المحيا والممات للرحمن، والمؤمن للمؤمن كالبنيان

محمد بن عبدالله التميمي
1442/10/08 - 2021/05/20 12:04PM
  الحمد لله خلقنا لعبادته، ويسر لنا سبل طاعته، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته، وأشهد أن محمدا عبدُ الله التقي، وخاتم كل رسول ونبي، صلى الله عليه وعلى آله الزكي وصحبه الرضي، وعلى كل تابع على هديهم مقتفي، أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، فإنه جل وعلا خلقكم في هذه الدار الدنيا لغاية عُظمى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وطريق العبادة محفوف بمخاطر، وتعترض السالك فيه ابتلاءات، بالخير والشر والموت والحياة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فينظر اللهُ الشاكرَ من الكافر، والصابرَ من الساخط، وتذكُّرِ المرجعِ يبعث على الثبات طلبا للنجاة. عباد الله.. ومن تَحَقَّقَ الغايةَ التي لها خُلِق، فكان لها عاملا، ولتحصيلها كادحا، ولما يَعتَرِضُه مُحتَمِلا، ولِـمَا يَصرِفُه عنها مُعرِضا، وعلى الحق ثابتا، وعن الباطل مائلا، فليُبشر { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} فليس لتحصيل الغاية من غاية في الزمن دون الموت {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وإنما يضاعِف المسلمُ الجهدَ ويبذُل الوُسعَ في مواسم المضاعَفة كرمضان وعشر ذي الحجة، فالله رب الشهور كلِّها، ولا يدري المرء متى تخترمه المنية فيتوفى الله نفسه بعد انقضاء أجلها المُغَيَّب. اللهم توفنا وأنت راض عنا. عباد الله.. وإن فيما يعاني المسلم في تحقيق هذه الغاية التي هي العبادة، وفي سُلَّم الترقي في مراتبها صبرا وثباتا ودعوة، { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ* الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } يجد في تسبيح الله وتنزيهه وتعظيمه ودوام ذكره سعة الصدر وانشراحَه، وإعانة على أموره، وأظهر ذلك: الصلاة وأسكن ما يكون قلبُه في سجوده حيث يكون أقرب إلى ربِّه، فهو على صلاته محافظ ودائم، خمس صلوات مطهِّرات، مثبِّتات، وللحسنات مضاعِفات، وللسيئات مكفِّرات { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } والمحافظ على صلاته الدهر كله من الذاكرين فلا تجده إلا قريبا من ربه، فهي له مذكرة، متقرِّب بأعماله كلها لله، فمحياه ومماته لله { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ } أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود. الخطبة الثانية الحمد لله الذي باري البريات، ومستحق العبادة فله المحيا والممات، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدا عبد الله ومن ختمت به الرسالات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه نعم القُدُوات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان المتمسكين بالهدى والبينات، أما بعد: فاتقوا الله وراقبوه، وأطيعوا أمره ولا تعصوه، وإن حياة المسلم كلِّها لله، فما يكون فيها من فرَحٍ ففي رضا الله غبطةً وتحميدًا، وما يكون من حُزْن فعلى مصابه في حق الله تقصيرا، وعلى مصاب إخوانه المؤمنين في سبيل الله من أعدائهم تنكيلا، فالمؤمن يَكْمُلُ إيمانُه بحسب قوة رابطة الإيمان، والمؤمن للمؤمن كالبنيان، وإن مصاب المستضعفين من المؤمنين في جميع الأرض والأقصى مما يؤرِّق، والدعاء لهم واجب مُحقَّق، والوعد بالعاقبة للمتقين ونصر هذا الدين وخذلان الظالمين وعد متحقِّق. عباد الله.. إنها عقيدةٌ راسخة لا تتزعزع: أن المسجد الأقصى إرث الأمة الخاتِمة، الذين هم أولى بإبراهيم وذريتِه {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله.. أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل ؟ قال : المسجدُ الحرَام ، قلت : ثم أي ؟ قال : المسْجِد الأقْصَى ، قلت : كَمْ بينهما ؟ قال : أربعُونَ سنة " ومن المعلوم أن بين إبراهيم - عليه السلام باني الكعبة - وبين سليمان - عليه السلام - ما يقارب الألف عام، مما يؤكد أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان عليه السلام بمئات السنين .. وإنما كان له شرف إعادة البناء والتجديد. ثم اعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى لطَف بعباده المؤمنين، وأمرهم بالصلاة على سيد المرسلين، فصلى عليه ربُّنا تشريفا وتكريما، وصلت عليه ملائكتُه تفضيلا وتعظيما، وأمر عبادَه أن يصلوا عليه ليُبيحَ لهم من الجنة مقاما كريما، فقال من لم يزل سميعا عليما عليا عظيما: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾.
المرفقات

1621512283_المحيا والممات للرحمن والمؤمن للمؤمن كالبنيان.pdf

المشاهدات 1048 | التعليقات 0