المَحَجةْ -في عشرِ ذي الحِجْةْ

خالد علي أبا الخيل
1438/12/05 - 2017/08/27 15:23PM

المَحَجةْ -في عشرِ ذي الحِجْةْ

التاريخ: الجمعة:3-ذو الحجة-1438 هـ

الحمد لله، الحمد لله الذي أظهر المحجة، وأبان الحُجة، وفضَّل عشرة ذي الحجة، وأشهد أن لا إله إلا الله فرض الحجَّ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من زار البيت وحجَّ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه قوى إيمانهم بالبرهان والحُجَّة.

 أما بعد...

فاتقوا الله حق تقواه واحرصوا على رضاه تنالوا فوزه وعطاه.

أيها المسلمون:

 بين أيديكم مائدةٌ مباركة، وتحفةٌ كريمةٌ فائضة روضةٌ من رياض الجنان، موسمٌ من مواسم المنان يستنشق المؤمن شذى الإيمان، ويتقلب في ألوان وأصناف الإحسان.

إن من لطف الله وإحسانه، وهبته وكرمه وامتنانه؛ أنه فضَّل عشر ذي الحجة وأقسم بها بالقرآن إظهارًا للحُجة، السعيد -أيها الإخوة المباركون- من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب إلى موالاه فيها من وظائف الطاعات، فعسى وعسى أن تُصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيسعد سعادةً في أُخراه ودنياه ويمنحه رضاه، ويجعل الفردوس مأواه.

إن المواسم والغنائم، وأوقات الفضائل والكرائم أَجلُّ المواسم وأعلاها قدرًا، وأعظمها فضلًا وشرفًا، يتسابق إليها المسابقون، ويتنافس فيها المتنافسون، فها هي مواسم الخيرات تنفحنا نسماتها وتطوف بقلوبنا روائحها.

ها هي العشر تحط رحالها، وتفتح أبوابها، وتنشر خيرها وثوابها، وتبعث في نفوس أهلها سِواقها، مواسمٌ أقسم الله بلياليها وأيامها؛ تعظيمًا لشأنها، فقال فيها: (وَالْفَجْر (1) وَلَيَالٍ عَشْر) (الفجر:1-2).

يقول ابن القيم $: إن الفجر في الليالي العشر زمنٌ يتضمن أفعالًا معظمةً من المناسك، وأمكنةً معظمةً هي محلها، وذلك من شعائر الله المتضمنة خضوع العبد لربه، فإن الحج والنُّسك عبوديةٌ محضةٌ لله، وذلٌ وخضوعٌ لعظمته، فالزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهلٌ أن يُقسم الرب عزَّ وجلَّ.

حُق للمسلم أن يفرح ويستبشر وينجح، حُق للمسلم أن يفرح ويستبشر وينجح فاسقِ سمعك لما يُفرح قلبك، ويبعث همتك.

روى البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما- عن النبي قال: (مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ( هذا خبرٌ صحيح ونصٌّ واضحٌ صريح.

نعم حُق للمؤمن أن يستبشر ويفرح ويشكر على هذه النِّعمة التي يرتفع بها درجات، ويزداد حسنات، ويُكفَّر عنه السيئات.

أيها المسلمون:

 كان سعيد بن جُبير نِعم العامل بعلمه، فهو الراوي عن ابن عباس ٍ خبره: كان إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا، حتى ما يكاد يقدر عليه غيره، وجاء عنه: (لا تُطفئوا سُرجكم ليالي العشر) كنايةً عن القيام والقراءة، وكان السلف يُعظمون ثلاث عشرات:

عشر رمضان الأخيرة. وعشر ذي الحجة. وعشر محرمٍ الأول.

ومن فضلها:

 ما أشاد الله بذكرها (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (الحج:28).

 عن ابن عباسٍ: هذه العشر جمعت أركان الإسلام توحيدًا، وصيامًا، وصدقةً، وصلاةً، وحجًّا، وعمرةً، فشعار الحجاج والعُمار: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك.

يقول جابر كما في مسلم: فأهلَّ رسول الله ﷺ بالتوحيد.

قال ابن حجر $ في (الفتح): والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره.

ويقول ابن رجب $ في (اللطائف): لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحدٍ قادرٌ على مشاهدته كل عامٍ فرض على المستطيع الحج مرةً واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين.

فالموفق من بادر الأوقات، وسارع إلى الطاعات، واغتنم الخيرات، ونافس في العبادات في هذه العشر اجتمع فيها أفضل العبادات البدنية وهي: الصلاة، وأفضل العبادات المالية وهي: ذبح الأضحية.

تتميز هذه العشر أمة الصلاح والخير بمناسبتين عظيمتين:

أولهما: الحج فهو فريضة العمر، وغرة الدهر.

ثانيهما: عيد الأضحى الذي هو أحد العيدين الذي يحتفل بهما المسلمون في جميع بقاع الأرض، وليس لهما سواهما حيث يقومون في عيد الأضحى بإحياء السُّنَّة الإبراهيمية في التضحية والفداء.

لَيَالِي الْعَشْرِ أَوْقَاتُ الاجَابَـةْ

 

فَـبَادِرِ رَغْـبَةً تَلْحَقْ ثَوَابَهْ

أَلا لا وَقْتَ لِلْعُـمَّالِ فِـيـهِ
 

 

ثَوَابُ الْخَيْرِ أَقْرَبُ لِلإِجَابَـةْ
>

مِنَ أوْقَاتِ اللَّيَالِي الْعَشْرِ حَقًّا

 

فَشَمِّرْ وَاطْلُبَنْ فِيهَا الاِنَابَـةْ

من أعظم الأعمال في هذه العشر والليال:

 حجُّ بيت الله الحرام فرضًا كان أم نفلًا.

ومن الأعمال:

 صيامها أو بعضها، فالصيام من خير الخصال، والمؤمن أمير نفسه من شاء فليستقل، ومن شاء فليستكثر، ومن عمل صالحًا فلنفسه.

ومن الأعمال:

 التكبير لله المتعال، الجهر به في الأسواق والبيوت، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ليس له صفة محدودة.

ومن أوصافه:

 الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

وأعظم الذِّكر -أيها الأحبة-:

 قراءة القرآن أعظم ما يضعه الإنسان في هذه العشر قراءة القرآن، فاحرص ألا تخرج عشرُك إلا بختمةٍ من القرآن تنال بها سعادة الدنيا والآخرة.

ومن الأعمال: التضحية لمن قدر عليها، فهي من أفضل الأعمال.

ومن الأعمال: صيام يوم عرفة لغير أهل عرفة، فهو يُكفِّر سنتين الماضية والقادمة.

والأعمال الصالحة لا حصر لها كالبر والصدقة، والصلاة والصِّلة، والذِّكر والقراءة، والإحسان وكل معروفٍ صدقة، والذِّكر بألوانه وأنواعه، والإحسان للغير، والعفو والتسامح، والتصافح والتغاضي، وطرق الخير كثيرة، وأنوعه بحمد الله متعددة.

قال ابن رجب $: وقد دل حديث ابن عباسٍ على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيءٍ منها، وقال: فكل عملٍ صالح يقع في هذه العشر، فهو أفضل من عملٍ في عشرة أيامٍ سواها من أي شهرٍ كان.

احذروا -عباد الله- المعاصي، فإنها تحرم المغفرة في مواسم المغفرة، ففي السُّنَّة (إنَّ العبد ليُحرَم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه) فقد يُحرم رزق الطاعات والخيرات بأسباب الذنوب والسيئات.

فالغنيمة الغنيمة في انتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوضٌ ولا قيمة، المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرِّط على ما فعل، قبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحًا فلا يُجاب إلى ما سأل.

ليس للميت في قبره

 

فطرٌ ولا أضحى ولا عشرُ

ناءٍ عن الأهل على قربه
 

 

كذاك من مسكنهم قبرُ
>

من الحرمان والخسران أن تمر هذه العشر مرور الكرام، وتخرج بسلام، فلا عمل ولا اهتمام احذروا الغفلة والإعراض، رُؤي أحد الموتى في المنام، فقال: ما عندنا أكثر من الندامة، وما عندكم أكثر من الغفلة، ورُوي آخر فقال: قدِمنا على أمرٍ عظيمٍ نعلم ولا ونعمل، وأنتم تعلمون ولا تعملون، والله لتسبيحةٌ أو تسبيحتان أو ركعةٌ أو ركعتان في صحيفة أحدنا خيرٌ من الدنيا وما فيها، فما من ميتٍ يموت إلا ندم إن كان مُحسنًا ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مُسيءً ندم ألا يكون نزع عن معصيته.

أَيا مَن لَيسَ لي مِنهُ مُجيرُ

 

بِعَفوِكَ مِن عَذابِكَ أَستَجيرُ

أَنا العَبدُ المُقِرُّ بِكُلِّ ذَنبٍ
 

 

وَأَنتَ السَيِّدُ المَولى الغَفورُ
>

أَفِرُّ إِلَيكَ مِنكَ وَأَينَ إِلّا

 

إِلَيكَ يَفِرُّ مِنكَ المُستَجيرُ

العاقل من اجتهد لنفسه وقت المواسم؛ ليظفر بالربح الكبير، كم نرى من عقلاء الدنيا والخبراء بمواسمها من يواصلون الليل والنهار لا ينامون إلا قليلًا للتجارة، فحريٌّا بأهل الإيمان والمشتاقون للجنان مضاعفة الأعمال والإحسان قبل فوات الأوان، ويُقال: فلانٌ كان.

 ضع لك ورقةٌ بيضاء ورتب أعمالك الحسناء، واحذر الكسل والتواني والهوى، فهذه العشر ربما تكون خاتمة عمرك ولا تدركها مرةً أخرى في دهرك.

ساعد زوجتك وبنيك وحُضهم على العمل الصالح والمسارعة واجعل لهم حوافز في المنافسة، فهنيئًا لمن عزم على استغلال هذه العشر، وقام بها ونوى العمل الصالح واجتهد فيه، فمن عزم على شيءٍ أعانه الله، ومن صدق مع الله أسعده الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت:69).

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على منِّه وفضله وكرمه وامتنانه.

 أما بعد...

عباد الله هذا وهناك أعمالٌ مشروعة في هذه العشر مخصوصة، فأبرز ما فيها خصلتان عظيمان:

الخصلة الأولى: حج بيت الله الحرام، فهو فرضة العمر أشرف عملٍ يعمله المرء في هذه العشر، كيف لا وهذا وقته وزمنه! وهو أحد أركان الإسلام كما في حديث بُني الإسلام، ويجي ء بشروطٍ خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ والحرية، والاستطاعة، وتزيد المرأة وجود محرمٍ لها يذهب معها.

وسؤالٌ يطرح نفسه ما هي علامات البلوغ؟ هي ثلاثةٌ مشتركة للذكر والأنثى: خروج المني باحتلامٍ أو غيره، ونبات شعر العانة، وبلوغ خمسة عشرة سنة، وتزيد المرأة وجود الحيض، فمتى وجِدت أو أحدها كُلِّف صاحبها، ووجب عليه المفروض وترك الممنوع.

 ومتى توفرت الشروط، وتمت الضوابط وجب على المرء الحج على الفور، والسعي إليه، وأداء فرضه قبل اخترام المنية.

والبعض قد اكتملت فيه شروط الحج، وتيسر له العج والثج، ولكن غلَّب جانب الكسل وسوء العمل، يُسوِّف ويُمني، ويُواعد ويُلغي، فيتقدم به العمر والشهر تلو الشهر ولم يؤدي فرضه ويُكمل أركان إسلامه، فيتعذر بأعذارٍ واهية، وحججٍّ هامشية من زحامٍ وبردٍ وحرٍّ، وسنةٍ قادمة وغلاء سعرٍ، ومن عجز عن الحج ببدنه وله مقدرةٌ بماله، أقام من يحج عنه.

ومن لفت الانتباه؛ إعانة الأولاد وحثهم وترغيبهم، ومساعدتهم وتسهيل السُّبل لهم فكثيرًا مما له جدةٌ ومقدرة يُهمل أولاده، بل يُعيقهم ويقف في طريقهم من بنين وبنات.

ومما يُرغِب في أداء الحج، ويُعين الناسك في العج، ويرفع الهمم والمهج تذكر وإشعار النفس في فضل العمرة والحج.

 ففي الصحيحين (من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولا لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وفيهما (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) والمبرور: ما كان خالصًا لله صوابًا على سُنَّة رسول الله، مع كف الأذى، واجتناب الردى مصحوبًا بمالٍ حلالٍ وهناء.

وفيهما: (أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور)، وعند مسلم (والحج يهدم ما كان قبله) وهو سببٌ لسعة الأرزاق، ونزول البركات، وتكفير الذنوب والسيئات، وصح عند أحمد في مسنده والترمذي في جامعه (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة).

والخصلة الثانية: مشروعية الأضحية فهي سُنَّةٌ مؤكدة جاءت بها السُّنَّة القولية والفعلية والتقريرية، فعلى من كان عنده مقدرة وسعةٌ من المال أن يتقرب بها إلى الكبير المتعال، ويذبحها في بيته وبين العيال؛ لينشئوا على السُّنَّة ويعرفوا سُنَّة الأضحية، فالبعض يذهب بها هنا وهناك بحجة ضيق المكان أو اتساخ المكان، فلا يعرف أهله وولده ذبح القربان، والبعض يتصدق بقيمتها؛ لأنه ليس عنده وقتٌ لذبحها، وإراقة الدم أفضل من التصدق بثمنها، والبعض من الناس عنده كرمٌ وسخاء لكن عند الأضحية فقرٌ وإمساكٌ وعناء.

فضحوا بارك الله فيكم طيبةً بها نفوسكم بينكم وبين أولادكم، ولكل شخصٍ بعينه أضحية لمن أراد بذلك، فالزوج يُضحي، والزوجة تُضحي، والولد يُضحي، والبنت تُضحي، ومن عمل صالحًا فلنفسه، فالأضحية من أبرز الشعائر، وسُنَّة سيد الأوائل والأواخر.

قال الحافظ ابن حجر $: ولا خلاف أنها من شعائر الدِّين.

وقال ابن القيم $: ولم يكن النبي ﷺ يدع الأضحية، وكل من قدر من والدٍ أو والدة أو زوجةٍ أو زوجٍ أو ولدٍ على الأضحية فيُسن فعلها والتقرب إلى الله بها (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر) (الكوثر:2)، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) (الأنعام:162).

هذا ومن أراد أن يُضحي وعزم على ذلك بنيته، أن يُمسك عن أخذ شعره سواءً من لحيته أو رأسه او إبطه أو عانته أو ساقه أو ذراعه أو سائر شعور جسمه، وكذا لا يأخذ من أظافر يديه ورجليه، ولا من جلده وبشرته شيئًا؛ لِما روى الجماعة إلا البخاري (إذا هلَّ هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يُضحي فلا يأخذ من شعره وبشره شيئًا)، وفي رواية (ولا ظُفره) والحكم خاصٌ بمن أراد أن يُضحي.

أما الزوجة والأولاد فلا يُمسكون، وكذا لا يُمسك الموصى، والموكَّل، إنما يُمسك الموكِّل والموصي، ومن أخذ من ذلك ناسيًا فليس عليه شيء، ومن أخذ متعمدًا فعليه التوبة فقط، ولا فدية ولا كفارة، وأُضحيته صحيحةٌ بإذن الله مقبولة.

ومن أراد أن يُضحي عن غيره أو ميته فلا يُمسك هو؛ لأن المخاطب صاحب الأضحية، وكذا لو اشتركوا لشخصٍ أو عن شخصٍ فلا يُمسكون إنما يُمسك من كانت له الأضحية دفع القيمة هو أو دُفِعت له، ومن تردد هل يُضحي أم لا؟ فيُمسك إذا عزم وأراد ولو قبل العيد بلحظات.

هذا وبعض النساء تتحرج من تسريح شعرها وتجميله؛ خشية التساقط، وهذا تحرجٌ في غير محله، بل عليها وعلى الرجل التجمل والتسريح، والتعديل والتصليح، وكثيرًا ممن يسأل ممن يُريد الحج إذا جاء الى الميقات وقد نوى الأضحية في بلده هل له أخذ شعره وظفره؟ والجواب: لا يأخذ شيئًا عند الميقات وإذا انتهى من عمرته فله أن يقصِّر أو يحلق، فهذا تابعٌ للنسك.

وكذا عباد الله- من أراد الحج، وقد نوى الحج من الآن، فبعض الناس يُمسك من شعره وظفره بحجة أنه سوف يحج، وهو لا يُريد الأضحية وهذا غلط، فالذي يُريد الحج إنما يمسك في إذن المحظورات إذا عقد النُّسك لبيك حجًّا أو لبيك عمرة.

عباد الله هذه مواسم الخيرات والقربات أفلا يليق بالإنسان وهو يستقبل موسمٌ وسوقٌ من مواسم الآخرة وتجارةٌ لا يعتريها خسارةٌ ولا مراوغة، بل هي تجارةٌ رابحة، ومدخرةٌ له في الدار الباقية يجد أُنسها وسرورها إذا فارق هذه الدار الفانية أن يخلد إلى الكسل، والعجز، وعدم العمل لا يرعى لها قيمة، ولا يُوقظ لها هِمة؟ حريٌّا أن نستقبل هذه العشر، وأن نقوم بشأنها، وشعائرها، وخصائصها بالأعمال الصالحة، والعزيمة الخالصة والنية الصادقة، والقوة والشجاعة، والجِد والمجاهدة، والاستثمار والمبادرة.

هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه وأن يُعلي كلمته.

 

 

المشاهدات 774 | التعليقات 0