المداومة على العملِ الصالحِ بعد رمضان 1445

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/10/02 - 2024/04/11 23:22PM

 1445 المداومةُ على العملِ الصَّالحِ

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الأَحدِ الصَّمدِ ، الذِي لمْ يَلِدْ ولمْ يُولدْ ولمْ يَكنْ لهُ كُفواً أَحدْ ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ،وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً ،أمَّا بَعد:

 

أُوصِيكُمْ ونَفسِي بِتقوَى اللهِ تَعالَى فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلينَ والآخِرينَ ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131.

عبادَ الله : إنَّ في انْقِضَاءِ السَّاعاتِ والأيامِ ، وتَوالِي الشُّهورِ والأعْوامِ ، عِبرةٌ لأُولِي الأَلبابِ ، وقد أَخبرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم أنْ بينَ يَدَيْ السَّاعةِ تقارُبَ الزَّمانِ وسُرعةِ انقضائِهِ ، قال صلى الله عليه وسلم :" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونُ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ والْخُوصَةِ " رواه أحمد بسند صحيح .

قبلَ أيامٍ اسْتَقْبَلنَا شَهرَ رَمضانَ ، وقدْ ودّعناهُ بِالأمسِ ، وغَداً يُختمُ العامُ ، وبعدَ غَدٍ يُختمُ العُمرُ ، وبَعدهُ يُبعثرُ ما في القبورِ ، ويُحصَّلُ ما في الصُّدورِ ، وتَجثُو الأُمَمُ لهولِ يومِ النُّشورِ ، ثمَّ تُختمُ الرِّحلةُ جَميعُها إمَّا بِجنانٍ عَاليةٍ ، أو نَارٍ حَاميةٍ ، قال تعالى : ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ آل عمران:30 .

قال صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ :" اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ   " رواه الحاكم وصححه الألباني .

 عبادَ الله : لقدْ مرَّ شهرُ رمضانَ بما فِيهِ مِنْ مشقَّةِ الطَّاعَةِ ، ومَرارَةِ الجُوعِ وحَرارَةِ العَطَشِ ؛ وقدْ ذهبَ كلُّ ذلكَ ، وأمَّا حَلاوةُ الطَّاعةِ ولذَّةُ العِبادةِ وانْشِراحُ الصَّدرِ ، فمَا زَالتْ بَاقيةً في قُلوبِ الطَّائِعينَ ، يَشكُرونَ اللهَ على ما هَداهمْ ، وهَذهِ إِحدَى بَركاتِ العَملِ الصَّالحِ في الدُّنيا ، قال تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ النحل: 97.

عبادَ الله : إنَّ الاسْتِمرَارَ على العَملِ الصَّالِحِ سَببٌ منْ أَسبابِ حُسنِ الـخَاتِمَـةِ ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" رواه أحمد وصححه الألباني .

فاثْبُتُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَوَاظِبُوا عَلَى الْعِبَادَةِ ، "وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْوَمُهُ ، وَإِنْ قَلَّ "مسلم. فيا منْ رَطَّبتُمْ ألسنتكُمْ بِالذِّكرِ وقِراءةِ القُرآنِ ، وتَعرَّضتُمْ لِنَفَحَاتِ رَبكُمْ في رمضان ؛ حَذَارِ من العَوْدِ إلى المعَاصِي ، بعدَ أَنْ حُطَّتْ عَنْكُمُ الأَوزَارُ ، فلقدْ حُزْتُمْ نُوراً كَبِيراً ، فَلاَ تُطْفِئُوهُ بالآثَامِ .

قال تعالى :﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ النحل:92  ، فهذا مثلٌ ضربَهُ اللهُ ؛ لمنْ نقضَ عَهدهُ بعدَ تَوكيدهِ ، وأساءَ في عَملهِ بعدَ إِحسَانهِ وتجوِيدهِ .

عبادَ الله : وإنْ كانَ شهرُ رمضانَ قدِ انْقَضَى ، فإنَّ العملَ الصَّالحَ بَاقٍ عَقِبَ رمضانَ ، فالصَّومُ لا ينقطِعْ ، والقُرآنُ والمساجِدُ لا تُهجَرُ ، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

وإنَّ منَ العباداتِ الجَليلةِ والنَّوافِلِ المُستحبةِ : صِيامُ سِتةِ أيامٍ منْ شَوالٍ ؛  قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلم .

وذلكَ أنَّ الحسنةَ بعشرِ أَمثالِها فشهرِ رمضانَ بعشرةِ أَشهرٍ ، والستةِ أيامٍ ، بشهرينِ , وهذهِ عِدةُ أيامِ السَّنةِ.

 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  

         

 الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إِحسانِهِ ، والشُّكرُ لهُ على تَوفِيقهِ وامتِنانهِ ، وأَشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ وحْدهُ لا شَريكَ لهُ تَعْظِيماً لِشأنهِ ، وأَشْهدُ أنَّ مُحمداً عبدهُ ورَسولُهُ الدَّاعِي إلى رَضوانهِ ، صَلّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلهِ وصَحبهِ ، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً  ،  أما بعد :

 

عبادَ الله : لقد كانَ النبيُ صلى الله عليه وسلم يُدَاومُ على العملِ الصالحِ في كُلِّ أيامِ العامِ ، قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾المعارج :23 .

والمُداومَةُ على العَملِ الصَّالحِ سَببٌ لزيادةِ الإيمانِ ، ونَيلِ مَحبةِ اللهِ تعالَى ، والبُعدِ عنِ الغفلةِ ، والنَّجاةِ مِنَ الشَّدائِدِ ، قال تعالى:﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ الصافات :143-144.

وقدْ مضَى شَهْرُ رمضانَ ، وكُنَّا فِيهِ ما بينَ صِيامٍ وقيامٍ ، وصَدقةٍ وإِحسانٍ ، وتَفضِّلٍ وإِنعامٍ ، تَقرَّبنَا إلى اللهِ تَعالَى بِالطاعاتِ وتركِ المنكراتِ ، ثُمَّ مضتْ تلكَ الأيامُ ، فمنْ أحسنَ فليحمَدِ اللهَ وَلْيُوَاصِلِ الإِحْسَانَ ، ومنْ أساءَ فليتبْ إلى اللهِ وليُصْلحِ العملَ ما دامَ في وقتِ الإمكانِ .

 

عباد الله : إن إتْبَاعَ الحسناتِ بالحسناتِ ؛ والمداومةَ على النَّوافِلِ والتَّطوُّعاتِ ؛ من عَلاماتِ قَبُولِ العملِ ، وجبرِ النَّقصِ في الفرائضِ ، وتوطينِ النَّفسِ على الطاعةِ ، حتى تُصبِحَ سجيةً للمسلمِ  .

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى :" ‌يُعطِي ‌الدُّنْيَا ‌مَنْ ‌يُحِبُّ ‌وَمَنْ ‌لَا ‌يُحِبُّ ، وَلَا يُعْطِي الإيمانَ إِلَّا مَن أَحَبَ "([1])

وكانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُكثرُ من قَولِ : " ‌يَا ‌مُقَلِّبَ ‌القُلُوبِ ‌ثَبِّتْ ‌قَلْبِي ‌عَلَى ‌دِينِكَ " رواه الترمذي وصححه الألباني .

 

اللهمَّ تقبَّلْ مِنَّا إنكَ أَنتَ السَّميعُ العَلِيمُ ، وتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوابُ الرَّحِيمُ ، واغْفِرْ لنَا ذُنُوبَنَا وتَقْصِيرنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

هَذا وصَلُّوا وسَلِّمُوا على منْ أَمركُمْ اللهُ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عَليهِ ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب :156.

اللهم صَلِّ وسَلِّمْ على عَبدِكَ ورَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وعلى آلهِ وصَحبِهِ أَجمَعِينَ .

الدعاء... 

 



([1])رواه الحاكم وصححه الألباني

المرفقات

1712866890_المداومة على العمل الصالح خطبة.pdf

المشاهدات 847 | التعليقات 0