المسبحون الله تعالى
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
المسبحون الله تعالى
16/8/1438هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، وَوَفَّقَ لِلْخَيْرِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا وَجَدَ مُؤْمِنٌ لَذَّةً أَعْظَمَ مِنْ لَذَّةِ الْقُرْبِ مِنْهُ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَتَرْطِيبِ اللِّسَانِ بِذِكْرِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَحَمْدِهِ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الرُّومِ: 17- 18] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَعْلَى النَّاسِ قَدْرًا، وَأَكْثَرُهُمْ لِهََِِ تَعَالَى ذِكْرًا، وَأَوْسَعُهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ عِلْمًا؛ فَكَانَ أَشَدَّهُمْ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ خَشْيَةً وَتَقْوَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنْ تَسْبِيحِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالتَّسْبِيحُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَتَضَمَّنُ التَّعْظِيمَ وَالتَّنْزِيهَ. وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مَمْلُوءٌ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى:
فَسَبَّحَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 1] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: 159] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الْحَشْرِ: 23]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فَسُبْحَانِي)؛ أَيْ: تَنْزِيهًا وَتَطْهِيرًا وَتَعْظِيمًا لِي عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَالْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 30] وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِمْ وَفِعْلِهِمْ: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:20] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: 38]. وَحَتَّى حَمَلَةُ الْعَرْشِ مُسَبِّحُونَ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [غَافِرٍ: 7]. وَلِذَا قَالَ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: 165- 166]. أَيْ: نَصْطَفُّ فَنُسَبِّحُ الرَّبَّ وَنُمَجِّدُهُ وَنُقَدِّسُهُ وَنُنَزِّهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ، فَنَحْنُ عَبِيدٌ لَهُ، فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، خَاضِعُونَ لَهُ. وَقَدْ أُلْهِمُوا التَّسْبِيحَ فَتَسْبِيحُهُمْ كَالنَّفَسِ لَنَا، لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ مُهِمَّاتِهِمْ كَمَا لَا يَشْغَلُنَا التَّنَفُّسُ عَنْهَا.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَقْضِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ يَلْهَجُ الْمَلَائِكَةُ مُسَبِّحِينَ لِهَُِِ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الزُّمَرِ: 75].
وَالرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:87] وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الْأَعْرَافِ:143] وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: 18] وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [الْمَائِدَةِ:116] وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّسْبِيحِ ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 41] فَأَمَرَ زَكَرِيَّا قَوْمَهُ بِالتَّسْبِيحِ ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مَرْيَمَ:11] وَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالتَّسْبِيحِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الْوَاقِعَةِ:74] ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الْأَعْلَى: 1] وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يُوسُفَ:108] وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، تَأَوُّلًا لِلْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النَّصْرِ:3].
وَالْمُؤْمِنُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 107- 108]. وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالتَّسْبِيحِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 41- 42].
وَالرَّعْدُ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ [الرَّعْدِ:13].
وَكُلُّ الْمَوْجُودَاتِ تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى ﴿سَبَّحَ لِهَِال مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الْحَشْرِ:1] ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الْجُمُعَةِ: 1] وَتَسْبِيحُهَا لِلَّهِ تَعَالَى يَكُونُ بِلِسَانِ الْحَالِ وَبِلِسَانِ الْمَقَالِ: أَمَّا تَسْبِيحُ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى بِلِسَانِ الْحَالِ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ، وَإِتْقَانَهُ سُبْحَانَهُ صُنْعَهَا، وَعِلْمَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ مَا خَلَقَ، وَإِحَاطَتَهُ بِهَا، وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهَا، وَتَدْبِيرَهُ إِيَّاهَا؛ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَتَنَزُّهِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ. حَتَّى الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمَلَاحِدَةُ وَالْكَارِهُونَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِدِينِهِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِلِسَانِ حَالِهِمْ رَغْمَ أُنُوفِهِمْ، فَخَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَحُسْنُ تَدْبِيرِهِ سُبْحَانَهُ لِأُمُورِهِمْ، وَجَرَيَانُ أَقْدَارِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ، وَمُضِيُّ أَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ فِيهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ؛ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَنَزُّهِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: 50] أَيْ: هَدَاهُ لِمَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الْأَعْلَى: 3] أَيْ: قَدَّرَ قَدَرًا، وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا تَسْبِيحُ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ: فَكُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ وَحَيَوَانٍ وَطَيْرٍ وَوَحْشٍ وَحَشَرَاتٍ وَجَمَادَاتٍ تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ مِنَ الإِنْسِ وَالجِنِ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يُسَبِحُونَ اللهَ تَعَالَى بِمَقَالِهِمْ، وَإِنْ سَبَّحُوهُ بِلِسَانِ حَالِهِمْ رَغْمَ أُنُوفِهِمْ، فَحُرِمُوا لَذَّةَ التَسْبِيحِ فِي الدُّنْيَا، وَيُحْرَمُونَ نَعِيمَهَا وَنَعِيمَ الجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ.
وَتَسْبِيحُ الحَيَوَانَاتِ وَالطَّيْرِ وَالوَحْشِ وَالحَشَرَاتِ وَالجَمَادَاتِ هو تَسْبِيحٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا يَعْرِفُهَا الْبَشَرُ، فَلَا يَفْقَهُونَ تَسْبِيحَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الْإِسْرَاءِ:44].
وَفِي تَسْبِيحِ الطَّيْرِ ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النُّورِ:41]. وَفِي تَسْبِيحِ الْجِبَالِ: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:79] وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ؛ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ».
فَإِذَا كَانَ الْكَوْنُ كُلُّهُ مُسَبِّحًا لِلَّهِ تَعَالَى فَمِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ، وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ، وَالْأَجْرِ الْكَبِيرِ، أَنْ يُكْثِرَ الْمُؤْمِنُ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ، وَلَا يَغْفُلَ عَنْ ذَلِكَ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التَّغَابُنِ: 1].
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 42- 44].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إِلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَالتَّسْبِيحُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَعْمَالِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ. يَتَوَاطَأُ فِي التَّسْبِيحِ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَلِسَانُهُ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ، وَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعُبُودِيَّتِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ؟!
وَلِمَا فِي التَّسْبِيحِ مِنْ نَعِيمِ الْقَلْبِ وَسُرُورِهِ وَرَاحَتِهِ كَانَ هُوَ مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَتَلَذَّذُونَ بِهِ، وَلَا يَفْتُرُونَ عَنْهُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يُونُسَ:10] وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِمَّا قَالَ: «... يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَنِيئًا لِمَنْ أَكْثَرَ مِنَ التَّسْبِيحِ فِي الدُّنْيَا وَوَجَدَ لَذَّةً فِيهِ، وَفَرَحًا بِهِ، فَإِنَّهُ حَرِيٌّ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِالتَّسْبِيحِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَلَذَّذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
يَقُولُ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ، وَيَتَنَعَّمُونَ بِذِكْرِهِ وَتَسْبِيحِهِ، وَيَتَنَعَّمُونَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ... وَيَتَنَعَّمُونَ بِمُخَاطَبَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ وَمُنَاجَاتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي الدُّنْيَا أَعْمَالًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ؛ فَهِيَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَالٌ يَتَنَعَّمُ بِهَا صَاحِبُهَا أَعْظَمَ مِنْ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنِكَاحِهِ».
فَالتَّسْبِيحَ التَّسْبِيحَ -عِبَادَ اللَّهِ- آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ؛ فَلَا تَفْتُرِ الْأَلْسُنُ عَنْهُ، وَلْتَتَنَعَّمْ بِهِ الْقُلُوبُ؛ فَإِنَّ مَنْ تَلَذَّذَ بِالتَّسْبِيحِ فِي الدُّنْيَا تَنَعَّمَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ.
جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ مِنَ الذَّاكِرِينَ الْمُسَبِّحِينَ، وَجَنَّبَنَا سَبِيلَ الْمُعْرِضِينَ وَالْغَافِلِينَ، وَخَتَمَ لَنَا بِخَاتِمَةِ الصَّالِحِينَ الْمُقَرَّبِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
سبحان الله 2 مشكولة.doc
سبحان الله 2 مشكولة.doc
سبحان الله 2.doc
سبحان الله 2.doc
المشاهدات 2015 | التعليقات 5
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،صباح الخير ، كتب الله اجرك والله يجزاك الجنة ووالديك..
ملاحظة بسيطة ارجو تعديل الآية في سورة الحشر(كُلُّ الْمَوْجُودَاتِ تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى ﴿سَبَّحَ لِهَِال مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الْحَشْرِ:1] )لفظ الجلالة(لله) الله يدخلك الجنة.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ..
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ..
بورك فيك وفي علمك وقلمك وخطبك شيخ ابراهيم ..
وضاعف لك الأجر والثواب ..
ودمت مسدداً موفقاً معاناً ..
وإياكم أجمعين
وشكر الله تعالى لكم ووفقكم
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
قلبي دليلي
سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
جزاك ربي كل خير شيخي الفاضل وبارك لك في علمك وأهلك وعملك وجميع أمورك يارب العالمين
تعديل التعليق