المرابطون .. ما لهم وما عليهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وبشر الله المجاهدين بدرجات الجنان، ووعدهم بالنجاة من النار، فهنيئاً لك أيها الجندي المسلم يا من ترابط على الثغور، وتدافع عن الإسلام وديار المسلمين. هنيئاً لك هذا الشرف العظيم، والمقام الكريم، بما يسر الله لك، ومكنك من المشاركة في هذا العمل الجليل الذي به ترفع الدرجات، وتكتب الحسنات، وتنال المكرمات من شرف الدنيا وثواب الآخرة.
أيها الجندي المبارك إن ما تقوم به من مرابطة ودفاع عن وطنك ليس مجرد واجب وظيفي فحسب، بل إنه من العمل الصالح ، وقتال المشروع، لأنك تقاتل قوما معتدين ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) إنك تقاتل من يريد انتهاك دينك ودمك وبلدك وأهلك ومالك. ومقاتلة من هذه حاله مشروعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ).
إنك تقاتل عدوا يكفرك، ويستحل دمك، ويريد اغتصاب بلدك، ليفسد فيها بما يحمله من عقائد فاسدة، ونوايا حاقدة، وأخلاق منحرفة. إنك تقاتل عدواً من ورائه أعداء يمدونه، ويتربصون ببلاد التوحيد، وبأرض الحرمين، وبمن يعيش عليها من أهلها وولاة أمرها، لما يدينون به من عقيدة صافية ومنهج سليم، يتربصون بهم الدوائر، وذلك بالسعي في زعزعة أمنهم واستقرارهم، ومحاولة الاستيلاء على بلادهم لنشر الظلم والبدعة والخرافة ومظاهر الشرك بالله تعالى، وهذا من أعظم الفتنة وقد قال الله تعالى ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ).
أيها الجندي المرابط .. لقد استنفرك إمامك وولي أمرك لمقاتلة المعتدين والدفاع عن ديار المسلمين، وهذا من أسباب الوجوب. وقد قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا استُنفِرتُم فانفِروا ).
إنك تقاتل أقواماً معتدين طاغين حاقدين، قد فُسِدت عقائدُهم، وانحرفوا عن دينهم، فعليك أيها الجندي المبارك أن تستحضر النية الصالحة، وأن تخلص لله في جميع أعمالك، وأن تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولتدحر أعداءها والمنحرفين عنها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتلَ ، لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا ، فهوَ في سبيلِ اللهِ ) فإذا صلحت النية، واستقام العمل، فأبشر بالأجر العظيم والثواب الجزيل تجاه كل ما يصيبك، وقد قال الله تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )
أيها المسلمون ... الرباط هو الإقامة في الثغور وعلى الحدود وفي الأماكن التي يخشى أن يأتي العدو من قبلها، فيقيم المرابط في تلك الأماكن يحرس بلاد المسلمين ضد تحركات المعتدين، وقد هيأ نفسه للذود عن بلاد الإسلام وحرمات المسلمين، فالمرابط هو من يقيم في مكان يخيف فيه العدو، ويخاف من العدو وكلما اشتد الخوف كان أعظم للأجر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( رِباطُ يومٍ في سَبيلِ اللَّهِ خَيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها ) وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رباطُ يومٍ وليلَةً خيرٌ مِنَ صيامِ شهرٍ وقيامِهِ ، وإِنْ ماتَ مُرابِطًا جَرَى علَيْهِ عمَلُه الذي كان يعملُهُ ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ ، وأَمِنَ مِنَ الفتَّانِ ) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلُّ مَيِّتٍ يُختَمُ على عملِه إلا الذي مات مُرابطًا في سبيلِ اللهِ ، فإنه ينمو عملُه إلى يومِ القيامةِ ، و يؤمَّنُ من فتَّانِ القبرِ ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من مات مرابطًا في سبيلِ اللهِ أجرى عليه أجرَ عملِه الصالحِ الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقَه ، وأَمِنَ من الفَتَّانِ ، وبعثه اللهُ يومَ القيامةِ آمنًا من الفزعِ الأكبرِ ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( عينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ ، عينٌ بكتْ من خشيةِ اللهِ ، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيل اللهِ )
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق العلماء على أن إقامة الرجل بأرض الرباط مرابطا أفضل من إقامته بمكة والمدينة وبيت المقدس.
( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وقال تعالى ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ).
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ).
قال رسول الله قال صلى الله عليه وسلم ( ما اغْبَرَّت قَدَما عبدٍ في سَبيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النارُ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِه ، كلُّ درجتيْنِ ما بينهما كما بين السماءِ والأرضِ ، فإذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ ، وأعلى الجنةِ ، وفوقَه عرشُ الرحمنِ ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاهِدوا في سبيلِ اللهِ ، فإنَّ الجهادَ في سَبيلِ اللهِ بابٌ من أبوابِ الجنَّةِ ، يُنجِّي اللهُ تباركَ وتعالى بهِ من الهمِّ والغمِّ ).
أيها الجندي المبارك، أيها المرابط والمجاهد، إنها وعود صادقة، وعطايا سامية، ومقامات عالية، كيف !! والضامن هو الله تعالى، والمبشر رسوله الكريم والصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، فشمر بالسعي في تحقيق شروطها، لتفوز بشرف الحصول عليها، والانضمام إلى أهلها.
اعلموا – يا عباد الله - أن الجهاد أفضل من الحج والعمرة، وأفضل من التعبد في المسجد الحرام الذي تعدل الصلاة فيه مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، قال الله تعالى ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ ).
اللهم أنجز لنا ما وعدت به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم آتنا ما وعدت به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. اللهم انتصر لنا كما وعدتنا فإنك قلت وقولك الحق ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) وقلت ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) اللهم فرحنا بنصرك وإيدنا بروح منك ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ). أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين. اللهم إنا نسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، ونعوذ بك من شره وشر ما قبله وشر ما بعده.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. قام أحد الدعاة من وزارة شؤون الأوقاف والدعوة والإرشاد بزيارة لإخواننا المرابطين على حدود بلادنا، وخلال لقائه بأبطالنا الذين يفدون بأرواحهم في سبيل حمايتنا ودفاعاً عن مقدساتنا، يقول الشيخ لما حان موعد مغادرتي أمسك بيدي أحد الجنود وقال لي كلمات نزلت علي كالصاعقة قال: أريد أن اطلب منك طلب يا شيخ! قلت: تفضل، أنا أسمعك. قال أريد أن اطلب منك أمرين وتبلغ بها الناس من خلفك وتبلغ الناس على المنابر وفي المجالس وفي كل مكان .. الأول: الدعاء لنا *بإخلاص*. والثاني: أن ينصروننا بترك المعاصي فإن كل معصية تأخر النصر. يقول: نحن في كل ساعة بل في كل لحظة نتوقع استشهادنا.
يا مسلمون .. إخوانكم المرابطون هنا وهناك يخافون من أجل أن نأمن نحن. يسهرون من أجل أن ننام نحن. يجوعون من أجل أن نشبع نحن ... ونحن نسيناهم.
تخيل هذا الجندي وحيداً بين الجبال الشاهقة، وفي ظلمة الليل، والعدو له بالمرصاد. لا يعلم هل سيكون أسيراً أو قد لا يعود إلى أهله أبداً ، وربما يعود ولكنه قد فقد بعض أطرافه ... فهم لا يطلبون منا مستحيلاً فمن حقهم علينا نصرتهم بالدعاء فقط لا يريدون أكثر من ذالك.
اللهم يا من عز فارتفع وذل كل شيء لعظمته وخضع ، اللهم يا جبار يا متكبر يا قوي يا ناصر المظلومين يا رب العالمين. نسألك أن تحفظ جنودنا المرابطين على الحدود. اللهم قوي عزيمتهم ووحد صفهم وسدد رميهم وصوب رأيهم واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وارفع درجاتهم. اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اشرح صدورهم ويسر أمورهم، وفرج كروبهم، وانصرهم على القوم المعتدين، اللهم اشف جريحهم، وتقبل شهيدهم. اللهم احفظ علينا ديننا وعقيدتنا، وأدم علينا أمننا واكفنا شر أعدائنا. اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرنا من كيد الظالمين، ومكر الحاسدين وعدوان الحاقدين، إنك على كل شيء قدير. اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروه، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحره، اللهم من أرادَ بلادَنا وولاتنا وعلماءَنا وعامَّتنا ووحدَتنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد. اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين. اللهم انشُر الأمن والرخاء في بلادنا وبلاد المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
اللهم كُن لإخواننا في فلسطين وفي سُوريا وفي العراق وفي اليمن وفي كل مكان ، اللهم قد عظُم عليهم الخَطب، واشتدَّ الكرب، ولا ناصِر إلا أنت سُبحانك، فاللهم عجِّل بالنصر والفرَج، اللهم عجِّل بالنصر والفرَج، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله على نبينا محمد
المشاهدات 1028 | التعليقات 0