المختصر المفيد عن منصة أُريد

حسن الخليفة عثمان
1438/02/08 - 2016/11/08 05:08AM
المستحيل عند صنف من الرجال هو ما لم يقدره الله -سبحانه- في كونه، وما دون ذلك مما يبدو خيالا مستحيلا فقد نذروا أنفسهم لصناعته، والعراق ليست داعش ولا الحشد الشعبي؛ من أراد أن يعرف العراق فلينظر إلى مؤسسي منصة "أُريد" وإبداعهم وطموحاتهم؛ فسيرى بغداد التي لطالما كانت قبلة المعرفة، ومنارة الحضارة، وقلعة التحدي.

لقاء على مائدة "أُريد":

حين فرغنا من جلسات عرض أبحاثنا في اليوم الثاني من فعاليات الموسم العلمي الدولي الثاني للمؤتمرات بإسطنبول في إسكودار، والذي كانت لنا فيه مشاركة بحثية في المؤتمر الأول لعصر الحكمة بعنوان: "أهمية العمل المؤسسي في مسيرتنا نحو عصر الحكمة: رؤية تطبيقية"، عقد السادة المؤسسون وقادة منصة "أريد" لقاء لأعضاء المنصة من الباحثين والعلماء والمفكرين وطلبة العلم، بإدارة صاحب فكرة المنصة ومبدعها ومؤسسها الأول العراقي الدكتور سيف السويدي، ورفيقه الدكتور أشرف زيدان المشرف على الموسم العلمي الدولي الثاني، وبحضور رموز وكبار الهيئة العليا ومستشاري المنصة مثل الدكتور يوسف السويدي والدكتور نجم عبدالرحمن.
ليس المقام هنا لذكر تفاصيل اللقاء أو إبداعات المشاركين والمشاركات من الأعضاء التي تنوعت بين ما ألقاه الشاعر الدكتور إبراهيم العريني متألقاً في قصيدة كتبها عن "منصة أريد"، واقتراحات ومشاركات الحضور وما غشيهم من بهجة بالمشروع أو الفكرة؛ كما إن التفاصيل التقليدية عن المشروع أو الفكرة يمكن الوصول إليها عبر محرك البحث ومن خلال موقعها الإلكتروني؛ لكنني كنت ولازلت مشغولا بأمرين:
الأول: أصحاب الفكرة والذين يتولون مسئوليتها.
الثاني: جوهر الفكرة، وأثرها المنتظر، وواجبنا نحوها، وكيفية دعمها وتطويرها.
أهمية الأول تفرضها أمانة القلم والكلمة، وما يقتضيه أدب الجرح والتعديل في حق المتصدرين للشأن العام وقضاياه المهمة، وعلى رأسها ما يتعلق بصياغة العقول، وصناعة المعرفة، وبناء الإنسان، ويجدر الإشارة في ذلك إلى ما أرشد إليه صاحب الفتح ابن حجر العسقلاني : "لا يكفي في التعديل ظاهر الحال ولو بلغ المشهود بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطن حاله"
وأهمية الثاني لنستبين أن ثمة علما نافعا أثمر عملا صالحا؛ يحتاج إلى تضافر الجهود والعقول التي تعمل فيه وتدعو إليه على بصيرة من أمرها.

تواصل ورؤية:

تفضل مشكورا السيد مؤسس المنصة د سيف السويدي بالاتصال بي قبيل مغادرته تركيا بخصوص ما يمكن أن نقدمه من رأي قد ينفع ذلك الصرح الوليد فأجبته إيجابا ووعدته خيرا وأرجو أن تكون هذه الكلمات بداية الوفاء.
بعد مطالعتي لمنصة orcid والتي تعتبر منصة "أريد" جهدا عربيا مشابها لها يعيد للباحث والعالم والمفكر والمثقف العربي قيمة حضارته وجدتني أطرح سؤالا:
هل أنجز مؤسس منصة "أُريـــــد" بهذا الإنجاز ما ناب فيه عن العرب خاصة والمسلمين عامة في أحد شئونهم المهمة التائهة بين واجب العين وواجب الكفاية؟؟
لا أريد أن اتجشم خطورة الجواب بالجزم بنعم؛ ولكني أتركه للسادة العلماء المختصين الذين يقفون على الأمر ويقيمونه، ويصدرون حكمهم في المسألة، وحسبي أن أكون الدال أو المرشد إلى الطرح، والتوضيح إن لزم الأمر، مشيرا إلى صرخة لغتنا واستغاثتها على لسان شاعر النيل حافظ إبراهيم منذ عقود مضت، ونبضت حروفها بالنحيب والأسى إذ خاطبت أهلها باكية:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي *** وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني *** عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي *** رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً*** وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ *** وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني *** أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً*** وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً *** فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً *** يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه *** لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ *** حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ*** بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى*** وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ *** مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ
فما اصغى لنحيبها في هذا الحقل -كما وجدت- من أحد، حتى انتفض لها ذلك النحرير العراقي، الذي جعل من محنة عنائه في بحثه في رسالة الدكتوراه بطب الأسنان منحة لأمته ولغته، وتداعى معه ثلة ممن على شاكلته من الغيرة والعطاء والعلم والذكاء..
فكانت "أريد" بشعارها الخلّاق: "ننهض بعلمائنا"

مقترحات:

• صحيفة أريد ومجلة أريد الإلكترونيتين المعبرتين عن مشروع المنصة بإسهامات أقلام النخب والمختصين الأعضاء..
• وكذا منتدى "أريد" الخاص بالمسجلين بالمنصة
• وبرنامج أريد التلفزيوني، والذي يكون خطوة أولى نحو التطور لفضائية "أريد" المعبرة عن مشروع يؤمل أن يصل أعضاؤه إلى سبعة ملايين عضو بين عالم وباحث ومفكر
• وتطبيق "أريد" وإتاحته في متجر جوجل
إضافة إلى تنشيط الأدوات المتعارف عليها والموجودة للمنصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها بحاجة إلى إبداع وابتكار، كل ما سلف من اقتراحات بالإضافة إلى صياغة الرسالة، والرؤية، والأهداف، والغايات، والمبادئ، والقيم بشكل مؤسسي يساهم فيه الأعضاء، أو تُستطلع أراؤهم كما حدث في لقاء أوسكودار لكن عبر وسائل الاتصال التقني الإلكتروني، من شأنه أن يسهم في دعم وتطوير ذلك المشروع العلمي الخلّاق.
قيمة مضافة:
هل يمكن أن تفيد "أريد" المهتمين في دقة قياس الرأي العام العربي والاسلامي بما يسهم في الإصلاح؟؟
إن مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بالغة الأثر في التأثير على حياة البشر؛ إلى حد أسقاط أنظمة، وإقالة وزراء، وتغيير في سياسات، والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من أدوات الصراع بين الناس، وباتت وسيلة للتباغض والتفكك الاجتماعي في بعض الأحيان، بدلا من أن تكون وسيلة تواصل وتآلف اجتماعي؛ بما جعلها تعج بالأسماء المستعارة التي تتسمى بها العناصر الإجرامية، التي تمارس أفعالا غير مشروعة، والصفحات المزيفة والآلاف التي لا وجود لها في الحقيقة، وإنما هي من صناعة الأطراف المتصارعة، أو الراغبة في إذكاء الصراعات، والتي توجه الرأي العام نحو أهدافها وغاياتها السلبية؛ فإن وجود رقم معرف الباحث على صفحة أو حساب الفرد بموقع التواصل الاجتماعي يحد من هذه المسألة والفوضى؛ إذ يمكن من خلاله زيارة صفحته على منصة أريد، والاطلاع على شخصيته وهويته العلمية والفكرية وعطائه الثقافي، والتي في ضوئها يتم النظر إلى ما يبدي من رأي، ويطرح من رؤى، ويؤيد أو يعارض من توجهات.
فإذا لم يكن طالب علم، ولا باحثا، ولا عالما، ولا مفكرا، ولا مثقفا ذا رأي، ولا حكيما ذا تجربة، ولا إنسانا سويا لا يكره أن يطلع على عمله وهويته الناس، فماذا يكون بعد وهو قابع على مواقع التواصل الاجتماعي طوال يومه يروج الإشاعات، وينشر الأكاذيب، والتخلف والفتن بين الشعوب؟
لذا نقول إن من ثمار المنصة أنها بمثابة مجمع يمكن من خلاله أن نستبين أهل الرأي والنخبة الحقيقية في العالم العربي والاسلامي، والإفادة من علمهم وفكرهم ورؤاهم وأطروحاتهم الفكرية، التي تنشد الرخاء والسلام والسعادة لهذا العالم، ونخرج بالعقل العربي والمسلم من دهاليز السرية وخطأ التأويلات، إلى ضياء العلنية وصواب الاجتهادات.
وللحديث بقية في حينه بإذن الله.
المشاهدات 1265 | التعليقات 0