المُشاحنة والمُقاطعة ( مشكولة مختصرة)

عبدالله حامد الجحدلي
1442/10/14 - 2021/05/26 12:17PM

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

الحمدُ لله الذي جعلَ المؤمنينَ بنعمتهِ إِخْوَانًا  ،  وعلى الخيرِ أنصاراً وأعواناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيراً.

أمَّا بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله الملك العلاَّم، فإن تقواهُ سبحانهُ عروةٌ ليس لها انفصام، وجذوةٌ تنيرُ القلوبَ والأفهام]: وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[

أيُّها المسلمون: القاعدةُ الكبرى في تحقيقِ سعادةِ المجتمعِ وضمانِ استقراره ، تَكْمُنُ بعدَ عقيدتها وإيمانها بربِّها في نسيجها الاجتماعي المترابِط، ومنظومتها القِيَمِيَّة المتألِّقة، التي تنظمُ عواطفَ الودِّ المشترَك والحبِّ المتبادَل والتَّضامنَ المُشَاع والصِّلَة المستديمة، في بُعدٍ عن الضَّغائنِ والبغضاء، وغوائل التَّقاطعِ والجَفاء، وإثارةِ الأحقادِ والشَّحناء.

إخوة الإيمان : إنَّ الترابطَ الأُسَرِيْ والتَماسُكَ الاجتماعي مَيْزةٌ كُبرى من مزايا شريعتنا الغرَّاء، وخَصِّيصَةٌ عظمى من خصائصِ مُجْتَمَعِنا المُسلمِ المحافِظ، الذي لُحْمَتُه التَّواصل، وسُدَاهُ التَّعاون والتَّكافل.

عباد الله :  لِقد وصلَ الحالُ ببعضِ الناسِ أنْ يَمْتَلِئَ قلبهُ غَيظاً وحِقداً على أقاربهِ وذَوي رَحِمِه، فَيُقَاطِعَهمْ بل يُعادِيهمْ، ويُخَاصِمَهُمْ بل يُقَاضِيِهِمْ، من أجلِ أمرٍ تافهٍ حَقير، يَتعَلَّقُ بحِفْنَةٍ من الحُطام، أو وِشَايةَ غِرٍ لئيم، أو زَلةِ لِسان، أو شجارٍ بين الأطفال، وكلُّ ذلِكَ سَبَبهُ الشيطان؛ فقد حذَّرَنا اللهُ من نزغاتِ الشيطان، فقال تعالى: [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا[ الإسراء:53 ،

 و حذَّرَنا النبي e بقوله < إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ »  رواه مسلم.

أيها المؤمنون: اعلموا أن المتشاحنان لا يُرفَعُ لهما عمل: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ <  تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا »  رواه مسلم.

 و < لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»  متفق عليه.

فلا يخذّلنك الشيطان-  يا عبد الله- بعد خروجكَ من الجامع، وكنْ جاداً مع الله،  وبادر بالإصلاحِ تِجدَ الخيرَ والفلاح.

واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن وساوس النفس، وصِل رحِمَك، وأبقَ على الود، واحفظ العهد؛ وانثرَ المحبةَ والسعادةَ والسلام، فصِلْ من قطعك، وأعطِ من حرمك، واعفُ عمن ظلمك.

وكن هيناً ليناً سمحاً، ترجو من الله الأجر والثواب، وتقابلَ الإساءةَ بالعفوِ والصفح]  الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134.

فأحسن -يا عبد الله- يُحْبِبْكَ الله، بل ويغفر لك بعفوك ،  

]  وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  [النور:22.

وإياك إياك أن يَغُرَّكَ الشيطان! فَطَهِر قلبك من الآن، ونقِّ صدرك في هذا المكان، وكنْ من أفضلِ الناس.

عبادَ الله: إنَّ مِن خُلُقِ المسلمَ حبَّ الخيرِ لإخوانِه المسلمين؛ لذا  تراهُ يسعى في الإصلاحِ بينهم والتوفيقَ فيما بينهم وتضييقِ هُوّةِ النزاعِ والاختلاف، وهذا الخُلُق الكريم يسعى فيه ذوو التّقى والمروءةِ والأخلاق الكريمة]  لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا  [النساء:114.

فإذا علمت أن بين اثنين من إخوانِك أو قرابتِك أو أرحامِك أو أصحابِك أو جيرانِك شحناءٌ أو قطيعة، فعليكَ أن تَبذُلَ وِسْعَكَ وغايةَ جُهدِكَ في الإصلاح بينهما، قال تعالى :

]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10.

فهنيئًا لقريبٍ أعانَ على صِلَته بِقَبولِ العُذرِ والصَّفحِ والعفو، والتَّغاضي عنِ الهفوات، والتَّغافلِ عن الزلاَّت، إن أحسنَ فلا يَمُنّ، وإن أعطى فلا يَضِنّ، لا يَعرِفْ السِّباب، ولا يُكثرِ العِتاب، فليست تدومُ مودةٌ وعتاب، يتجنَّبَ المِراءَ والجِدال، ويُحسنُ الأقوالَ والفِعال، يُشاركُ أقارِبَه آلامهم وآمالهم، ويُشاطِرَهم أفراحهم وأتراحهم، مِفتاحٌ لكلِّ خير، مِغلاقٌ لكلِّ شرّ، ينصح ولا يفضح، ويستر ولا يُعيِّر، وفي ذلك ذكرى للذَّاكرين وعبرة للمعتبِرين، والله المسؤولَ أن يُصلحَ الحال، وتُسعدُ المآل، إنَّه جزيلُ العطاءِ والنوال.
  بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمد لله على إحسانه، والشّكر له عَلى توفيقِه وامتنانه، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا مزيدًا.

أَمَّا بَعْدُ : أيّها المسلمون، إنّ الأقارب أو الأصحاب غيرُ معصومين ، تصدُر منهم الهَفوةُ والزلة.  

فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبِل عُذرَهم إذا أخطؤوا،

غُضَّ عن الهفواتِ، واعفُ عن الزّلاّت، وأقِلِ العثرات، تَجْنِ الوِدَّ والإخاء واللينَ والصفاء، وتتحقَّق فيك الشهامةُ والوفاء. وبادِر بالمغفرة  إن أخطؤوا، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين، ، وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء،

ثمّ اعلَموا أنَّ الله أمرَكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال في محكَم التنزيل :

]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56.
 اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اَللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ .

واجعَل اَللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مطمئناً سخاءً رخاءً ، وسائرَ بلادِ المُسلمين.

اللَّهُمَّ وفِّق إمامَنا لِهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه و وَلِيَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين.

 اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،

اللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم واسلُلْ سَخائِم قلوبنا، طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، اللهم ألف بين قلوبنا، واجمع على الحق كلمتنا، استر عيوبنا واقض ديوننا، وارحم موتانا، واشف مرضانا يا رب العالمين، 

اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين،

 [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] البقرة: 201.

 [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] الصافات180-182

المرفقات

1622031448_المُشاحنة والمُقاطعة.doc

1622031456_المُشاحنة و المُقاطعة.pdf

المشاهدات 1507 | التعليقات 1

وفقك الله اخوي ابو تركي موضوع رائع 

  1. جزاك الله خيى