المعلّم في عالم متغير.!
HAMZAH HAMZAH
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ....
إخوة الإسلام: كان رسولنا في صلاة فعطس رجل فشمّته معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فأحدق إليه الناس بأبصارهم فقلت: وا ثكلَ أُمّياه .. ما لكم تنظرون إلي قال: فضرب القوم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمّتونني، سكتُّ، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، فوالله ما كَهَرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: ( إن هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)، رواه مسلم.
إننا حين نتحدث عن التعليم ورسالته، نستشعر أننا أمة العلم والهدى والنور، وأن قرآننا سراج العقول، وضياء المجتمعات ، ونستشعر أيضا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم هو ( المعلم الأول ) الذي كان من مهامه (التعليم) ونشر العلم، وبث الهدى ، وقد حمل الهم، وعلم الجاهل، وترفق بالمحتاج، وأعان السائل...
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164).
لا ارتياب يامسلمون إن للتعليم فوائد كثيرة : فهو يزيل الأمية، ويرفع مستوى العقل ويوصل إلى الله ، ويصحح العبادة ، ويرفع الحضارة ، ويرفع مستوى التفكير ، ويطمس التخلف، ويحل كثيرا من المشكلات، وإذ نذكر إخواننا المعلمين، لنتطلع فيهم إلى ( المعلم الجاد ) الحريص، الذي يغار على دين هذه الأمة، ونهضة البلد، فيهتم بمستوى شبابها وأبنائها، ويبكي عليهم إذا رآهم تركوا ميادين العلم والجد، وركضوا لميادين اللهو والشهوة والمترفات....!
إن المعلم يا إخوان، يؤدي رسالة شريفة، هي رسالة الأنبياء والرسل، فعليه أن يقدرها حق قدرها، وأن يتهمم لها ، ويقوم بواجبها وأن يتحسس دوره ومسئوليته .
ثمة معلمون يضيقون بالواقع، ويرددون هذا الجيل جيل الفضائيات، وجيل الأمس خير من جيل اليوم، والمعلم كثير التبعات، لم يعد له قيمة ولا معنى.
ونقول لهولاء : إن المعلم يؤدي رسالته على كل حال، في الضيق والسعة، والغنى والفقر ، والحضر والسفر، والصحة والسقم . تعلم من نبيك صلى الله عليه وسلم
كيف صبر في سيرته وابتلي، وعانى، فلقد سبوه وضربوه وخنقوه أحيانا، وعرض نفسه على بعض القبائل، فسبوه سبا قبيحا، وخرج الى الطائف، ولاقى منهم الملاقي وعانى الأمرين..! التقى بسادتهم ، وتلا عليهم القرآن، فأمروه بعدئذ بالخروج من أرضهم ، فلما خرج صنعوا له صفين، وسلطوا عليه السفهاء والغلمان، ورجموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، ومع ذلك صمد صلى الله عليه وسلم وواصل دعوته ورسالته .
وأنت أخي المعلم، ترغب في طيب العيش، وتتقاضى راتبا، وتملك إغراءات، ومع ذلك قد تقصر وتتأخر وتتهاون. ولا تبالي بنصيحة صادقة، ولا كلمة مؤثرة، وقد جاء في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية)..
وعند البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنَه).
يا معلمون : إن دينكم مستهدف، وبلادكم تحارب، ولقد توالت حملات الأعداء وحرصت دولة الصليب على نقل ثقافتها الغريبة ، وأنماط الحياة الإباحية إلى ديار الإسلام ولم يبق الا بلاد الحرمين ،حماها الله تعالى. (ورد الله الذين كفروا لغيظهم لما ينالوا خيرا) (سورة الأحزاب: 25)
ولا تزال هذه الأمة بعلمائها ومفكريها وأساتذتها، تستطيع الوقوف في وجه هذا المد الصليبي الغربي الذي يهدد ديننا وقرآننا، وتعليمنا وإعلامنا.
ديارٌ أعزتها سيوفُ محمدٍ |
|
فما ضيرُها ألا تعِز محمدا
|
نحن ندرك ما للمعلم من أثر وتأثير، إنه مربي الجيل، وأستاذ النشء، وهو لوحده المهيئ لتفجير النوابغ وإبراز الطاقات، وجعلهم عناصر صالحة لدينهم ووطنهم ..
إن الطبيب يعلم والمهندس يعلم والمرأة تعلم والرجل يعلم، والضابط يعلم، ولكن المعلم يمارس ذلك بقوة وانشراح وتخصص وانسجام لا يضاهيه أحد في ذلك.
فلله دره إذ خرّج من الأمة العلماء والدعاة والأفذاذ، وأصحاب الخبرة والاختصاص في مجالات شتى ...فاللهم بارك مساعيهم، وأثبهم على جهدهم وصبرهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فيا فوزَ المستغفرين التائبين...
الحمد لله حمدا كثيرا ...
أيها الإخوة في الله : نحن نعلم أن المعلم كثير التكاليف، عظيم الأعباء في مدرسته! لكن لا يمنعه ذلك من العمل للدين والقيام على إصلاح الجيل والتفاني في التربية والتوجيه لأن الحياة دار ابتلاء، ولا تستقيم بل بذل وجد ومجاهده..
قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).
وإياك أخي المعلم الاستسلام للواقع، والخوف من تبعات، وتعلم من سير الصابرين قبلك ، ولا تستخف بعقول من أمامك، فربَّ كلمة لا تلقي لها بالا ، تؤثر في بعضهم وتغير مسار حياته، وتصنع منهم عاملاً بذلاً ، لهذه الأمة. فالجدَّ الجد لتبلغَ وتحقق مناك، وما نيلُ المطالبِ بالتمني** ولكنْ تؤخذ الدنيا غِلابا ..
وصلوا وسلموا على المعلم الأول والمربي الأعظم....