المسكرات والمخدرات ضرر وضرار

محمد ابراهيم السبر
1443/03/18 - 2021/10/24 17:58PM

 المسكرات والمخدرات ضرر وضرار

الحمد لله، الذي أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، فحمداً له على نعمائه وعلى حسن بلائه، ونصلي ونسلم على خير خلقه وإمام أوليائه، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.

​عباد الله، يقول ربنا جل جلاله في وصف رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾. ​

فشرعُنا الإسلامي الحنيف شرع عظيم بما فيه من كمال وتمام وجمال، وتنظيم رائع لحياة الفرد مع ربه ومجتمعه، فإنه لم يشرع إلا ما فيه الخير للإنسانية في عاجل أمرها وآجله، علمه من علمه، وجهله من جهله، فأحلَّ الطيبات، وحرّم الخبائث من أجل مصلحة الإنسان، وبقاء الدين مصوناً من الإثم والطغيان، ومن أعظم الخبائث وأكبرها جُرماً المسكرات والمخدرات التي تفتك بالدين والدنيا، والفرد والمجتمع.

وفي القرآن الكريم تحريم قاطع لهذه الآفات فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، والأمر بالاجتناب أشد أنواع التحريم؛ لأنه أمر بعدم مقاربته فضلاً عن تعاطيه.

وفي الهدي النبوي يقول ﷺ:" كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، وقال: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب؛ لم يشربها في الآخرة". رواهما مسلم.

وأجمعت الأمة على حرمة الخمر، كما اتفق العلماء على حرمة تناول ما يؤثر على العقل من المواد والعقاقـير المخدرة، وتعاطيها بأي صورة من الصور سواء كان بطريق الأكل أو الشراب أو التدخين أو السعوط أو الحقن، ولا شك أن المخدرات أعظم خطراً وأسوء أثراً من الخمور فهي أولى بالتحريم لأنّها تُسْكِر كالخمر، وهي أكثر ضرراً على الجسم والعقل والمجتمع.

المسكرات والمخدرات هي أم الخبائث، فهي تجمع كل الخبائث الدينية والدنيوية وكل موبقات الذنوب وموجبات الندم؛ وهي مفتاح كل شر فصاحبها مغضب لربه، مفسد لعقله، ومنهك لصحته، مؤذ لأهله ومجتمعه.

إن العقل هو مناط التكليف، ومدار الكرامة الإنسانية، والعاقل الحصيف لا يسعى لإتلاف عقله، ودمار صحته، بهذه الخبائث والكبائر، بل ويسعي جاهدا للتخلص منها

واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً ***كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ

وعندما يفقد معاقر الخمرة ومدمن المخدر توازنه العقلي والحسي، فإنه ينزل إلى مستوى بهيمي ويكون وحشاً ضارياً في بيته ومجتمعه، لا يمنعه من فعل الإجرام وازع ولا رادع!

                  شَرِبْتُ الخَمْرَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي***كَذَاكَ  الخَمْرُ  تَفْعَلُ   بِالعُقُولِ
والواقع يشهد بهذا فيُرى من حال متعاطي هذه الخبائث، فهم في شر، فلا عقل سوي، ولا خلق رضي، ولا دين قويم، عداوة وبغضاء، وضرر وضرار ، فالجيران في خصام مع المدمن، والزوجة تشكو من زوجها المدمن الذي يضرب ويطلق، والأبناء في ضياع وشتات، يخربون بيوتهم بأيديهم، والكل يرى حال هؤلاء المبتلين، ومع ذلك فإن البعض لا يتخذ منهم عبرة، فيقع في شِراك المروجين المفسدين في الأرض، ليهلك مع الهالكين.

إخوة الإسلام متعاطي المخدرات ومدمنها جزء من مجتمعنا فيجب احتواءه وعلاجه وتأهيله لعودته للحياة الطبيعية، ومن هنا لابد أن تتكاتف الجهود الأسرية والمجتمعية على محاربة هذه الآفة، كلٌّ بما هو متاح له، فلا عذر لأحد أن يرى أحداً قد ابتُلي بها ثم يغض الطرف عن ذلك، ولو كان أقرب قريب، فإن في ذلك حماية له ولغيره، من هذه الخبائث، بل يُحمى منها كما يُحمى المريض مما يشتهيه وهو يضره، ومن لم يستطع فيقوم بإبلاغ الجهات المعنية التي تبذل قصارى جهدها في تطبيبه وإعادته لوضعه السليم.

والمسلم يتقي الله في مطعمه ومشربه وكسبه ويتحرى ما أحله الله، فلا يحمله حب المال على اكتسابه من تهريب المخدرات وترويجها فهذا سحت وحرام.

إن المخدرات هي أكبر خطر يهدد المجتمع، ويرهق الدولة في العلاج والرعاية، والعاملون في أجهزة الأمن ومكافحة المخدرات والجمارك يقومون بدور عظيم وعلى ثغر من ثغور الإسلام كبير، وهم في رباط وجهاد في دحر المهربين وضرب أوكار المروجين؛ وواجبنا التعاون معهم وإخلاص الدعاء لهم؛ فجزاهم الله خيرا وأعانهم.

‏بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوه ولا تعصوه:(وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ). وليتذكر من ابتلي بمعاقرة الخمرة وتعاطى المخدرات أن الله يراه، ويعلم سره ونجواه، فاتق الله، وبادر بالتوبة والإقلاع، فإنه يمهل ولا يهمل، وثب إلى رشدك قبل تؤخذ على ذنبك فتندم ولات ساعة مندم!

أتأمن أيها السكران جهـلاً *** بأن تفجأك في السكر المنية

فتضحى عِبرة للناس طِراً ***وتلقى الله مـن شر البريـة

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 368 | التعليقات 0