المحبة في الله 1446

مبارك العشوان 1
1446/02/04 - 2024/08/08 10:23AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا  فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ لَا؛ غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ).

المَحَبَّةُ فِي اللهِ عَمَلٌ مِنْ أَفَضَلِ الأَعْمَالِ، فَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: ( رَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) [متفق عليه]

وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ : ( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ) [رواه مسلم]

المَحَبَّةُ فِي اللهِ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ؛ اِمْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهَا  فَقَالَ: { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا }[آل عمران103]

رَابِطَةُ الدِّينِ أَوْثَقُ رَابِطَةٍ، وَصِلَتُهُ أَقْوَى صِلَةٍ؛ وَالْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ وَكَالْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.

صُحْبَةُ المُتَحَابِّينَ فِي اللهِ دِائَمَةً، وَمَوَدَّتُهُمْ بَاقِيَةٍ؛ وَكَمَا هِيَ بَاقِيَةٌ فِي الدُّنْيَا؛ فَهِيَ كَذِلَكَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف 67]

قَالَ ابنُ عَبَاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ رَضِيَ اللهُ عَنَهْمْ: صَارَتْ كُلُّ خُلةٍ عداوةً يَوْمَ القِيَامَةٍ إِلَّا المُتَّقِينَ.

فَمَا أَعْظَمَ الأُخُوَّةَ وَالَوَلَاءَ عِنْدَمَا يَقُومَانِ لِلَّهِ لَا لِغَيرِهِ، وَمَا أَجْمَلَ الحُبَّ حِينَ يَكُونُ لِلَّهِ وَفَي اللهِ وَحْدَهُ. 

أَمَّا عِلَاقَاتِ المَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا تَدُومُ بِدَوَامِهَا وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا،  تَجِدُ بَينَ الرَّجُلِينِ مِنَ المَحَبَّةِ مَا يُثِيرُ العَجَبَ   وَمَا ثَلْبَثُ إِلَّا وَقَدِ انَقَلَبَتْ إِلَى نِزَاعٍ وَشِقَاقِ؛ وَلَا غَرَابَةِ فِي زَوَالِهَا؛ فَإِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى أَمْرٍ زَائِلٍ.

بُنِيَ لِأَجْلِ المَنَاصِبِ، وَلِأَجْلِ التِّجَارَةِ، وَلِحَوَائِجِ الدُّنْيَا عِلَاقَاتٌ؛ وَمَا أَنْ تُقْضَى تِلْكَ الحَاجَةُ، أَوْ يُقَالَ صَاحِبُ المَنْصِبِ أَوْ يَتَقَاعَدُ، أَوْ يُفْلِسُ صَاحِبُ المَالَ إِلَّا وَيَتَخَلَّى عَنْهُمُ وَيَتَنَكَّرُ لَهُمْ كُلُّ مَنْ صَحِبَهُمْ لِأَجْل هَذِهِ الأُمُورِ.

أَلَا فَلْنُخْلِصْ مَحَبَّتَنَا لِلَّهِ؛ تَدُومُ لَنَا دُنْيًا وَأُخْرَى، وَنَنَالُ بِهَا مِنْ رَبِّنَا عَظِيمَ الجَزَاءِ.

ثُمْ لْتَعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِالحَثِّ عَلَى مَا يُقَوِّي المَحَبَّةَ بَينَ المُؤْمِنِينَ، وَبِالتَّحْذِيرِ مِمَّا يُوقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ وَالفُرْقَةَ بَيْنَهُمْ.

وَإِنَّ مِمَّا يُقَوِي الرَّوَابِطَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ: أَدَاءُ الحُقُوقِ الوَاجِبَةِ بَيْنَهُمْ؛ وَمِنْهَا مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ؛ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ( أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ...) الخ. وَيَقَوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) [رواه مسلم]

وَيَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُـرُبَاتِ يَـوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَـرَ مُسْلِمًا سَتَـرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [رواه البخاري]

وَمِمَّا يُقَوِي المَحَبَّةَ: الإِصْلَاحُ بَينَ النَّاسِ  وَالتَّسَامُحُ بَيْنَهُمْ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْ زَلَّاتِهِمْ؛ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: مَنْ صَدَقَ فِي أُخُوَّةِ أَخِيهِ؛ قَبِلَ عِلَلَهُ، وَسَدَّ خَلَلَهُ وَغَفَرَ زَلَّتَهُ.

وَمِمَّا يُقَوِي المَحَبَّةَ: الإِيثَارُ، وبَذْلُ الهَدِيَّةِ، وَقَبُولُهَا  وَالمُكَافَأَةُ عَلَيْهَا.

وَمِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِ الأُخُوَّةِ وَمِمَّا يُقَوِّيهَا: دُعَاءُ المُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ ) [رواه مسلم ]

وَمِمَّا يُقَوِّي المَحَبَّةَ: إِخْبَارُ أَخِيكَ بِمَحَبَّتِكَ لَهُ؛ وَكَذَا دِلَالَتُهُ عَلَى الخَيْرِ، وَكَفُّهُ عَنِ الشَّرِّ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَكَمَا جَاءَ الشَّرْعُ بِمَا يُقَوِّي المَحَبَّةَ بَينَ المُؤْمِنِينَ؛ فَقَدْ جَاءَ بِالتَّحْذِيرِ مِمَّا يُوقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ وَالفُرْقَةَ بَيْنَهُمْ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )

وَمِنْ ذَلِكَ: الكِبْرُ وَالتَّعَالِي عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارُهُمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، وَالتَّجَسُسِ وَإِفْشَاءُ الأَسْرَارِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الِانْتِقَادُ لِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ: كَثْرَةُ المِرَاءِ وَالجِدَالِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: كَثْرَةُ المِزَاحِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا جَمِيعًا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنَّا سَيِّئَهَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُتَحَابِّين بِجَلَالِكَ، وَأَظِلَّنَا فِي ظِلِّكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1723101801_المحبة في الله.pdf

1723101815_المحبة في الله.docx

المشاهدات 190 | التعليقات 0