المساجد

أنشر تؤجر
1446/05/05 - 2024/11/07 13:02PM

الحَمْدُ للهِ عَمَرَ قُلُوبَ عِبادِهِ بِالإيمَانِ ، وَغَمَرَ صُدُورَهُمْ بِالإحْسَانِ , وأَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ بَشَّرَ الذين أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى وَزِيَادَة ، وأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وَأصحَابِه أُولِي الفَضْلِ والرِّيادَةِ ، وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ وَإيمانٍ إلى يومِ القِيَامَةِ .

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ .

عباد الله : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة ، كان أول همه عليه الصلاة والسلام متجهاً ليقيم أعظم بناء , ويشيد أشرف بقعة , وهو أن يقيم مسجداً للناس لصلاتهم واجتماعهم وعباداتهم , وما ذاك إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم ; بقدر المسجد وأهميته في حياة المسلم ؛ فبنى مسجد قُباء ثم بعد ذلك بنى المسجد النبوي .
المسجد - أيها المؤمنون - بيت الله عز وجل ، وأطهر بقعة في الأرض , وملتقى عباد الله المؤمنين , فيه تطمئن نفوسهم و تتعلق قلوبهم , ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أحب البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها ".

وإذا علم المسلم أن المساجد من أحب البقاع إلى الله ، فإنه يتعلق قلبه بها  ويحبها محبة عظيمة ، وكلما كان المرء أكثر حباً للمساجدِ ، كلما كان أجرهُ أعظمَ عند الله عز وجل ، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله :( رجل قلبه معلق بالمساجد ).

وأخبر الله عز وجل عن قلوب المؤمنين بأنها لا يشغلها عن المساجد شاغل , فإذا سمعت النداء طارت لتقابل رب الأرض والسماء ، فتتوافد إليها جموع المسلمين وضيوف الرحمن ، قال الله تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [النور:36، 37].

عباد الله : لقد جعل الله لمن خرجوا إلى المساجد في ظُلَمِ الليل الكرامة ، وذلك بالنور التام يوم القيامة , وأكرم من بقي في بيت الله بصلوات الملائكة ودعائها , فلا تزال الملائكة تدعو لهم ما لم يخرجوا أو يُحدِثوا ، ففي صحيح البخاري ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ، والملائكة تقول : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث ". 
ولا يدخلُ أحدٌ المسجدَ في ليل أو نهار ، إلا والله يُعدّ له النزل في الجنة بقدر دخوله , ففي الحديث ، يقول عليه الصلاة والسلام :(من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ) متفق عليه.
فأبشروا - أيها المصلون -، أبشروا فإن وضوؤكم للصلاة درجات ، وممشاكم إلى المساجد حسنات ، وجلوسكم فيها رحمات من ربكم وصلوات ، وإعداد للمنازل الخالدة في الجنات ، كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال :( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ).

عباد الله : في المسجد تحلّ السكينة , وتتنزل الملائكة , و تطهر النفوس ، ويجد المؤمن راحته ؛ فحين تنغلق أبواب الخلق , يجد المسلم في بيت الله الملاذ والطريق لمناجاة الملك سبحانه ؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ:" وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ".
أيها الإخوة في الله : إن للمسجد في الإسلام أهمية كبرى و مكانة عظمى ، و له حقوق و آداب ينبغي التحلي بها ، فمن حقوق المسجد أن يُعتنى بتنظيفه وتطييبه , والمرء مأجور بكل  ذرّة طيب في المسجد يضعها , أو أذاً من السجد يزيله ، فهنيئاً لمن ساهموا في تهيئة بيوت الله , ومن وفقهم الله لخدمة مساجده والسعي لراحة المصلين , فتلك الكرامة وذلكم الشرف .
وقد كانت امرأةٌ سوداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  تجمع القمام من المسجد , فافتقدها ، و سأل عنها , فقالوا ماتت , فتعجب قائلاً أفلا كنتم أخبرتموني  بموتها , فكأنهم حقّروا شأنها , فمضى ; ومعه الصحابة يحثون الخطى نحو المقبرة , وقف على قبرها , فكبر ; مصلياً عليها داعياً لها , لم يكن لتلك الجارية السوداء من شأن إلا أنها تقمّ المسجد وتنظفه , فاستحقت صلاة النبي عليها ودعائه لها .

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . 

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ على إحسَانِه ، وصلَّى اللهُ على عَبْدِهِ ورسُولِهِ الدَّاعي إلى رِضْوَانِه ، صلَّى اللهُ عليه ، وعلى آلهِ وأصحَابِه ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ - عِبادَ الله – واعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر  ببناء المساجد في الأحياء ؛ ففي حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ :" أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ المسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ " أخرجه الإمام أحمد .

وجاء الفضل العظيم في بناء المسجد والمشاركة في ذلك ؛ ففي الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة ".

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ ، أَوْ أَصْغَرَ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ».

وأثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يعمرون المساجد ، وشهد لهم بالإيمان ؛ فقال تعالى :( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة : 18 )

وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ : إِحْدَاثَ الضَّرَرِ بِالْمَسَاجِدِ ، أَوِ التَّعَدِّيَ عَلَيْهَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ ؛ لأَنَّ أَرَاضِيَهَا تُعْتَبَرُ أَوْقَافًا ، وَلاَ يَجُوزُ شَرْعًا اسْتِخْدَامُهَا فِي غَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ ! قال الله تعالى :{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  { ومن صور التعدي على المساجد : التَّعَدِّي عَلَى خِدْمَاتِ الْكَهْرَبَاءِ وَالْمِيَاهِ الْخَاصَّةِ بِها ، واسْتِغْلاَلِهَا لِغَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ .

ألا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَحَافِظُوا عَلَى بُيُوتِ اللهِ ، وَتَعَاوَنُوا مَعَ الإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِكُلِّ مَا يَخْدُمُ بُيُوتَ اللهِ ؛ قَالَ تَعَالَى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن يعمرون مساجد الله ، وممن تعلقت قلوبهم بها .

هذا وصلّوا وسلِّموا رحمكم الله: على نبيّكم محمّدٍ رسولِ الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم جل وعلا فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ  يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطاهرين، وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنين، وخُلفائِه  الأربعةِ الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وسائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ اللهمَّ عنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلحْ أئمَّتَنَا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ  بالحقِّ والتوفيق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهُمَّ وفِّقْهُ ووليَّ عهدِهِ  لما تحب وترضى، وأعنهما على البر والتقوى، وهيئ لهما  البطانةَ الناصحة الصالحة التي تدلُّهم على الخير  وتعينهم عليه.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها، أنت  وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهُدى والتُّقى، والعفَافَ  والغِنى.

(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النار).

عِبادَ الله : أذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه وآلائه  يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

 

المرفقات

1730973750_المساجد.docx

المشاهدات 753 | التعليقات 0