المراتب السبع في قيام ليلة القدر - بقلم: رضوان بن أحمد العواضي

الفريق العلمي
1439/09/28 - 2018/06/12 12:05PM

بسم الله الرحمن الرحيم


في الحديث المتفق عليه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.

وقد بين صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر تكون في العشر الاواخر من رمضان على وجه الخصوص، ثم بين انها تكون في ليالي الأوتار منها، فقال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، التمسوها في كل وتر).

ولعلنا أن نقف هنا على مراتب قيام هذه الليلة المباركة، طمعا في ان يدرك فضلها كل عبد، مهما كانت ظروفه واحواله، وقد اقتبست هذه المراتب - بعد توفيق الله وفضله - من صحيح السنة النبوية، والله أسأل ان يوفقنا لهذه الليلة المباركة انه جواد كريم.

المرتبة الأولى: قيام الليل كله بالصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر، وهذه أعلى المراتب وأفضلها، فقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان إحياء الليل كله، ولم يكن من سنته صلى الله عليه وسلم احياء الليل بأكمله الا في هذه العشر.

عن عائشة رضي الله عنها كما في البخاري ومسلم: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دخل عليه العشر ، احيا ليله وايقظ أهله ، وجد وشد المئزر ).

قال النووي – رحمه الله- في شرح مسلم (8/ 71): ( أَحْيَا اللَّيْلَ أَيِ اسْتَغْرَقَهُ بِالسَّهَرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) انتهى.

وهنا مسألة:

اذا كان صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور الثابت في صلاته، انه لا يزيد عن ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي احدى عشرة ركعة، فهل كان يزيد في صلاته في هذه العشر؟.

قال الإمام العيني – رحمه الله -في عمدة القاري (7/ 204): ( الزِّيَادَة فِي الْعشْر الْأَخير تحمل على التَّطْوِيل دون الزِّيَادَة فِي الْعدَد) انتهى.

المرتبة الثانية: الصلاة مع الإمام حتى ينصرف – يفرغ من الصلاة – لحديث : (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة) رواه احمد ، والترمذي ، وصححه الالباني في صحيح الجامع (1615).

فاذا كان في المسجد امامان أحدهما يصلي التراويح اول الليل، والآخر يصلها آخر الليل، فالأولى للعبد متابعتهما والصلاة خلفهما، حتى يفرغا منها، والأولى بالمتابعة الإمام الراتب.

وان لم يكن في المسجد الا امام واحد، فالأولى متابعته حتى يفرغ من صلاته، سواء صلى التراويح في اول الليل او في آخره، او في كليهما فالأمر سواء، والمتابعة لابد منها، لمن أراد ثواب قيام اللية كلها، وهذا القول ما ذهب اليه العلامة ابن عثيمين رحمه الله.

المرتبة الثالثة: المحافظة على أربع ركعات بعد صلاة العشاء.

اخرج ابن ابي شيبة رحمه الله في مصنفه بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: ( من صلى أربعا بعد العشاء كن كقدرهن من ليلة القدر) صحيح على شرط الشيخين.

والحديث له حكم الرفع وإن كان موقوفا، لأن الأخبار الغيبية لا تقال بالرأي وانما بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا معروف عند أهل العلم .

قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم/5060) : (الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة ... ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة، وابن مسعود ، وكعب بن ماتع ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم ، والأسانيد إليهم كلهم صحيحة - باستثناء كعب -، وهي وإن كانت موقوفة ؛ فلها حكم الرفع ؛ لأنها لا تقال بالرأي كما هو ظاهر) انتهى.

وقد ثبتت هذه الأربع الركعات من فعله صلى الله عليه وسلم أيضا، فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما كما في البخاري : (بتُّ في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها ، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام ثم قال : نام الغليم ؟ أو كلمة تشبهها ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه".

واما عن كيفيتها : فتصلى أربع ركعات بتسليم واحد .

اخرج ابن ابي شيبة رحمه الله بسنده عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال: (من صلى أربعا بعد العشاء لا يفصل بينهن بتسليم عدلن بمثلهن من ليلة القدر).

والذي يظهر من اقوال أهل العلم ان هذه الأربع تصلى بدلا عن الركعتين الراتبة بعد العشاء، لا ان تصلى الراتبة ركعتين ، ثم الأربع ركعات ، اذ لم يرى احد منهم ان تصلى بعد العشاء ست ركعات.

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في فتح الباري (2/ 484) : ( وَقَدْ حَمَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر هَذِهِ الْأَرْبَع عَلَى أَنَّهَا سُنَّة الْعِشَاء لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْل النَّوْم) انتهى.

وقال الامام السرخسي في المبسوط (1/ 157) : (فأما التطوع بعد العشاء فركعتان فيما روينا من الآثار و إن صلى أربعا فهو أفضل لحديث " ابن عمر "
رضي الله تعالى عنه ،موقوفا عليه ، ومرفوعا : من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر ) انتهى.

ولعل الأفضل – والله أعلم - في راتبة العشاء التنوع، بأن يصلي المسلم أحيانا ركعتين بعدها، واحيانا أربعا.

المرتبة الرابعة : صلاة ركعتين من الليل منفردا، يقرأ فيهما ولو بعشر آيات، عدا الفاتحة.

لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قامَ بعشر آياتٍ لم يُكتَبْ منَ الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتِبَ منَ القانتين، ومنْ قرأ بألف آية كُتِبَ من المقنطَرين) صحيح - السلسلة الصحيحة (2/ 244).

والقانتين : من يطيلون القيام في صلاة الليل ، والمقنطرين : أهل الأجور العظيمة.

واختلف أهل العلم في المراد بهذا الحديث، فقيل المراد به : الصلاة بها ، وقيل : القراءة ولو بدون صلاة ، وقيل العمل بهن ، وغير ذلك ، والأول أظهر ؛ بأن المراد الصلاة بها .

قال الحافظ ابن حجر، كما نقل عنه الإمام الهروي في مرقاة المفاتيح (3/910): ( أي يقرأها في ركعتين أو أكثر، وظاهر السياق أن المراد غيرالفاتحة) انتهى.

المرتبة الخامسة : قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة بدون صلاة .

في الصحيحين من حديث ابي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ).

وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في معنى قوله " كفتاه " سبعة أقوال ، منها : "أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن" ، ثم قال رحمه الله بعد ان سرد الأقوال كلها ( والوجه الأول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه) انتهى. فتح الباري (9/ 56).

والى هذا القول ذهب الإمام النووي رحمه الله، كما نقل عنه الامام ابن حجر في الفتح.

وقال الامام السيوطي - رحمه الله - كما في شرح الجامع الصحيح (7/ 3179) : ( أجزأتاه من قيام الليل بالقرآن) انتهى.

المرتبة السادسة: صلاة العشاء والفجر جماعة .

أخرج الامام مسلم رحمه الله ، من حديث عثمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله).

والمراد اداء الصلاتين جماعة في المسجد، لا كما يتوهم البعض ان ذلك يجزئ ولو بأداء صلاة الفجر جماعة دون صلاة العشاء، وهذا ما نص عليه أهل العلم .

المرتبة السابعة : عقد النية على قيام ليالي العشر الأواخر من رمضان .

فمن عقد نيته على ذلك ثم نام كتب له أجر قيام ليلته تلك، مالم يتعمد النوم، وفي الحديث الصحيح "انما الأعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى " متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ابي الدرداء، وهو في صحيح الجامع: (من اتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل ، فغلبته عيناه حتى اصبح ، كتب له ما نوى ، وكان نومه صدقة عليه من ربه جل وعلا ) .


والحمد لله رب العالمين،،،

المشاهدات 599 | التعليقات 0