المشاكل الأسريّة أسباب وعلاج (5) وهل الأفضل أنْ يسكن الابن عند والديه بعد زواجه؟29-5
أحمد بن ناصر الطيار
1436/05/27 - 2015/03/18 10:01AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ آباءنا كانوا يعيشون في بيتٍ واحدٍ صغيرٍ, يعيش الإخوان جميعًا مع وزوجاتِ أولادِهم, لا يشكون الضيق والحسد, ويندُر أنْ تقع الخصومةُ بين أحدٍ منهم.
أما الآن, فالوضع تغيّر تمامًا, فلا يكاد يحتمل القريبُ من قريبه الخطأ ونحوَ ذلك, ولا يحتملون العيش في بيتٍ واحدٍ مهما كانت سعَتُه.
ولذا, لابدّ من علاجِ هذه الظاهرةِ بحكمةٍ.
وإنّ النَّاظر في حال الأُسَر والبيوت, يجد أنَّ الكثير من المشاكل مَنْشؤها وبِدايَتُها, من سَكَنِ الابن في بيت الوالدين بعد زواجه, وهما ليسا بحاجةٍ ماسَّةٍ له.
فإصْرار الوالدين على سَكَنِ الابن في البيت إذا تزوج, والبيتُ مُمْتلئٌ بإخوانه أو أخواته, ويشتركون في البيت سويًّا, دون أنْ يكون للزوجين قِسْمٌ مُنعزلٌ في البيت, قد يكون له عواقبُ وخيمةٌ, وأضرارٌ جسيمةٌ.
فيحدث الخلاف غالبًا بين الزوجة والأم, بسبب غيرتها على ابنها, واعتقادها بأنه يميل مع زوجته أكثر منها.
أو بين الزوجة وبين أخوات الزوج, بسبب اعْتقادهنّ أن الزوجةَ مُطالبةٌ بالعمل في البيت كما يعملنْ, وبالطبخِ والتنظيفِ كما يفعلن.
وهذا من الخطأ الجسيم, فالزوجة ليس عليها إلا خدمةُ زوجها, ورعاية حقِّه, وإنه من قلَّةِ المروءةِ مُطالبةُ الزوجة- وهي الضيفة في البيت- بالعمل والكدّ لغير زوجها.
إنّ الأب العاقل, والأم العاقلة: هما اللذان يُهيِّئان المكان والجو المناسب لابنهما وزوجته, وذلك باسْتقلالهما وأخذِ راحتهما في حياتهما.
واسْتقلالُهُما لا يعني بُعدهما عنهما, ولكن يكون بجعل جانبٍ من البيت, مَعزولاً ومُسْتقلاًّ بكامل احْتياجاته, وبينهما بابٌ, فمتى أرادا المجيء إليهما جاءا في الوقت المناسب.
وأما إذا لم يكن في البيت إلا الأمُّ أو الأبُ, دون الأخواتِ والحموات, فلا ينبغي للابن أنْ يخرج من البيت ويَتْرُكْهُمَا وحدهما.
وفي حال جلوس الابن مع والديه, وسَكَنِه معهما, ينبغي على إخوان وأخوات الزوج ما يلي:
أولاً: مُساعدةُ الزوجةِ في أعباءِ البيت عند الزيارة, فكثيرًا من النساء حين زيارتهنّ, لا يُحْضِرْنَ معهنّ شيئًا, ويَكِلْن إلى الزوجة عمل طعام الغداء أو العشاء, وإعداد الشاي والقهوة عصرًا, بل وبعضُهنّ لا يقمن بتنظيف مُخلَّفاتهنّ, ولا يُصلحن ما يُفسده أولادهنّ!.
وهذا من الخطأ الكبير, بل ينبغي لهنّ أنْ يُخبرن الزوجةَ, بأنهن سيُحضرن كلّ شيءٍ معهنّ, وعند حضورهنّ يَنْتَبِهْنَ لأولادهنّ, ويقمن بالتنظيف والعمل, فحينها تشعر الزوجة بعدم ثقل يوم الزيارة, بل وتفرح وتُسرّ.
ثانيًا: عدمُ التدخل في شؤون البيت أبدًا, فكثيرٌ منهم يلوم ويُعاتب الابن أو الزوجة, على بعض ما يحصل في البيت, وربما اشْتكت الأم بعض القصور, فيُبادرون في اللوم والعتاب.
وهذا خطأٌ من وجوه:
أولاً: أنهم لم يسْمَعوا من الطرف الآخر, ومهما كان قدر الأم أو الأب كبيرًا وعظيمًا, لا يجوز الاستماعُ لهما وحدهما, دون سماع وجهة نظر الابن أو زوجته.
ثانيًا: أنَّ الواجب عليهم تخفيفُ مُصابِ الأمّ ونُصْحُها, وتذكيرُها بفضل ابنها وزوجته, وأنهما ما جلسا إلا لأجلها, لا أنْ يزيدوها همًّا وغمًّا, ويكونون معها في لومها وعتابها.
ثاثًا: أنْ يُحسنوا الظن بأخيهم, وأنه لا يُمكن أنْ يتعمد الإساءةَ لأمِّه, ولا يرضى من زوجته أنْ تفعل ذلك.
أمة الإسلام: وإنّ مِن أعظم مشاكل كثيرٍ من الأسر والأقارب: الْمُشاركةَ في تجارةٍ, دون وضعِ خُطةٍ واضحة.
ما أكثر ما وقع الإخوةُ والأقارب في عداوةٍ وتقاطعٍ, بسبب الْمُشاركة في تجارةٍ وعملٍ ونحوه! دون أنْ يضعوا خُططًا واضحة, ودون أنْ يعرف كلُّ واحدٍ ما له وما عليه.
والدِّقَّةُ في ذلك أمرٌ مُهمٌّ جدًّا, حتى لا يجدَ الشيطانُ فرصةً للوقيعة بينهم.
أمة الإسلام: ينبغي لكلِّ من حصل بينه وبين قريبه مُشكلةٌ, أو سوء تفاهم أو مكروهٌ, أنْ يُبادر إلى زيارته, أو الاتصالُ به على أقلّ الأحوال, لفهم وجهة نظره, وسبب فعله, ومُحاولةِ تحجيم المشكلة لا تضخيمِها.
واعلموا أنّ إصلاحَ ذات البين, والحرصَ على لَمِّ شمل الْمُتقاطِعِين, من أعظم حقوق القريب على قريبه, وهو من أعظم الأعمال عند الله تعالى.
فتفاقم وتعقُّدُ كثيرٍ من المشاكل الأسرية, إنما سببُه عدم وجود المصلحين, وسعيِهم للصُّلح ونبذِ القطيعة.
فينبغي لكلِّ فردٍ من أفراد الأُسرة أنْ يسعى في الإصلاح, ويتطلَّبَ شتَّى الوسائلِ الْمُمْكنةِ في تصفية القلوب, وتآلفِ النفوس.
معاشر المسلمين: كمْ همُ الذين تَبدُرُ منهم زلَّةٌ أو تقصيرٌ مع أقْربائهم, ثم لا يُسارعون في الاعتذار إليهم, وتطييبِ خواطرهم.
وهذا من أعظم أسباب المشاكل واسْتمرارها.
فلو أنَّ مَن ارْتكبَ خطأً, أو سلوكًا سيِّئًا في حق قريبه, ثم اعتذر منه بصدقٍ, لَمَا طالت هذه النزاعات والخلافات.
عوِّدْ نفسك أنْ تقول: أعتذر عن خطئي, أُقِرُّ بأني مُخطئ, وهكذا, فإن الاعتذار يُزيل ما في القلب من ضغينةٍ, ويغسلُ ما ألمّ به من ألَمٍ.
وممَّا ينبغي تجنُّبُه عند الاعتذار: عدمُ التصريحِ والوضوحِ بطلب المسامحة والعذر, فبعضهم ربما يقول: يا فلان, إنْ كنتُ أخطأتُ فأنا بشرٌ أُخُطئ وأصُيب!, وبعضُهم يُرسلُ رسالةً يقول فيها: إلى كلّ من ظلمتُه, أو أخطأتُ في حقِّه أرجو مسامحتي, فأنا قد سامحتُ كلَّ أحد!!
وهذا كلُّه لا يُسمى اعتذاراً, ولا رجوعاً عن الخطأ, بل هو بغيضٌ ثقيلٌ.
قال بعض السلف: رُبَّ ذنبٍ أحسنُ من الاعتذار منه.
إذا كان وجهُ العذرِ ليس بواضحٍ ... فإنَّ اطِّراحَ العُذْر خيرٌ من العذر
نسأل الله تعالى أنْ يُوفقنا لصلةِ أرحامنا, وأنْ يُحسّن أخلاقَنَا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: من أهم ما يحتاجه القريبُ من قريبه, والصديقُ من صديقه, - وخاصَّةً بين الزوجين- أنْ يُخبره بما يُحبه وما يكرهه, من الطباع والأخلاق وغيرها, حتى يعملَ على القيامِ بها, ويتَجَنَّبَ ضدّها.
أمَّا أنْ تسكت عن ذلك, فإنَّ قريبَك قد يقترفُ ما يُكدر خاطرك, ويُضيِّق صدرك, ثم تلومه وتُعاتبه بعد ذلك, وأنت الْمُلامُ أولاً.
إذا كانت صورةُ القريبِ عند قريبه واضحة, وانْكشف له ما يهواه قريبه وما يُبغضه: كان ذلك سببًا كبيرًا في دوام الأُلْفة, وسلامتها ممَّا يُكدِّرها.
كثيرٌ من الأزواج, تَمْضي السنواتُ الطويلة, ولا يعرف أحدُهم ما يُحب ويُبغض الآخر, وربما عرفها ولكنْ لا يُبالي ولا يلتزم بها, فتنشأ الخلافات الكثيرةُ.
أمة الإسلام: الصبرُ على بعض الأقاربِ, الذين فيهم جفاءٌ أو حِدَّةٌ, ومُداراتهم, مِن أهمّ ما ينبغي على العاقل أنْ يقوم به, ولا تستقيم الحياةُ الأُسرية إلا بذلك.
ولن تجد صفةً تعيبها في قريبك, إلا وجدتَ صفةً أُخرى تستحسنها, كما قال الشاعر:
إذا عبتُ منه خَلَّةً فهجرتُه ... دعتني إليه خلَّةٌ لا أعيبُها
بعضُ الأقارب والأصدقاء يكون بخيلاً, لكنَّ عنده من الأخلاق والصفات الأخرى ما تُرقِّع هذا الخلق, وتسدُّ ثَلْمَ هذا الخرق, كأن يكون خدوماً سمحاً مُؤْنساً, فاصبر ودارِ بُخله, لِتَسْتَمْتِعَ بِمَحاسنه الأخرى.
بعضُهم يكون عنيداً شديد التمسك برأيه, لكنه مع ذلك كريماً باذلاً, سديدَ الرأي, ذا خبرةٍ وتجارب, فاصبر ودارِ عناده, وامدح رأيه ووافقه- قدر الإمكان- لتستمتع بِمَحاسنه الأخرى.
والعاقل, لا يعمل ما يُثير الصفة السيئة في قريبه وصديقِه, ويتحاشا ما يُهيجها أو يُحركها.
فإذا علمتَ أنَّ قريبك أو صديقِك, لا يُحب نقْد فلانٍ أو جماعةٍ, أو يكره التعليق عليه, أو يُبغض كلماتٍ مُعيَّنةً, أو موضوعاً ما: فمن السخافةِ وقلَّة الوفاءِ والعقل, أنْ تَذْكرَ ذلك عنده.
هذا ما تيسّر طرحُه عن هذا الموضوع المهم والخطير, أسأل الله تعالى أنْ ينفعَنا بِمَا نقولُ ونسمع, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ آباءنا كانوا يعيشون في بيتٍ واحدٍ صغيرٍ, يعيش الإخوان جميعًا مع وزوجاتِ أولادِهم, لا يشكون الضيق والحسد, ويندُر أنْ تقع الخصومةُ بين أحدٍ منهم.
أما الآن, فالوضع تغيّر تمامًا, فلا يكاد يحتمل القريبُ من قريبه الخطأ ونحوَ ذلك, ولا يحتملون العيش في بيتٍ واحدٍ مهما كانت سعَتُه.
ولذا, لابدّ من علاجِ هذه الظاهرةِ بحكمةٍ.
وإنّ النَّاظر في حال الأُسَر والبيوت, يجد أنَّ الكثير من المشاكل مَنْشؤها وبِدايَتُها, من سَكَنِ الابن في بيت الوالدين بعد زواجه, وهما ليسا بحاجةٍ ماسَّةٍ له.
فإصْرار الوالدين على سَكَنِ الابن في البيت إذا تزوج, والبيتُ مُمْتلئٌ بإخوانه أو أخواته, ويشتركون في البيت سويًّا, دون أنْ يكون للزوجين قِسْمٌ مُنعزلٌ في البيت, قد يكون له عواقبُ وخيمةٌ, وأضرارٌ جسيمةٌ.
فيحدث الخلاف غالبًا بين الزوجة والأم, بسبب غيرتها على ابنها, واعتقادها بأنه يميل مع زوجته أكثر منها.
أو بين الزوجة وبين أخوات الزوج, بسبب اعْتقادهنّ أن الزوجةَ مُطالبةٌ بالعمل في البيت كما يعملنْ, وبالطبخِ والتنظيفِ كما يفعلن.
وهذا من الخطأ الجسيم, فالزوجة ليس عليها إلا خدمةُ زوجها, ورعاية حقِّه, وإنه من قلَّةِ المروءةِ مُطالبةُ الزوجة- وهي الضيفة في البيت- بالعمل والكدّ لغير زوجها.
إنّ الأب العاقل, والأم العاقلة: هما اللذان يُهيِّئان المكان والجو المناسب لابنهما وزوجته, وذلك باسْتقلالهما وأخذِ راحتهما في حياتهما.
واسْتقلالُهُما لا يعني بُعدهما عنهما, ولكن يكون بجعل جانبٍ من البيت, مَعزولاً ومُسْتقلاًّ بكامل احْتياجاته, وبينهما بابٌ, فمتى أرادا المجيء إليهما جاءا في الوقت المناسب.
وأما إذا لم يكن في البيت إلا الأمُّ أو الأبُ, دون الأخواتِ والحموات, فلا ينبغي للابن أنْ يخرج من البيت ويَتْرُكْهُمَا وحدهما.
وفي حال جلوس الابن مع والديه, وسَكَنِه معهما, ينبغي على إخوان وأخوات الزوج ما يلي:
أولاً: مُساعدةُ الزوجةِ في أعباءِ البيت عند الزيارة, فكثيرًا من النساء حين زيارتهنّ, لا يُحْضِرْنَ معهنّ شيئًا, ويَكِلْن إلى الزوجة عمل طعام الغداء أو العشاء, وإعداد الشاي والقهوة عصرًا, بل وبعضُهنّ لا يقمن بتنظيف مُخلَّفاتهنّ, ولا يُصلحن ما يُفسده أولادهنّ!.
وهذا من الخطأ الكبير, بل ينبغي لهنّ أنْ يُخبرن الزوجةَ, بأنهن سيُحضرن كلّ شيءٍ معهنّ, وعند حضورهنّ يَنْتَبِهْنَ لأولادهنّ, ويقمن بالتنظيف والعمل, فحينها تشعر الزوجة بعدم ثقل يوم الزيارة, بل وتفرح وتُسرّ.
ثانيًا: عدمُ التدخل في شؤون البيت أبدًا, فكثيرٌ منهم يلوم ويُعاتب الابن أو الزوجة, على بعض ما يحصل في البيت, وربما اشْتكت الأم بعض القصور, فيُبادرون في اللوم والعتاب.
وهذا خطأٌ من وجوه:
أولاً: أنهم لم يسْمَعوا من الطرف الآخر, ومهما كان قدر الأم أو الأب كبيرًا وعظيمًا, لا يجوز الاستماعُ لهما وحدهما, دون سماع وجهة نظر الابن أو زوجته.
ثانيًا: أنَّ الواجب عليهم تخفيفُ مُصابِ الأمّ ونُصْحُها, وتذكيرُها بفضل ابنها وزوجته, وأنهما ما جلسا إلا لأجلها, لا أنْ يزيدوها همًّا وغمًّا, ويكونون معها في لومها وعتابها.
ثاثًا: أنْ يُحسنوا الظن بأخيهم, وأنه لا يُمكن أنْ يتعمد الإساءةَ لأمِّه, ولا يرضى من زوجته أنْ تفعل ذلك.
أمة الإسلام: وإنّ مِن أعظم مشاكل كثيرٍ من الأسر والأقارب: الْمُشاركةَ في تجارةٍ, دون وضعِ خُطةٍ واضحة.
ما أكثر ما وقع الإخوةُ والأقارب في عداوةٍ وتقاطعٍ, بسبب الْمُشاركة في تجارةٍ وعملٍ ونحوه! دون أنْ يضعوا خُططًا واضحة, ودون أنْ يعرف كلُّ واحدٍ ما له وما عليه.
والدِّقَّةُ في ذلك أمرٌ مُهمٌّ جدًّا, حتى لا يجدَ الشيطانُ فرصةً للوقيعة بينهم.
أمة الإسلام: ينبغي لكلِّ من حصل بينه وبين قريبه مُشكلةٌ, أو سوء تفاهم أو مكروهٌ, أنْ يُبادر إلى زيارته, أو الاتصالُ به على أقلّ الأحوال, لفهم وجهة نظره, وسبب فعله, ومُحاولةِ تحجيم المشكلة لا تضخيمِها.
واعلموا أنّ إصلاحَ ذات البين, والحرصَ على لَمِّ شمل الْمُتقاطِعِين, من أعظم حقوق القريب على قريبه, وهو من أعظم الأعمال عند الله تعالى.
فتفاقم وتعقُّدُ كثيرٍ من المشاكل الأسرية, إنما سببُه عدم وجود المصلحين, وسعيِهم للصُّلح ونبذِ القطيعة.
فينبغي لكلِّ فردٍ من أفراد الأُسرة أنْ يسعى في الإصلاح, ويتطلَّبَ شتَّى الوسائلِ الْمُمْكنةِ في تصفية القلوب, وتآلفِ النفوس.
معاشر المسلمين: كمْ همُ الذين تَبدُرُ منهم زلَّةٌ أو تقصيرٌ مع أقْربائهم, ثم لا يُسارعون في الاعتذار إليهم, وتطييبِ خواطرهم.
وهذا من أعظم أسباب المشاكل واسْتمرارها.
فلو أنَّ مَن ارْتكبَ خطأً, أو سلوكًا سيِّئًا في حق قريبه, ثم اعتذر منه بصدقٍ, لَمَا طالت هذه النزاعات والخلافات.
عوِّدْ نفسك أنْ تقول: أعتذر عن خطئي, أُقِرُّ بأني مُخطئ, وهكذا, فإن الاعتذار يُزيل ما في القلب من ضغينةٍ, ويغسلُ ما ألمّ به من ألَمٍ.
وممَّا ينبغي تجنُّبُه عند الاعتذار: عدمُ التصريحِ والوضوحِ بطلب المسامحة والعذر, فبعضهم ربما يقول: يا فلان, إنْ كنتُ أخطأتُ فأنا بشرٌ أُخُطئ وأصُيب!, وبعضُهم يُرسلُ رسالةً يقول فيها: إلى كلّ من ظلمتُه, أو أخطأتُ في حقِّه أرجو مسامحتي, فأنا قد سامحتُ كلَّ أحد!!
وهذا كلُّه لا يُسمى اعتذاراً, ولا رجوعاً عن الخطأ, بل هو بغيضٌ ثقيلٌ.
قال بعض السلف: رُبَّ ذنبٍ أحسنُ من الاعتذار منه.
إذا كان وجهُ العذرِ ليس بواضحٍ ... فإنَّ اطِّراحَ العُذْر خيرٌ من العذر
نسأل الله تعالى أنْ يُوفقنا لصلةِ أرحامنا, وأنْ يُحسّن أخلاقَنَا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: من أهم ما يحتاجه القريبُ من قريبه, والصديقُ من صديقه, - وخاصَّةً بين الزوجين- أنْ يُخبره بما يُحبه وما يكرهه, من الطباع والأخلاق وغيرها, حتى يعملَ على القيامِ بها, ويتَجَنَّبَ ضدّها.
أمَّا أنْ تسكت عن ذلك, فإنَّ قريبَك قد يقترفُ ما يُكدر خاطرك, ويُضيِّق صدرك, ثم تلومه وتُعاتبه بعد ذلك, وأنت الْمُلامُ أولاً.
إذا كانت صورةُ القريبِ عند قريبه واضحة, وانْكشف له ما يهواه قريبه وما يُبغضه: كان ذلك سببًا كبيرًا في دوام الأُلْفة, وسلامتها ممَّا يُكدِّرها.
كثيرٌ من الأزواج, تَمْضي السنواتُ الطويلة, ولا يعرف أحدُهم ما يُحب ويُبغض الآخر, وربما عرفها ولكنْ لا يُبالي ولا يلتزم بها, فتنشأ الخلافات الكثيرةُ.
أمة الإسلام: الصبرُ على بعض الأقاربِ, الذين فيهم جفاءٌ أو حِدَّةٌ, ومُداراتهم, مِن أهمّ ما ينبغي على العاقل أنْ يقوم به, ولا تستقيم الحياةُ الأُسرية إلا بذلك.
ولن تجد صفةً تعيبها في قريبك, إلا وجدتَ صفةً أُخرى تستحسنها, كما قال الشاعر:
إذا عبتُ منه خَلَّةً فهجرتُه ... دعتني إليه خلَّةٌ لا أعيبُها
بعضُ الأقارب والأصدقاء يكون بخيلاً, لكنَّ عنده من الأخلاق والصفات الأخرى ما تُرقِّع هذا الخلق, وتسدُّ ثَلْمَ هذا الخرق, كأن يكون خدوماً سمحاً مُؤْنساً, فاصبر ودارِ بُخله, لِتَسْتَمْتِعَ بِمَحاسنه الأخرى.
بعضُهم يكون عنيداً شديد التمسك برأيه, لكنه مع ذلك كريماً باذلاً, سديدَ الرأي, ذا خبرةٍ وتجارب, فاصبر ودارِ عناده, وامدح رأيه ووافقه- قدر الإمكان- لتستمتع بِمَحاسنه الأخرى.
والعاقل, لا يعمل ما يُثير الصفة السيئة في قريبه وصديقِه, ويتحاشا ما يُهيجها أو يُحركها.
فإذا علمتَ أنَّ قريبك أو صديقِك, لا يُحب نقْد فلانٍ أو جماعةٍ, أو يكره التعليق عليه, أو يُبغض كلماتٍ مُعيَّنةً, أو موضوعاً ما: فمن السخافةِ وقلَّة الوفاءِ والعقل, أنْ تَذْكرَ ذلك عنده.
هذا ما تيسّر طرحُه عن هذا الموضوع المهم والخطير, أسأل الله تعالى أنْ ينفعَنا بِمَا نقولُ ونسمع, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق