المُسْكِرُ الداءُ الدَّوِيُّ ( حسب التعميم الوزاري - بثلاث صيغ)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/05/09 - 2020/12/24 10:47AM

الحمدُ للهِ الذيْ اهتدَى بهدايتِهِ المُهتدونَ، وأُضِلَّ بحكمتهِ الضالونَ، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ اللهُ {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45)وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} فصلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ، وسلّمَ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:

ألا ما أرحمَ ربَنا بِنا، حيثُ شَرعَ لنا منَ الدينِ ما فيهِ هدايتُنا ومنفعتُنا. ولنأخذْ مثالاً واحدًا منْ خلالِ تأمُلِ قولِ ربِنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)}.

تحذيرٌ من ربِّنا بأنَّ مُتناولِيْ المسكراتِ ليسُوا بمُفلحينَ، بل يعيشونَ الضيقَ وقلةَ التوفيقِ. وفي حديثٍ حَسَنٍ: الْخَمْرُ أُمُّ الْفَوَاحِشِ، وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، مَنْ شَرِبَهَا وَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ([1]).

قالَ الشيخُ السعديُ رحمهُ اللهُ: (فأيُ معصيةٍ أقبحُ من معصيةٍ تُوقِعُ صاحبَها في أعمالِ الشيطانِ وشباكهِ، فيَنقادُ لهُ كما تَنقادُ البهيمةُ الذليلةُ لراعِيها؟)([2]).

ويا عجبًا منْ شابٍ حماهُ اللهُ سنينَ عنِ الوقوعِ في التدخينِ، فضلاً عما هوَ أشدُ، ولكنْ بعدَما كبُرَ عمرُهُ وزادَ عقلُهُ؛ إذا هو يُرَدُ إلى حمْأةِ الكاساتِ والكَبسولاتِ!!

ولو قُلتَ: كيفَ يرضَى العاقلُ أنْ يتلذذَ بذهابِ عقلِهِ؟ فيقالُ: إنّ إبليسَ جاءَ أبانَا منْ طريقٍ لازالَ وللأسفِ يستخدِمهُ معنا نحنُ ذريتَه، فقدْ صورَ إبليسُ لأبِينا عليهِ السلامُ فقالَ لهُ: (يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) فالشيطانُ يُصورُ للعاصي بالتخيلِ الكاذبِ أنهُ سيَنالُ الراحةَ الكبرَى، وأنّ المسألةَ تجرِبةٌ فقط، وكذلكَ شياطينُ الإنسِ يقولونَ لصاحبِهم: كُلْ هذهِ الحبةَ المخدِرةَ مرةً واحدةً وجرّبْ؛ فإنها تَبْسُطُكَ، وإذا لم تُعجبكَ فلا تأكُلها مرةً ثانيةً!

فإياكَ وداءَ التجربةِ؛ فإن أولَ أمرِها يسيرٌ، ثم تكونُ لها كالأسيرِ، فمَن قالَ بأنكَ إذا أكلتَها مرةً سيكونُ بيدكَ القرارُ ألَّا تأكلْها مرةً أخرى؟! فإن الجسمَ إذا دخلَتْهُ هذهِ السمومُ بدأَ يَطلبُها، وإلا لمَا رأيتَ شبابًا يَتهافتونَ عليها مع علمِهمْ بضررِها.

فيا أيُها الآباءُ والأولياءُ الذينَ استرعاكُمُ اللهُ فِتْيةً تتخطفُهم فتنٌ وشهواتٌ: أظهِروا الشفقةَ عليهم، فهم أولى بالشفقةِ واللينِ من الطاغيةِ فرعونَ الذي أُمرَ موسى وهارونُ أن يقُولَا [لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] وتعرَّفوا على مشكلاتِهم، وتلمّسوا حاجاتِهم، وإلا بقوا نَهْباً لشياطينِ الإنسِ الذين يَصحبونَهم فيَسحبونَهم.

وأنتُنَ أيتُها الزوجاتُ اللاتي ابتليتُن بأزواجٍ يَتعاطَونَ المسكرَ:

تعاملْنَ مع الموقفِ بحزمٍ وحكمةٍ، ولا تكتُمْنَ جُرحًا قاتلاً، بل استشِـرْنَ الثقاتِ العارفينَ بهذا الداءِ الدويِّ.

الحمدُ للهِ مُولِي النِعَمِ، ودافعِ النِقَمِ، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ خيرِ الأممِ، أما بعدُ:

فيا مَن وقعَ في شِراكِ المسكراتِ تعاطيًا أو ترويجًا: التوبةَ التوبةَ قبلَ الندمِ والفضيحةِ، وقبلَ الموتِ والعذابِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ. رواهُ مسلمٌ([3]).

فإنْ لم ترتدِعْ أنتَ وعملاؤُكَ فإن حُماةَ دولتِنا -بحمدِ اللهِ- لكمْ بالمرصادِ، واللهُ معهمْ، بدءًا من الحدودِ الجمركيةِ، ثم أجهزةِ التفتيشِ المفاجئةِ، ثم هذا الصرحِ الشامخِ المكافحِ للمخدراتِ، ثم حُكمِ المَحاكِمِ الصارِمِ، كلُ هؤلاءِ وراءَك وراءَك.

وقدْ أفتتْ هيئةُ كبارِ العلماءِ بأن: المُهربَ للمخدراتِ أو مستوردَها عقوبتُه القتلُ. أما مروجُها؛ ففي المرةِ الأولَى يعزَّرُ تعزيراً بليغاً حسبَما يقتضيهِ النظرُ القضائيُ، ثم يعزّرُ بما يَقطعُ شرَهُ ولو بالقتلِ؛ لأنه بفعلهِ هذا يُعتبرُ من المفسدينَ في الأرضِ([4]).

ولنشُدَّ منْ أزْرِ المرابطينَ لمحاربةِ هذهِ السمومِ، والذين يَتَلَقَّونَ التهديدَ والعناءَ؛ فإنهمْ يستحقونَ منا الثناءَ والدعاءَ، فاللهم وفّقهُمْ وثبّتهُمْ واحفظهُمْ في أنفسهِمْ وأهليهِمْ. وليُبشِروا ببشارةٍ من سماحةِ الشيخِ ابنِ بازٍ -رحمهُ اللهُ- حيثُ يقولُ: مَنْ أعانَ على فضحِ هذهِ الأوكارِ، وبيانِها للمسؤولينَ فهو مأجورٌ، ويُعتبرُ مجاهِداً في سبيلِ الحقِ([5]).

·       اللهمَ إنا عاجزونَ عن شُكرك، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ، فلكَ الحمدُ بكلِ نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ.

·       اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا. اللهم ارفعْ وباءَنا، وادفعْ بلاءَنا.

·       اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، واقضِ ديونَنا، وأرخصْ أسعارَنا.

·       اللهمَ أطِبْ أطعمتَنا وأجبْ دعوتَنا.

·       اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ.

·       اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

·       اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ.

·       اللهمَ حسِّنْ أخلاقَنا، وبارِك أرزاقَنا، وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسددْ إمامَنا، ووليَ عهدِ إمامِنا.

·       اللهمَ احمِ حدودَنا وجنودَنا. وأصلِحْ بلادَنا وأولادَنا، وبارِكْ تعليمَنا ويسِّرْ تفهيمَنا.

·       اللهمَ احفظ شبابنا وشوابنا من فتن الشبهات والشهوات، واجعلهم من مقيمي الصلوات.

·       اللهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ

·       قالَ حبيبُنا e: أكثِروا علَيَّ منَ الصلاةِ في كلِ يومِ جمعةٍ، فإن صلاةَ أمتي تُعرَضُ علَيَّ في كلِ يومِ جمعةٍ، فمَنْ كانَ أكثرَهم عليَّ صلاةً كانَ أقربَهم مني منزلةً([6]).رواه البيهقي وحسنه المنذريُ وابنُ حجرٍ والعجلونيُ والألبانيُ. فاللهمَ صلِ وسلِم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.



([1])المعجم الأوسط (3134) وصححه الحاكم والذهبي (4/ 145) والسيوطي كما في التنوير (1/ 365)وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 631).

([2])بتصرف من تفسير السعدي ص: 243

([3])صحيح مسلم (2002).

([4]) قرار مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 9/ 6/ 1407 هـ

([5])فتاوى إسلامية  - محمد المسند (5 / 241)

([6])رواه البيهقي في شعب الإيمان (برقم 2770) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (برقم 2583) وابن حجر  في الفتح (11/167) والعجلوني في كشف الخفا (1/190) والألباني في صحيح الترغيب (برقم167(

المشاهدات 1201 | التعليقات 0