المحافظة على الممتلكات العامة
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قَسَمَ النِّعَمَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا فِي الأَقْدَارِ وَالقِيَمِ، سبحانه جَعَلَ الأَرضَ مَهْدًا وَقَرَارًا، وَسَلَكَ فِيهَا لِلْبَشَرِ مَنَافِعَ وَخَيْرَاتٍ وَثِمَارًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الإله المعبود صاحب العطاء، والفضل والجود. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن الشعوب والأمم والدول لتعتز وتفتخر بمنجزاتها ومكتسباتها في مختلف جوانب الحياة، بل وتسعى جاهدة إلى تربية وتوجيه أبنائها للحفاظ عليها، ورعايتها وتنميتها وتطويرها، حتى يستمر عطاؤها، وتستفيد منها الأجيال بعد الأجيال.
ففي بلادنا الطيبة تلك المستشفيات والمدارس والجامعات، والحدائق والملاعب، والمصانع والمؤسسات والوزارات، والثروات، والجسور والشوارع والطرقات، والكهرباء والمياه، وغيرها؛ ممتلكات ومكتسبات عامة ليست ملك لأحد، بل هي ملك لجميع أفراد المجتمع، فكان الحفاظ عليها مسئولية الجميع، وهي من المال العام الذي ينبغي الحفاظ عليه، ويعتبر الاعتداء عليه بأي وسيلة أو طريقة نوع من الإفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل. ويقول عليه الصلاة والسلام (إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة).
فالمال العام حرمته كبيرة، وحمايته عظيمة؛ بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته، وحرمة أخذه والتفريط فيه.
عباد الله ... إن من ينظر إلى كثير من الممتلكات العامة يجد الإهمال والتسيب والاعتداء واضحاً على معالمها؛ فكثير من الناس لا يحافظون على نظافتها ولا أدواتها، ولا الطرق الصحيحة للاستفادة منها، ولا يقومون بإصلاح ما تلف أو تعطل منها، أو رفع ذلك إلى الجهات المسئولة عنها. وقد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني والحدائق، وأثاث المدارس بصورة متعمدة. ويتخذ التخريب صوراً متعددة كتشويه منظرها بالكتابة عليها، أو كسر النوافذ الزجاجية منها، أو إتلاف الأشجار.
وقد يقوم بعض العاملين والموظفين ومن يدير هذه المؤسسات والممتلكات العامة، بصور من الاعتداء، تظهر في عدة جوانب كالأخذ والاختلاس من هذه الممتلكات العامة، والاستفادة منها دون وجه حق، وقد حذر الدين من هذا الأمر؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) يعني: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك راتبًا، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غلول، والغلول هو الخيانة والاختلاس من أموال المسلمين، وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم (كلا، والذي نفسي بيده، إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة غلها) إن اختلاسه وأخذه من المال العام؛ هذا الشيء اليسير قبل أن يوزع على المسلمين مع جهاده وشرف صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشفع له عند الله؛ فكيف بمن يعبث ويسرق ويختلس الأموال والعقار. ألا يخاف الله!!
قال تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)
عباد الله: نجد الإهمال في هذه المؤسسات والممتلكات العامة صورة بارزة من صور الاعتداء عليها؛ فأدواتها وأجهزتها، وأثاثها ووثائقها، وأموالها ومصالح الناس فيها؛ قد تتعرض للإهمال واللامبالاة؛ فتضيع حقوق، وتهدر أموال، وتتعطل مصالح، فليتق الله كل موظف ومسئول في أموال المسلمين وممتلكاتهم.
إنها الأمانة والشعور بالمسئولية تجاه الحقوق والممتلكات العامة للمجتمع المسلم
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل خير، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. لنحافظ على هذه الممتلكات وهذه المنجزات والمكتسبات؛ ولنربي أبناءنا على الكسب الطيب، والعفاف والورع، ولنشكر المولى سبحانه وتعالى عليها، فبالشكر تزيد النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
ولنؤدي الأمانة كما يجب، ولنحذر من التسابق والتهافت على المال العام حتى لا نتعرض لسخط الله وعقوبته، ولنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر. فما فسدت القيم، وساءت الأخلاق، وسفكت الدماء، وتجرأ المسلم على أخيه المسلم إلا بسبب التنافس على الدنيا وأموالها بالباطل، ونسيان الآخرة بما فيها من أجر وثواب وحساب وعقاب.
وليسع المسلم لئن تكون حياته قائمة على الحلال ليكتب له القبول في الأرض والسماء، وتكتب له النجاة يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب لذلك!!)
أسأل الله العلي العظيم أن يطيب كسبنا، وأن يصلح نياتنا، وأن يرزقنا وإياكم تقواه وخشيته ظاهراً وباطناً، إنه سميع قريب مجيب.