الْمُدَمِّرُ الْجَدِيدُ (الْأَلْعَابُ الالِكْتُرُونِيَّةُ)

محمد بن مبارك الشرافي
1446/04/27 - 2024/10/30 18:48PM

الْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا طَارَ وَعَدَدَ مَا يَدُبّ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ كَمَا يَشَاءُ وَيُحِبّ، وَأَسْتَعِينُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، هُوَ الْمُعِينُ عَلَى دَفْعِ الْكُرَب، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَكْرَمُ مَنْ أَعْطَى وَأَعْظَمُ مَنْ وَهَب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُاللهُ وَرَسُولُهُ، هُوَ النَّبِيُّ لا كَذِبْ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمٍ يَطَّلِعُ فِيهِ كُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى مَا كُتِب .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْفَظُوا دِينَكُمْ وَخَافُوا مِنَ الْفِتَن, فَإِنَّهَا لا تَزَالُ تَظْهَرُ وَتَزِيدُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْم, وَتَعْظُمُ جِدًّا وَتَشْتَدُّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَتْ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَإِنَّ آخِرَهُمْ يُصِيبُهُمْ بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، ثُمَّ تَجِيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، ثُمَّ تَجِيءُ فِتْنَة، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّهُ مِنَ الْفِتَنِ الْجَدِيدَةِ التِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا أَسْلَافُنَا بَلْ وَلا آبَاؤُنَا وَأَجْدَادُنَا: الأَلْعَابُ الالِكْتُرُونِيَّةُ, أَلْعَابُ بِأَجْهِزَةٍ فِي جُلِّ بُيُوتِنَا إِنْ لَمْ تَكُنْ فِي كُلِّهَا، أَثَّرَتْ عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، أَخْلاقِيًّا وَعَقَائِدِيًّا وَسُلُوكِيًّا، وَصَارُوا يَقْضُونَ عَلَيْها السَّاعَاتِ الْمُتَوَاصِلَةَ وَيَسْهَرُونَ بِاللَّيْلِ وَيُلْحِقُونَهُ بِالنَّهَارِ, أَهْمَلُوا دِرَاسَتَهُمْ وَضَيَّعُوا مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ, بَلْ عَقُّوا آبَاءَهُمْ وَأُمَّهَاتِهَمْ, وَتَأَثَّرُوا بِمَا يُشَاهِدُونَ وَيُقَلِّدُونَ مَنْ يُتَابِعُونَ, وَلَمْ يَقْتَصِرِ الأَمْرُ عَلَى الشَّبَابِ وَإِنَّمَا وَصَلَ لِلْبَنَاتِ, حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْبَنَاتِ الشَّابَّاتِ صِرْنَ يَرْسُمْنَ الصَّلِيبَ عَلَى أَيْدِيهِنَّ، وَيَتَفَاخَرْنَ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ، وَهُوَ شِعَارُ النَّصَارَى الْكُفَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الأَمْرَ جِدُّ خَطِيرٍ, وَصَلَتْ خُطُورُتَهُ لِدِينَ أَوْلادِنَا وَعَقَائِدِهِمْ, فَفِي بَعْضِ مَرَاحِلِ الْأَلْعَابِ لا يَسْتَطِيعُ اللَّاعِبُ الانْتِقَالُ إِلَيْهَا حَتَّى يُهِينَ مَا عَظَّمَ اللهُ، فَقَدْ يَظَهَرُ لَهُ مَسْجِدٌ يَهْدِمُهُ أَوْ كِتَابٌ كَالْمُصْحَفِ لِيُمَزِّقَهُ أَوْ يَطَأَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِالشَّرْفِ وَالْأَخْلَاقِ, فَهَذَهِ الْأَلْعَابُ خَطِيرَةٌ جِدًّا, وَفِي كُلِّ يَوْمِ تَسْتَجِدُّ لُعْبَةٌ وَمَعَها خَطَرٌ جَدِيدٌ, وَتَعَالُوا نَنْظُرُ فِي بَعْضِ الدِّرَاسَاتِ التِي خَلُصَتْ إِلَى أَنْ مَفَاسِدَ هَذِهِ الْأَلْعَابِ مُتَنَوِّعَةٌ وَكَثِيرَةٌ, فَمِنْ ذَلِكَ :  

أَوَّلًا: إِفْسَادُ الْعَقَائِدِ: فَلَا تَكَادُ تَخْلُو لُعْبَةٌ مِنْ مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ - فَخِلَافُ مَا سَبَقَ الإِشْاَرَةُ إِلَيْهِ - تَجِدُ فِي بَعْضِ الأَلْعَابِ تَكْيِيفًا لِصُورَةِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا، وَمَعَ شِدَّةِ حُرْمَةِ تَكْيِيفِ الرَّبِّ بكل حال إِلَّا أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُصُوِّرُونَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِصُورَةٍ مُشَوَّهَةٍ؛ تَعَالَى اللُه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ فَهُوَ الْجَمِيلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ.

كَذِلَكَ تَحْتَوِي هَذِهِ الأَلْعَابُ عَلَى امْتِهَانٍ لِمَقَامِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, حَيْثُ يُظْهِرُونَهُ بِأَشْنِعِ صُورَةٍ؛ لإِنْقَاصِ قَدْرِهِ، كَمَا يُسِيئُونَ لِصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمِ، كَذَلِكَ يكثر انْتِشَارُ الأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْعَابِ؛ فَأَصْبَحَ مَنْظَرُ الصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ مَأْلُوفًا مُسْتَسَاغًا وَمَقْبُولًا عِنْدَ اللَّاعِبِينَ.

 ثَانِيًا: لَا تَخْلُو لُعْبَةٌ فِي الْغَالِبِ مِنْ صُوَرِ النِّسَاءِ الْعَارِيَاتِ، وَشِبْهِ الْعَارِيَاتِ؛ فَمَنْ أَدْمَنَ مُشَاهَدَةَ هَذِهِ الأَلْعَابِ اسْتَسْهَلَ اللِّبْسَ الْفَاضِحَ، وَالنَّظَرَ إِلَى الْعَارِيَاتِ.

 ثَالِثًا: تَجِدُ فِي هَذِهِ الأَلْعَابِ إِظْهَارًا لِتَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ مِنْ هِيرُوينَ وَحَشِيشٍ وَغَيْرِهِمَا، وَإِيضَاحًا لِوَسَائِلِ الْحُصُولِ عَلَيْهَا، وَفِيهَا تَحْسِينًا لِصُورَةِ شَارِبِي الْخُمُورِ؛ فَيُظْهِرُونَهُمْ بِصُوَرٍ مُغْرِيَةٍ، تُشَجِّعُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَتُظْهِرُ حَيَاتَهَمْ كَأَنَّهَا أَسْعَدَ حَيَاةٍ، وَهُمْ أَشْقَى النَّاسِ.

رَابِعًا: انْتِشَارُ السُّبَابِ وَالشَّتَائِمِ فِي هَذِهِ الأَلْعَابِ بِأَلْفَاظٍ عَرَبِيَّةٍ وَاضِحَةٍ، يَسْتَعْظِمُ الإِنْسَانُ الْعَاقِلُ النُّطْقَ بِهَا؛ فَيَتَرَبَّى الأَطْفَالُ عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ السَّيِّئَةِ نُطْقًا بِهَا وَتَقَبُّلًا لَهَا.

خَامِسًا: يَكْثُرُ فِي هَذِهِ الأَلْعَابِ: التَّهَوُّرُ وَالْمُغَامَرَةُ عِنْدَ قِيَادَةِ السَّيَّارَاتِ، وَقَطْعُ الإِشَارَاتِ، وَمُخَالَفَةُ الأَنْظِمَةِ، فَيَتَرَبَّى الصِّغَارُ عَلَى الاِسْتِهَانَةِ بِحَيَاةِ النَّاسِ، وَأَنْظِمَةِ الْمُرُورِ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى رِجَالِ الأَمْنِ، وَالْهُرُوبِ مِنْهُمْ عِنْدَ نِقَاطِ التَّفْتِيشِ، وَإِطْلَاقِ النَّارِ عَلَيْهِمِ، وَعَلَى دَوْرِيَّاتهمْ، وَيَعْتَبِرُونَ هَذِهِ الأَفْعَالَ قُوَّةً وَشَجَاعَةً.

سَادِسًا: تُنَمِّي هَذِهِ الأَلْعَابُ رُوحَ الْعُنْفِ وَالْعِدَاءِ وَحُبَّ الِانْتِقَامِ، فِي لَاعِبِيهَا، وَالْقَتْلَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ، وَتَقْطِيعُ الأَجْسَادِ بِشَكْلٍ مُخِيفٍ بِاِسْتِخْدَامِ: الأَسْلِحَةِ، وَالسَّكَاكِينِ، وَكُلِّ أَدَوَاتِ الْقَتْلِ, وَلِذَا نَجِدُ أَنَّ مَنْ يَنْضَمُّونَ إِلَى الْفِرَقِ الضَّالَةِ الْمُنْحَرِفَةِ المنْتَسِبَةِ -زُورًا- لِلْجِهَادِ يَسْتَهِينُونُ بِالْقَتْلِ، وَيَقْتُلُونَ خُصُومَهُمْ بِأَبْشَعِ قِتْلَةٍ، دُونَمَا رَادِعٍ مِنْ: دِينٍ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عُرْفٍ.

سَابِعًا: تَرْبِيَةُ الأَطْفَالِ عَلَى سَرِقَةِ الأَمْوَالِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَتَعْرِضُ لَهُمْ حِيَلًا وَطُرُقًا مُبْتَكَرَةً للسَّرِقَةِ؛ تُغْرِي الشَّبَابَ بِتَنْفِيذِهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَاِب الْحَاجِةِ لِلْمَالِ، فَمِنْ بَابِ إِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ وَالإِقْدَامِ.

ثَامِنًا: تُنَمِّي هَذِهِ الأَلْعَابُ رُوحَ الْعُزْلَةِ وَالاِنْطِوَاءِ عِنْدَ الأَطْفَالِ؛ فَالطِّفْلُ يَسْتَغِنِي بِهَا عَنْ رِفْقَتِهِ، لأَنَّهُ يَلْعَبُ مَعَ هَذِهِ الأَلْعَابِ لِوَحْدِهِ؛ فَيَتَرَبَّى عَلَى الاِنْطِوَاءِ وَالْعُزِلَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ.

تَاسِعًا: أَوْرَثَتْ هَذِهِ الأَلْعَابُ آثَارًا صِحِيَّةً وَخِيمَةً؛ مِنْهَا: ضَعْفُ الْبَصَرِ عِنْدَ عَدَدٍ لَا يُسْتَهَانُ بِهِ مِنَ الأَطْفَالِ؛ مِنْ جَرَّاءِ التَّرْكِيزِ الشَّدِيدِ عَلَى الشَّاشَةِ، مَعَ تَقَوُّسِ الظَّهْرِ وَالْعَمُودِ الْفِقَرِيِّ, كَمَا أَوْرَثَتْ اِضْطِرَابًا فِي الأَعْصَابِ عِنْدَ فِئَةٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَتَوَتُّرًا دَائِمًا؛ بِسَبَبِ التَّرْكِيزِ الشَّدِيدِ أَثْنَاءِ اللَّعِبِ, وَسَبَّبَتْ إِيذَاءً نَفْسِيًّا لِكَثِيرٍ مِنَ الأَطْفَالِ؛ مِنْ جَرَّاءِ الْمَنَاظِرِ الْمُرْعِبَةِ الْمُخِيفَةِ أَثْنَاءِ اللَّعِبِ.

وَلِذَا نَجِدُ الْغَرْبَ مَعَ أَنَّهُمْ مَنْ أَسَّسَ هَذِهِ الأَلْعَابَ؛ إِلَّا أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَتَابَعُونَ بِرَفْعِ الدَّعَاوَى الْقَضَائِيَّةِ ضِدَّ مُنْتِجِي هَذِهِ الأَلْعَابِ؛ لآثَارِهَا السَّيِّئَةِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ، وَيَحِدُّونَ مِنْ اِنْتِشَارِهَا, فَهَلْ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى أَبْنَائِهِمْ مِنَّا ؟

فَلَابُدَّ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ هَذِهِ الأَلْعَابِ أَصْبَحَتْ عِنْدَ بَعْضِ الأَطْفَالِ حَاجَةً أَسَاسِيَّةً، وَمَظْهَرًا هَامًّا مِنْ مَظَاهِرِ سُلُوكِهِمْ؛ فَهِيَ لَمْ تَعُدْ وَسِيلَةً لِقَضَاءِ وَقْتِ الْفَرَاغِ؛ بَلْ أَصْبَحَتْ وَسِيلَةً تَرْبَوِيَّةً تَفُوقُ الْمَدْرَسَةَ وَالْبِيْتَ، وَتُسَاهِمُ فِي نُمُوِّ الشَّخْصِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ الصِّحِيِّ، فَأَثَرُهَا خَطِيرٌ عَلَى أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ؛ لِذَا يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أنَّ مِنْ أَسْبَابِ وَلَعِ الأَطْفَالِ بِهَذِهِ الأَلْعَابِ الْغَفْلَةَ مِنَ الآبَاءِ عَنْ أَطْفَالِهِمْ، أَوْ عَدَمَ مَعْرِفَةِ بَعْضِهِمْ بِخَطَرِهَا, لِذَا نَجِدُ بَعْضَ الآبَاءِ يَطْمَئِنُّ عِنْدَ وُجَودِ ابْنِهِ يُمَارِسُهَا؛ بِظَنِّهِ أَنَّها تُثَقِّفُهُ وَتُنَمِّي قُدُرَاتِهِ، وَتَحْمِيهِ مِنَ الاِخْتِلَاطِ بِرِفْقَةِ السُّوءِ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَهُ لأَشَرِّ رُفْقَةٍ، وَأَضَرِّهَا عَلَى دِينِهِ وَخُلُقِهِ وَصِحَّتِهِ.

فلَابُدَّ مِنْ رِقَابَةٍ لِلآبَاءِ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بِلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ، بَعِيدًا عَنِ الرَّخَاوَةِ وَالضَّعْفِ وَالْحِجَجِ الْوَاهِيَةِ الْبَارِدَةِ؛ كَمَنْ يَقُولُ: أَخْشَى أَنْ أُحَطِّمَهُ إِذَا رَاقَبْتُهُ, سُبْحَانَ اللهِ, أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ إِذَا لَمْ تُرَاقِبْهُ؛ فَأَنْتَ لِلشَّيْطَانِ تُسْلِمُهُ؟ فَتُدَمَّرَهُ وَتُهْلِكَهُ، فَهَلْ حَقًّا تَخْشَى أَنْ تُحَطِّمَهُ فَتُهْمِلَهُ؟ أَمْ أَنَّكَ تَتَعَلَّلُ لاِنْشِغَالِكَ عَنْهُ بِعِلَلٍ تُقْنِعُ بِهَا نَفْسَكَ فَقَطْ؟

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكِمْ وَأَوْلَادِكْمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهِ عَمَّا اسْتَرْعَاكُمْ مِنَ الأَمَانَةِ.

وعَلَيْكُمْ مَعَاشِرَ الشَّبَابِ أَنْ تَتَّقُوا اللهَ بِأَنْفُسِكُمْ وَبِوَالِدِيكُمْ، وَأَنْ تُرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، فِإِنْ غَفَلَ الآبَاءُ عَنْ مُرَاقَبَتِكُمْ فَإِنَّ اللهَ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ, فَغُضُّوا أَبْصَارَكَمْ، وَامْتَنِعُوا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكُمْ, حَمَانِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتّنِ، وجَعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 1130 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا