المسائل التربوية من يوم عاشوراء من الأحاديث النبوية

المسائل التربوية من يوم عاشوراء من الأحاديث النبوية

هذه ثلاثون مسألة تربوية جمعها أ. عقيل الشمري - وفقه الله - من الأحاديث الواردة في هذا اليوم العظيم ، وهي كالتالي :
المسألة الأولى :
يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية" متفق عليه .
بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيداً كما ثبت في الصحيحين.
المسألة الثانية :
يوم عاشوراء ربطٌ بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين ، وقيل قبل ذلك ، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان ، وهذا يعزز رابطة الأخوة الإيمانية وقوة العقيدة .
المسألة الثالثة :
يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى _عليه السلام_ من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.
المسألة الرابعة :
يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا أولى بموسى منكم".وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.
المسألة الخامسة :
صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل لذلك رواية الصحيحين "أنتم أحق بموسى منهم".
وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.
المسألة السادسة :
يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين فقط، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: "أنتم أحق بموسى منهم" وما ذلك إلا لرابطة الدين التي بيننا، و إلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى عليه السلام من حيث النسب.
المسألة السابعة :
يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها ، ومن أسبابها :
نصرة دين الله ، وإقامة تعاليم الإسلام في النفس ، وتطبيق شرع الله في الأرض .
المسألة الثامنة :
يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل ، فكل عدو مهما بلغت قوته فالله أقوى وأعز وأجل ، فيحاربه المؤمن بالعقيدة الثابتة ، واليقين الراسخ ، والإرادة القوية ، فمثل هذا من يستطيع هزيمته ؟! .
المسألة التاسعة :
يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق ، وغيرها من المواقف التي مرت في تاريخ الأمة .
المسألة العاشرة :
يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل لهذه المخالفة ما يلي:
أ ـ لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى اتخذوه عيداً، قال: صوموه أنتم".
ب ـ أمر النبي صلى الله عليه وسلم "أن يصام يوم قبله أو يوم بعده" رواه أحمد في المسند وفيه مقال.
فتتربى فيه الأمة على الشخصية الخاصة التي تليق بها ، تستمدها من قرآنها وسنة نبيها ، وتقاليدها الخاصة بها ، ولهذا لا تجد الشخصية المسلمة سريعة الذوبان في غيرها من القيم التي تعاصرها ، ولا تتنازل عن شيء مما يخصها ، وهذا سر بقائها .
المسألة الحادية عشرة :
من تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر متقرر عند الصحابة، ويدل لذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟.
وهذا ما تحتاج الأمة اليوم إلى التأكيد عليه ، مراجعة الكثير من قضايا التقليد التي دخلت عليها وأفسدت معيشتها ، فجعلتها في حيرة بين اتباعها لماضيها أو تطورها في حاضرها ، بينما هي في حقيقة الأمر تأخرت حين نظرت إلى ماضيها نظرة الريبة .
المسألة الثانية عشرة :
يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات أعياداً عادة لليهود خاصة منذ القديم، ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيداً كما في حديث أبي موسى _رضي الله عنه_ قال: "كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" رواه مسلم .
وأما هذه الأمة فجعل الله لها عيدين لا ثالث لهما ، ولهذا تكون كل صور الأعياد التي دخلت على الأمة اليوم هي من واقع التشبه بالغير .
المسألة الثالثة عشرة :
يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى، حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما إقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا ديدن الأمة التي تضيع أصولها وتتمسك بالفرعيات تعيش حالات تناقض عام حتى في أخص خصائصها الدينية .
المسألة الرابعة عشرة :
يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في الشريعة لا يعدلها شيء من حيث الفضل والمنزلة، ولذلك لما شرع الله لهذه الأمة صيام رمضان جعل الأمر في يوم عاشوراء اختيارياً، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث القدسي "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه" متفق عليه.
المسألة الخامسة عشرة :
يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك:
أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده ، ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله ، فالمؤمن يسعى للأفضل والأكمل.
وهذا يفتح باب التنافس بين المؤمنين في باب ليس له حد هو باب النوافل ، وهذا من فضل الله يفتح الله على قلب من يشاء من عباده ، ويوفق من يشاء للقيام بطاعته
المسألة السادسة عشرة :
صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: " فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه " متفق عليه.
المسألة السابعة عشرة :
صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله _سبحانه_، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
المسألة الثامنة عشرة :
صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأنه كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب.
وفقه النسخ يمكن للداعية أن يستفيد منه في باب التدرج بالمدعوين وأن يتعلم فنون ذلك ، وكيف أن الشريعة كانت تفرض أمراً تكون الأنفس البشرية في حالة تأهب له ، ثم تغيره لأن النفوس لم تعد مريدة له ، إما لأن الأنفس البشرية زاد وارتقت وارتفعت عن وضعها الأول أو لأن المصلحة من وراء ذلك الأمر لم تعد تحقق ما تحققه المصلحة في حالها الأول .
المسألة التاسعة عشرة :
إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.
وفاز بذلك أهل السنة والجماعة الذين يثبتون الحكمة لله ، وأن الله حكيم عليم يفعل ما يشاء لحكمة يعلمها سبحانه وهو العليم الحكيم .
المسألة العشرون :
صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكراً لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام وختاماً بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال: أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه.
فينبغي أن يكون شكرنا لله بالقول والعمل بالطاعة لله سبحانه وتعالى .
المسألة الحادية والعشرون :
من تأمل الأحاديث تبين له أنه لا ينكر على من تركه، فقد كان ابن عمر _رضي الله عنهما يترك صيامه إلا إن وافق عادته في الصيام" رواه البخاري.
ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة _رضي الله عنهم_.
المسألة الثانية والعشرون :
صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.
المسألة الثالثة والعشرون :
صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.
وهذا يجعلنا نجدد في أنفسنا فقه الاختلاف مع الغير ، ويعلمنا كيف نتعاون مع بعضنا البعض مع اختلاف في وجه النظر القابلة للاجتهاد ، وبه نعرف أن من خالف في الاجتهاد لا يعود ذلك على منزلته التي يستحقها شرعا بالإحباط والإبطال ، وفي كثير من الأحاديث كان الصحابة يقولون : ولم يعب الصائم منا على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ، وقالوا : ولم يعب الملبي على المكبر و المكبر على الملبي .
ومن تأمل كثيراً من تنازع أفراد الأمة وجده يعود إلى أشياء لم تجعل لها الشريعة ميزانا في الاختلاف ، أو أن الأمر فيها واسع شرعاً .
المسألة الرابعة والعشرون :
صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل".
فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.
وما أحوجنا اليوم إلى محاسبة أنفسنا في عمل القلب الهام وهو : الاستجابة لله ولرسوله ، ونحن في زمن كثر الكلام على الإقناع والجدال وتأصيل الحوار ، إلا أن هذا لا يمنع المسلم أبداً من سرعة الاستجابة لأمر الله ، وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب أمثلة عليا ، ومن ذلك :
حادثة تحويل القبلة ، وحداثة تحريم الخمر ، وحادثة فرض الحجاب ، ولئن كانت الأولى حادثة دينية إلا أن الخمر والحجاب حادثة اجتماعية ، ومع ذلك لم يتردد الصحابة الكرام في سرعة الاستجابة .
وكان السؤال الذي يفرضه الصحابة بينهم هو : هل ورد الأمر به أم لا ؟
بينما عند البعض اليوم يكون السؤال : لماذا ورد الأمر به ؟
المسألة الخامسة والعشرون :
كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "فكنا نصومه ونصوم صبياننا" متفق عليه.
وبهذا نعلم أهمية تربية النشء على التعاليم الدينية حتى يعتادها ، وما أن يبلغ الطفل إلا وقد تربى على الصيام فيضرب في حال بلوغه أروع الأمثلة في الرسوخ في هذا الباب .
المسألة السادسة والعشرون :
في تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله .
المسألة السابعة والعشرون :
التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة _رضي الله عنهم_ يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ _رضي الله عنها_: "فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه.
وليس من الغرابة أن نقول بأنهم غير مكلفين ولا مأمورين بالأوامر الشريعة ، لأن تعويدهم هنا لم يكن مقصوداً لذاته وإنما لترسيخ مفهوم الصبر حتى عند الوالدين ما دام الأمر يتعلق بالدين ، فليس من الهين على قلب الوالد أن يرى ابنه يتضور جوعاً ويبكي ثم يسكت ، بل انتقل الحال إلى أن الأب نفسه يمارس على ابنه عملية التصبر ، مما يجعل مفهوم الصبر راسخا عند الابن الصغير ، وعند الأب في عاطفته .
المسألة الثامنة والعشرون :
يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا، ويدل لذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى.
المسألة التاسعة والعشرون :
نحن أحق بموسى عليه السلام من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه:
1 ـ أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره، بخلاف من كذبه من قومه.
2ـ أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا، بل لا يختلف عنه شيئاً من هذه الجهة.
3ـ أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة.
4ـ أننا لا نؤذيه عليه السلام بسب أو قدح، بخلاف من قال موسى آدر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا" (الأحزاب: من الآية69).
5ـ أننا نشهد أنه لو كان حياً زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا إتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
6 ـ أننا نؤمن بما جاء به عليه السلام في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع عليه.
7ـ أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام منه براء.
8ـ أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي جاء به موسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي " متفق عليه.
المسألة الثلاثون :
من تأمل فرض صوم عاشوراء ثم نسخه عرف أن الشريعة الإسلامية تقرر البدائل حتى في فرائضها ، فتأمر بشيء فإذا نسخته أوجدت بديلاً عنه ، وهذا مصداق قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو أختها نأت بخير منها أو مثلها } .
وما أحوجنا اليوم إلى تعلم علم البدائل في حياتنا اليومية ، خاصة وأن أزمة كثير من الأمور ليست بأيدي الأمة المسلمة ، ولهذا يفرض عليها في كثير من الأحيان ما لا ترضاه ، أو ما يخالف دينها ، وأما ما يخالف عادتها فأكثر من أن يذكر .
هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا بحفظه، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله وأن ينفع بها .
المشاهدات 1358 | التعليقات 0