المسْجِدُ مَكَانَتُهُ وَالعِنَايَةُ بِهِ 6 جُمَادَى الأُوْلَى 1446هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1446/05/03 - 2024/11/05 18:57PM

المسْجِدُ مَكَانَتُهُ وَالعِنَايَةُ بِهِ 6 جُمَادَى الأُوْلَى 1446هـ

الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغِفُرُه، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْرِفُوا لِلْمَسَاجِدِ مَنْزِلِتَهَا وَعَظِّمُوهَا تَعْظِيمَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ الذِي أَمَرَ بِرَفْعِهَا وَجَعَلَهَا مَكَانَا نَتَقَرَّبُ إلَيْهِ فِيهَا, إِنَّهَا بُيُوتُ اللهِ, إِنَّهَا أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ , إِنَّهَا مَكَانُ أَهْلِ التَّقْوَى وَمَوْئِلُ أَفْئِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}, وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِم , وعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) حَتَّى قَالَ ( وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه, أَيْ: شِدِيدُ الْحُبِّ لِلْمَسْجِدِ وَمُلازِمٌ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ وَكُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ اشْتَاقَ إِلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَصَلَ الْمَدِينَةَ كَانَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَوِّلِ أَعْمَالِهِ, حَيْثُ بَنَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ حِينَ نَزَلَ ثُمَّ بَنَى مَسْجِدَهُ الْمَعْرُوفَ الْمَشْهُورَ, لِأَنَّهُ مَكَانُ ارْتِبَاطِ الْمُسْلِمِينَ معًا, وَمَكَانُ إِقَامَةِ أَعْظَمِ شَعِيرَةٍ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ, وَمَكَانُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَوْطِنُ التَّعَبُّدِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ, مَعَ أَنَّنَا بِحَمْدِ اللهِ نَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ طَاهِرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ, لَكِنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ لَهَا مَزِيِّتُهَا وَخَاصِيَّتُهَا, وَلِذَلِكَ يَجِدُ الْمُسْلِمُ الرَّوْحَانِيَّةَ الْإِيمَانِيَّةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ النَّفْسِيَّةَ وَالرَّاحَةَ الْقَلْبِيَّةَ حِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجَدِ, فَمَا أَجْمَلَهَا وَمَا أَحْسَنَهَا وَمَا أَعْظَمَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْنَا بِهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ جَاءَتْ بَعِدَّةِ أَحْكَامٍ وَآدَابٍ لِلْمَسْجِدِ يَنْبَغِي تَعَلُّمُهَا وَمُرَاعَاتُهَا وَتَطْبِيقُهَا :

فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ تُقَامَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ, وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ مُتَوَضِأً لِتُكْتَبَ خُطُواتُكَ وَتُؤْجَرَ عَلَيْهَا, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْمَسْجِدِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ, حَتَّى لَوْ سَمِعْتَ الْإِقَامَةَ وَخِفْتَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ, فَإِنَّكَ مَأْمُورٌ بِالتَّأَنِّي, خِلَافَاً لِمَا نَرَاهُ الْيَوْمَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِذَا خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ صَارَ يَجْرِي, وَلاشَكَّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ لا يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّي, فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاة) رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَمِنْهَا: أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى وَتَخْرُجَ بِالْيُسْرَى, وَتَقُولَ الذِّكْرَ الْوَارِدَ, فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ), وَجَاءَ نَحْوُهُ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَفِيهِ (فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

وَمِنَ الآدَابِ التِي أَخَلَّ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجَهِلُوهَا: التَّقَدُّمُ لِلصَّفِّ الْأَوِّلِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) رَوَاهُ مُسْلِم.

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ تُبَادِرَ عِنْدَ دُخُولِكَ بَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ, فَعَنْ أبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ مُتَأَكِّدَتَانِ جِدَّاً حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ رَجُلاً يَوْمَ الْجُمْعَةِ حِينَ دَخَلَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ (قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.

وَمِنَ الآدَابِ: تَنْظِيف الْمَسْجِدِ وَتَطْيِيبُهُ, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ, وَأَنْ تُنَظَّفَ, وَتُطَيَّبَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنْ مُهِمَّةَ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ هِيَ عَلَى خَادِمِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الإِمَامِ أَوِ الْمُؤَذِّنِ, وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مُهِمَّةَ الاعْتِنَاءِ بِالْمَسْجِدِ يَقُومُ بِهَا كُلُّ مُسْلِمٌ يُرِيدُ الْخَيْرَ وَيَلْتَمِسُ رِضَا اللهِ, فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نَهْتَمَّ بِمَسَاجِدِنَا وَنُنَظِّفَهَا وَنُطِيِّبَهَا حَتَّى يَرْتَاحَ الْمُصَلُّونَ وَيُحِبُّوا الْمَسَاجَدَ وَالْبَقَاءَ فِيهَا.

وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَسْجِدِ أَنْ لا تَدْخُلَهُ وَفِيكَ رَائِحَةٌ سَيِّئَةٌ كَرَائِحَةِ الثُّومِ أَوِ الْكُرَّاثِ أَوِ الدُخَانِ أَوِ الْعَرَقِ الذِي يَنْبَعِثُ مِنْ  إِبْطِكَ, أَوِ الذِي يَنْبَعِثُ مِنْ فَمِكَ خَاصَّةً بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ, بَلِ اقْطَعْهُ بِالسُّوَاكِ أَوْ بِاسْتِعْمَالِ الْفُرَشَاةِ وَالْمَعْجُونِ, وَإِيَّاكَ أَنْ تُضَايِقَ النَّاسَ بِرَائِحتِكَ وَتُضَايِقَ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ, عَنْ جَابِرِ رضي اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ  إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ, يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ, وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ شَارَكَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ سَوَاءً كَانَ بِالْأَرْض أَوْ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِبَعْضِ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ بِقَدْرِهِ وَهُوَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}

وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ: تَجْنِيبُ الْمَسَاجِدِ الْأَطْفَالَ الذِينَ لا يُحْسِنُونَ الصَّلَاةَ, فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَجِدُهُ يُحْضِرُ وَلَدَهُ مَعَهُ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ لِلْمَسْجِدِ بِحُجَّةِ تَعْوِيدِهِ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يُصْبِحُ هَذَا الطِّفْلُ يَتَنَقَّلُ فِي الْمَسْجِدِ وَيُؤْذِي الْمُصَلِّينَ, وَهَذَا أَمْرٌ لا يَجُوزُ, فَالْمَسْجِدُ لَيْسَ رَوْضَةَ أَطْفَالٍ أَوْ مَكَانَ حَضَانَةٍ, فَلا تُؤْذِ النَّاسَ بِطِفْلِكَ, وَاتْرُكْهُ حَتَّى يَبْلُغَ التَّمِيِيزَ ثُمَّ أَحْضِرْهُ وَلْيَكْنُ بِجَانِبِكَ تُحَافِظْ عَلَيْهِ. نَعْمْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَارِضًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ جَاءَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ, لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَارِضٌ وَلَيْسَ دَائِمًا.  أَسْاَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالْمَسَاجِدِ, وَكَانَ مُحِبَّاً لَهَا مُحَافِظَاً عَلَى الصَّلَاةِ فِيهَا, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا, اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ, اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

1730964212_المسْجِدُ مَكَانَتُهُ وَالعِنَايَةُ بِهِ 6 جُمَادَى الأُوْلَى 1446هـ.pdf

المشاهدات 1560 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا