى : (العين تدخل الرجل القبر وتدخل الإبل القدر) ,والحسد قيل أول ذنب عصي الله تعالى به في السماء ,لما حسد إبليس آدمَ عليه السلام ,وفي الأرض لما حسد قابيلُ هابيل ,وأكثر الناس حسداً اليهود ,فمن وجد في نفسه تجاه أخيه حسداً فليؤدب نفسه بالدعاء لأخيه بالخير والتوفيق والبركة والمزيد من الفضل من الله سبحانه وتعالى .

فمن حافظ عليها صباحاً ومساءاً ثلاث مرات حفظه الله من جميع هذه الشرور برحمته .

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين ,فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين ,الرحمن الرحيم ,مالك يوم الدين ,لا عز إلا في طاعته ,لا سعادة إلا بمرضاته ,ولا نعيم إلا بذكره ,إذا أُطيع شكر ,وإذا عصي تاب وغفر ,وإذا دُعيَ أجاب ,وإذا استُعيذ به أعاذ ,,

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه تسليماً كثيراً ,,

أما بعد أيّها المؤمنون ,,,

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ,عن عائشة رضي الله عنها قالت :سَحَرَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجُلٌ مِن بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ له: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، حتَّى كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه كانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما فَعَلَهُ، حتَّى إذَا كانَ ذَاتَ يَومٍ -أوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ- وهو عِندِي، لَكِنَّهُ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قَالَ: يا عَائِشَةُ، أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي، والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أحَدُهُما لِصَاحِبِهِ: ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَن طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قَالَ: في أيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: في مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ، وجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: وأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ. فأتَاهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نَاسٍ مِن أصْحَابِهِ، فَجَاءَ  فَقَالَ: يا عَائِشَةُ، كَأنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أوْ كَأنَّ رُؤُوسَ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ. قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: قدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أنْ أُثَوِّرَ علَى النَّاسِ فيه شَرًّا فأمَرَ بهَا فَدُفِنَتْ 

وذكر أنها كانت أحد عشر عقدة من السحر ,والمعوذتان أحد عشر آية ,فبطل السحر بفضل الله ومشيئته 

ويشرع قراءة المعوذتين دبر كل صلاة ,وعند النوم ,في أذكار الصباح والمساء ,وفي تحصينات الأطفال 

أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بالقرآن العظيم

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير واجعل الموت راحةً لنا من كل شر

المرفقات
المشاهدات 298 | التعليقات 0