المخدرات رجسُ الشيطانِ

عبدالمحسن بن محمد العامر
1442/05/09 - 2020/12/24 18:04PM
الحمد لله واهبِ العقول، وجاعلِ الحَقِّ ميسور الوصول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لنا الإسلامَ؛ دينَ الكمالِ والشمول، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الشافعُ المقبول، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المثول   
:أما بعد
فيا عباد الله اتقوا لله، ففي التقوى كلُّ خير، وأهلُها هم أهلُ الجِّدِّ والسَيْر
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُون)
معاشر المؤمنين: استخلف الله الإنسان في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وأناط به مهمّة عمارتها (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ومن كرامة الإنسان؛ أنْ سخَّر اللهُ له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه النَّعمَ الظاهرةَ والباطنةَ (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ومع هذا كله فبنو آدم مُلْكُ الله لم يخلقهم عبثا ولم يستخلفهم باطلا، ولم يجعلهم بلا تكاليفَ تحفظهم، وشرائعَ تصونُهم، وسيحاسبُهم على كلِّ نعمةٍ، ولن يتركهم سُدى، ومن هذا المنطلق؛ حرَّم اللهُ على الإنسانِ الخبائثَ التي تؤذيه، وأباح له كل ما ينفعُه ويحفظُه ويحميه، قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) وقال جلَّ شأنه (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) ومن أخبثِ الخبائث وأضرِّ المضار؛ المسكراتُ والمخدراتُ التي حرّمها الله في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال جلَّ شأنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ، ومن شَرِبَ الخَمرَ في الدُّنيا فَماتَ وهو مُدمِنُها لم يَتُبْ، لم يَشرَبْها في الآخرَةِ) رواه مسلم
وليس لأحد أن يقول: هذه الأنواعُ من الخمورِ والمخدراتِ وغيرِها من المسكرات؛ لم تكن موجودةً على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ففي حديثِ ابن عباس المخرّجِ في صحيح البخاري الذي سُئلَ فيه عن البَاذَق ـ وهو الخمر إذا طبخ ـ فقال رضي الله عنه
(سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)
معاشر المؤمنين: إن تعاطي المخدرات، وتهريبَها، والاتجارَ فيها، وترويجها، إفسادٌ في الأرض وإيُّ إفساد، ومحاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهل يشكُّ في ذلك عاقل؟ 
 والله جلَّ جلاله يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
ومن لم يندفعْ فسادُه في الأرضِ إلاّ بالقتلِ قُتِلَ؛ مثلُ قتلِ المفرِّقِ لجماعة المسلمين الداعي للبدع في الدين) ( 
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمرعشرةً، قال أنسُ بن مالك رضي الله عنه: (لعن رسولُ
اللهِ  صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الخمرِ عَشْرَةً: عاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وساقِيَها، وبائعَها، وآكلَ ثَمَنِها، والمشترِي لها، والمُشتَراةَ له) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
والعلماء يَعُدُّون المخدرات من المسكرات، بل هي أشدُّ خطراً، وأعظم ضرراً من الخمور، فيدخل مهربو المخدرات ومروِّجوها ومتعاطوها في هذا اللعن، نسأل الله العافية.
معاشر المؤمنين: تأملوا ـ رعاكم الله ـ في أهلِ الخمورِ والمخدرات؛ كم بينهم من العداواتِ، وكم بينهم من الكراهيةِ والبغضاءِ، وفي هذا تدميرٌ للمجتمعاتِ وفسادٌ لها وضعفٌ وهزيمةٌ، يؤكد هذا أيضا حديثُ أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  إذا استَحلَّتْ أمَّتي خمسًا فعليهم الدَّمارُ: إذا ظهر التَّلاعنُ، وشرِبوا الخمورَ، ولبِسوا الحريرَ، واتَّخذوا القِيانَ، واكتفَى الرِّجالُ بالرِّجالِ والنِّساءُ بالنِّساء)رواه الطبراني وأبونعيم والبيهقي، وصححه الألباني، وهي مفتاح كلِّ شرٍّ؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال (أَوْصاني خَلِيلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تشربِ الخمرَ، فإنها مفتاحُ كلِّ شرٍّ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
أما الغفلة عن ذكر الله فحدِّث ولا حرج فكم تمرُّ عليهم الساعاتُ الطوالُ وهم غافلون عن ذكر الله وعن الصلاة ولهذا قال بعض علماء السلف رحمهم الله
(إِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ تَمُرُّ عَلَيْهِ سَاعَةٌ لَا يَعْرِفُ فِيهَا رَبَّهُ) 
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة، ونفعنا بما صرف فيهما من الآيات والحكمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ صلاة وسلاماً دائميْن إلى يوم الدين.     أما بعد:
(فيا عباد الله: اتقوا الله (ياأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
معاشر المؤمنين: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
( أنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ بنَ الخطّابِ وناسًا من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جلَسُوا بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكرُوا أعظمَ الكبائِرِ، فلَمْ يكنْ عِندهُمْ فيها عِلْمٌ [ يَنتهُونَ إليه ]، فأرْسلَونِي إلى عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ أسألُهُ عن ذلِكَ، فأخبَرَنِي: إنَّ أعظمَ الكبائرِ شُربُ الخمْرِ، فأتَيتُهُمْ فأخبرْتُهُمْ، فأنْكرُوا ذلِكَ، ووَثَبُوا إليه جميعًا [ حتى أتَوْهُ في دارِهِ ] فأخبَرَهُمْ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: إنَّ ملِكًا من بنِي إسرائِيلَ أخذَ رجُلًا، فخَيَّرَهُ بين أنْ يَشرَبَ الخمْرَ، أوْ يَقتُلَ صبِيًّا، أوْ يزْنِيَ، أو يأكلَ لحمَ خِنزيرٍ، أو يَقتلُوهُ إنْ أبَى، فاختارَ أنْ يَشربَ الخمْرَ، وإنَّهُ لَمَّا شرِبَها لمْ يمتنعْ من شيءٍ أرادُوهُ مِنهُ، وأنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لنا حِينئِذٍ : ما من أحَدٍ يَشربُها فتُقبَلُ لهُ صلاةٌ أربعينَ ليلةً، ولا يَموتُ وفي مَثانَتِه مِنْها شيءٌ إلَّا حُرِّمَتْ عليه الجنةُ، وإنْ ماتَ في الأربعينَ ماتَ مِيتةً جاهليَّةً) صححه الألباني.
إن الناظر في حال متعاطي المخدرات يرى هذه الأمور التي وقعت من شارب الخمر؛ واقعةٌ أيضا منهم في حالات كثيرة، فكلها مسكرات مذهبات للعقل، قال المفسرون: مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ هُوَ الْمُسْكِرُ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْخَمْرِ ثلاثٌ اثنتان مِنْهَا وَرَدَتا بِلَفْظِ الْخَمْرِ أَحَدُهُمَا: هَذِهِ الْآيَةُ (يسألونَك عن الخمرِ والميسرِ) وَالثَّانِيَةُ آيَةُ الْمَائِدَةِ وَالثَّالِثَةُ وَرَدَتْ فِي السُّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَمْرِ هُوَ الْمُسْكِرُ.
وبعدُ عباد الله: المخدراتُ غزوٌ صريحٌ، وحربٌ بلا سلاحٍ، وإنهاكٌ للاقتصادِ، وتدميرٌ لشبابِ الأمة وشبابِها، فلا يُقدم على تعاطيها إلا من خسِرَ نفسَه، وسلَّمَ مصيرَه للأعداء، وضيَّع دينَه وآخرته، وجَلَبَ لنفْسِه الجنونَ والعَطَبَ، وواجبنا نحو مجتمعنا ووطننا وأمتنا؛ أنْ نُحاربَ المخدرات ومروِّجيها بفضحِهم والتبليغِ عنهم، والتحذيرِ منهم، حمايةً لنا ولأولادنا، ولأمتنا ومجتمعاتنا.
هذا وصلوا وسلموا ..... 

 

 

المشاهدات 851 | التعليقات 0