المُدَاوَمَةُ عَلَى القِيَامِ وَالصِّيَامِ

بندر المقاطي
1437/10/10 - 2016/07/15 05:02AM
المُدَاوَمَةُ عَلَى القِيَامِ وَالصِّيَامِ

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

الْحَمْدُ لِلهِ بَاسِطِ الْيَدَيْنِ بِالنِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ، فَاتِحِ أَبْوَابِ الْعِبَادَاتِ، مُضَاعِفِ الْأُجُورِ وَالْحَسَنَاتِ، مَنَّ عَلَيْنَا بِإِتْمَامِ رَمَضَانَ، وَأَعَانَنَا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَبَلَّغَنَا العِيْدَ وَأَسْعَدَنَا، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَدَاوِمُوا عَلَى نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَنْقَطِعُوا؛ فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا، وَلَئِنْ فَقَدْتُمْ رَمَضَانَ فِي صِيَامِ نَهَارِهِ وَقِيَامِ لَيْلِهِ وَصَدَقَاتِهِ وَإِحْسَانِهِ؛ فَإِنَّ نَوَافِلَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، بَاقِيَةٌ مَا بَقِيَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَلَا يَقْطَعُهَا عَنْهُ إِلَّا المَوْتُ، قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ).

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
عِبَادَةُ الصَّومِ، عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ، امتَنَّ اللهُ بِفَضلِهِ وَرَحمَتِهِ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ, قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (الصَّومُ جُنَّةٌ مِنْ أَدوَاءِ الرُّوحِ وَالقَلبِ وَالبَدَنِ؛ مَنَافِعُهُ تَفُوتُ الإِحصَاءَ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفظِ الصِّحَةِ).
وَعِبَادَةُ الصَّومِ لا تَنقَطِعُ بِانقِضَاءِ شَهرِ رَمَضَانَ, بَلْ قَدْ جَاءَ في فَضَائِلِهِ عَلَى طِوَلِ العَامِ أَحَادِيثٌ كَثَيرَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَصَومَ المُسلِمُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ، فَعَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِّيَّةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَم، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: (لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهرِ يَصُومُ، أَصَامَهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهرِ أَمْ مِنْ آخِرِهِ)،وَعَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (أَوصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ لا أَدَعَهُنَّ حَتَّى أَمُوتُ: صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةُ الضُّحَى، وَنَومٌ عَلَى وِتْرٍ)، وَمَنْ وَاظَبَ عَلَى صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ العَامَ كُلَّهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ الَّتِي يَنبَغِي أَنْ يَحرِصَ عَلَيْهَا المُسلِمُ، صِيَامُ السِتِّ مِنْ شَوَّالٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ).
فَبِصِيَامِ السِتِّ مِنْ شَوالٍ بَعدَ رَمَضَانَ، يَستَكمِلُ المُؤْمِنُ أَجرَ صِيَامِ الدَّهرِ كُلِّهِ، وَيُكَمِّلُ بِهَا مَا حَصَلَ فِي الفَرضِ مِنْ خَلَلٍ وَنَقصٍ، وَالأَفضَلُ لِمَنْ عَلَيهِ قَضَاءٌ أَنْ يُبَادِرَ بِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَال، وَلا فَرْقَ بَينَ أَنْ يَصُومَ المُسلِم،ُ هَذِهِ الأيَّامَ بَعدَ العِيدِ مُبَاشَرَةً أَو يُؤَخِّرُهَا، وَلا فَرقَ أَنْ يَصُومَهَا تِبَاعاً أَو يُفَرِّقُهَا، وَلا شَكَّ أَنَّ الأَفضَلَ هُوَ المُسَارَعَةُ وَالمُسَابَقَةُ فِي الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يَبدَأَ بِهَا المُؤْمِنُ بَعدَ أَيَّامِ العِيدِ مُبَاشَرَةً.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
وَلا تَقطَعُوا تِلكَ النَّفَحَاتِ الكَرَيمَةِ, وَلا تَهجُرُوا تِلكَ السُّنَّةِ الجَلِيلَةِ, أَلا وَهِيَ قِيَامُ الَّليلِ، دَأَبُ الصَّالِحِينَ، وَشَأْنُ عِبَادِ اللهِ المُتَّقِينَ، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
وَيَكفِي فِي صَلاةِ الَّليلِ فَضلاً وَشَأْناً، أَنَّهَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ صَلاةِ الفَرِيضَةِ، وَشَرَفُ المُؤْمِنِ فِي قِيَامِ الَّليلِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدَعْ الوِتْرَ لا سَفَراً وَلا حَضَراً.
وَصَلاةُ الَّليلِ نُورٌ فِي الوَجْهِ، قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسيَّبِ رَحِمَهُ الله: (إِنَّ الرَّجُلَ ليَقُومُ الَّليلَ، فَيَجعَلُ اللهَ فِي وَجْهِهِ نُورًا يُحبُّهُ كُلَّ مُسْلِمٍ).
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهَ، أَنَّ كثَرَةَ الدُّعَاءِ وَقِرَاءَةَ أَذكَارِ النَّومِ، مِنْ أَعظَمِ الأَسبَابِ المُعِينَةِ عَلَى قِيَامِ الَّليلِ، قَالَ الفُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: (إِذَا لَمْ تَقدِرْ عَلَى قِيَامِ الَّليلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحرُومٌ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُبُكَ).

عَبَادَ اللهِ: الصِّيَامُ تَرْبِيَةٌ لِلنَّفْسِ، وَتَرْوِيضٌ لَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَقِيَامُ الَّليلِ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، سَلوَةُ المُتَهَجِّدِينَ، وَخَلْوَةِ الخَائِفِينَ، فَصُومُوا يَوْمًا شَدِيدًا حَرُّهُ؛ لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، وَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ لِظُلْمَةِ الْقُبُورِ.
فَاللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِلعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُرضِيكَ عَنَّا، وَأَعَنَّا عَلَى طَاعَتِكَ، وَعَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، يَا رَبَّ العَالَمِين.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه، وأصلي وأسلمُ على مُحَمَّدٍ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ. وَبَعدُ عِبَادَ اللهِ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)، وَاعلَمُوا أَنَّ رَبَّ رَمَضَانَ، هُوَ رَبُّ سَائِرِ الشُّهُورِ، وَأَنَّ الدُّنيَا أَنفَاسٌ مَعدُودَةٌ، وَالمُكثُ فِيهَا يَسِيرٌ، وَالَّليلُ وَالنَّهَارُ بِمَا فِيهِمَا، مِنْ صَلاةٍ وَصَومٍ، وَتِلاوَةٍ وَدُعَاءٍ وَتَسبِيحٍ وَاستِغفَارٍ، مِنْ خَيرِ مَا يَعْمُرُ بِهِا المُسلِمُ آخِرَتَهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَدَّخِرُهُ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِلِقَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّبِيبُ مَنْ يَغتَنِمُ عُمُرَهُ وَصِحَتَهُ وَعَافِيَتَهُ، لإِصلاحِ دِينِهِ وَدُنيَاه.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إَلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ, وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خَيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارَهُمْ, اللَّهُمَّ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَكُلَّ عَدُوٍّ للدِّينِ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَاً عليهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيز.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، يَا حَيُّ يَا قَيُوم.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أئمتنا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:
(اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا)
المشاهدات 1396 | التعليقات 0