المحافظة على المال العام..
أحمد بن عبدالله الحزيمي
المحافظة على المال العام
حَمْدًا للهِ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى فَضْلِهِ وَآلائِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلّا اللهُ هُوَ مَعْبُودُنَا لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ومُصطَفَاهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيابًا مِنَ التُّقَى ***** تَجَرَّدَ عُرْيَانَا وَلَوْ كَانَ كَاسِيًا
وخَيرُ لِبَاسِ الْمَرْءِ طَاعَةِ رَبِّهِ ***** وَلَا خَيْرَ فِي مَنْ كَانَ للهِ عَاصِيًا
فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيا تَدُومُ لِأَهلِهَا ***** لَكَانَ رَسُولُ اللهِ حَيَّا وَباقِيًا
وَلَكِنَّهَا تَفْنَى وَيَفْنَى نَعِيمُهَا ***** وَتَبْقَى الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي كَمَا هِيَا
أيها المؤمنون:
يُحَدِّثُ أَبُو هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَيقولُ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِلَّا الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالمَتَاعَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمًا، يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي القُرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي القُرَى، بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ: شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
أيها المسلمونَ: الأمانةُ هِيَ الفَريضةُ التي يَتواصَى المسلمونَ برعَايتِهَا, ويَستعِينُونَ باللهِ على حفظِهَا, وهي في نَظَرِ الشرعِ صِفةٌ واسعةُ الدَّلاَلةِ، هي بإِيجَازٍ: شُعُورُ الْمَرْءِ بمسْئُولِيتِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُوَكَلُ إِلَيْهِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْصِرُونَ فَهْمَ الْأمَانَةِ فِي أَضْيَقِ مَعَانِيهَا، وَهُوَ حَفْظُ الْوَدَائِعِ، مَعَ أنَّ حَقِيقَتَهَا فِي دِينِ اللَّهِ أَضْخَمُ وَأَجَلُّ.
وَمِنْ مَعَانِي الْأمَانَةِ أَنْ يَحْرِصَ الْمَرْءُ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبهِ كَامِلاً فِي الْعَمَلِ الْمَنُوطِ، وَأَنْ يُحْسِنَ فِيهِ تمَامَ الْإحْسَانِ, وَيَجْتَهِدَ عَلَى حُقوقِ النَّاسِ الَّتِي وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وَالِيًا عَلَى شَيْء خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ, فَهُوَ أَمينٌ عَلَيهِ يَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأمَانَةَ فِيهِ.
وقَد شَدَّدَ الإسلامُ في ضَرورةِ التَّعفُّفِ عن استغلالِ المنصِبِ، وشَدَّدَ في رَفضِ المَكاسِبِ المشبُوهةِ؛ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، رواه مُسلمٌ.
وعلى عِظَمِ قَدرِ الجِهادِ في الشريعةِ، ورِفعةِ مَنزِلَةِ المجاهِدِينَ عندَ اللهِ تعالى، حتى جَاءَ في الحَديثِ أنَّ الجهادَ أفضلُ الأعمالِ عند اللهِ تعالى، ومَع ذلكَ فإنَّ مَنْ غَلَّ شيئًا مِن المغَانِمِ, فإنَّهُ مُتَوَعَّدٌ بالعذابِ في قبرِهِ، وقد أخبرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن عَدَدٍ مِمَّن غَلُّوا في زَمَنِهِ أنَّهُم يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ بِمَا غَلَّتْ أَيدِيهِمْ، ولو كانَ ما غَلُّوهُ قليلاً , كعَبَاءَةٍ يلْبَسُهَا أحَدُهُم، أو كِسَاءٍ يَكتَسِيهِ، أو شَملَةٍ يَتَّزِرُهَا، أو سَيْرٍ يجْعَلُهَا في نَعْلِهِ؛
أيها المباركون:
يُصَوِّرُ لنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشهداً فَضِيعاً لهؤلاءِ المجرمينَ، وهُم يَحمِلُونَ سَرِقَاتِهِمْ على ظُهُورِهِمْ، وتَتَعَلَّقُ في رقابِهِمْ, فَيُفْتَضَحُ أَمْرُهُمْ، وتُنَكَّسُ رُؤوسُهُم، ويُنَاَدَى عليهِمْ بالخِزْيِ والوَيلِ والثُّبُورِ, روى الإمامُ البخاريُّ ومسلمٌ عَن أبي هُريرةَ قالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، فقَالَ: "لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ".
معاشر المتقين:
والخلفاءُ الراشدونَ والسلفُ الصالحُ كانوا قُدوةً طيِّبةً في التعفُّفِ عن الأموالِ العامَّةِ، التي هيَ حقُّ المسلمينَ جميعًا، فكانوا لا يَأخُذونَ من بيتِ المالِ إلاَّ حَاجَتَهُمُ الضَّروريَّةَ؛ فهذا أَبو بَكرٍ الصدِّيقُ لَما بُويِعَ بالخلافةِ حَدَّدَ له الصَّحابةُ رَاتِبَهُ من بَيتِ المالِ، ثُم سَلَّمُوهُ لِقْحَةً -يعني نَاقةً ذَاتَ لَبنٍ-، وجَفْنَةً: يعني -وِعَاءً يُوضَعُ فيه الطعامُ-، وقَطِيفَةً -يعني تُلبَسُ ويُلَفُّ فيها مِنَ البَرْدِ-، هذِه عِدَّةُ ومقتنيات قَصْرِ الحَاكِمِ, خَليفةِ رسولِ اللهِ، فلما حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. أَمَرَ بِرَدِّهَا.
ولما استولَى سَعدُ بنُ أبى وَقَّاصٍ على كُنُوزِ كِسرَى وذَخائِرِهِ وملابِسِهِ وجميعِ نَفائِسِ الْمُلكِ التي ظَلَّ الأكَاسرةُ يجمعُونَهَا قُرُونًا من سَائرِ أنحاءِ العَالَمِ أرسَلَ بهَا سعدٌ كَامِلةً إلى الخليفةِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه، فلمَّا رآهَا عُمرُ وقَلَّبَهَا بيدِه قالَ مُتعَجِّبَا: "إِنَّ قَوْمًا أَدَّوْا هَذَا لَأُمَنَاءُ"، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتْ رَعِيَّتُكَ، وَلَوْ رَتَعْتَ لَرَتَعَتْ".
ورَحِمَ اللهُ عمرَ بنَ عبدِالعزيزِ سَلِيلَ الأماجِدِ الطاهرينَ، الذي كانَ يَنظرُ في أُمورِ الرعيَّةِ على ضَوءِ مِصْباحٍ في بيتِهِ، فلمَّا انتهَى وبَدأ النظرَ في أمورِهِ الخاصَّةِ، أطْفَأَ المصباحَ؛ حتى لا يَستعمِلَ مَالَ المسلمينَ في غيرِ مَا هو لِعامَّةِ المسلمينَ.
عبادَ اللهِ:
وأنواعُ وصورُ الاعتِداءِ على المالِ العَامِّ كثيرةٌ, يَجمَعُهَا جَامعٌ واحِدٌ. هو التَّلاعُبُ والخيانةُ، وخرابُ الذِّمَمِ؛ والتضحيةُ بالمصلحةِ العامةِ للأَنَانِيَةِ الرخيصةِ؛ فالسَّرِقاتُ والرِّشوةُ والغُلُولُ, والغشُّ وخيانةُ الأمانةِ والاختلاسُ، واستيلاءُ الموظَّفِ على ما في يَدَيْهِ من أموالٍ نقديَّةٍ دونَ سَنَدٍ نظامي، وكذا التهرُّبُ من سَدادِ القُروضِ، وسَرقةُ الكهرباءِ، وعَدمُ إتقانِ العملِ، وإضاعةُ الوقتِ, والتأخُّرُ عن الدَوَامِ الوظيفيِّ أو الخروجُ قبل انتهاءِ وقتِهِ, والتربُّحُ من الوظيفةِ، والتَّكسُّبُ من تَرْسِيَة المنَاقَصَاتِ، واستخدامُ الممتلكاتِ الخاصةِ بالعملِ استخدامًا شخصيًّا كالحاسبِ الآليِّ والسيارةِ والجوالِ وأدواتِ الكتابةِ، كُلُّهَا مُحرَّمَةٌ مهما كانتِ الْمُبَرِّرَاتُ.
أيها المؤمنونَ:
إنَّ التعدِّيَ على المالِ العامِّ بمثلِ هذه الصُوَرِ -التى أشرنا إلى بعضِهَا- يَفُوقُ فى إِثمِهِ وذنبِهِ التَّعَدِّيَ على المالِ الخاصِّ؛ لأنَّ المتعديَ على المالِ العامِ, يَسرِقُ الأمَّةَ بكامِلِهَا، وتَعلَّقَ برقبَتِهِ حُقوقٌ لكلِّ فَردٍ فيها، لكثرةِ الحقوقِ المتعَلِّقةِ بهِ، وتَعَدُّدِ الذِّمَمِ المالكةِ لَه, فهلاَّ وَضعَ المرْءُ نفسَهُ فى مثلِ هذا الموقفِ، وتَأَمَّلَ كيفَ يُمكِنُهُ الخَلاَصُ بينَ يَدَيِ اللهِ, إذا أَحاطَ بهِ العِبادُ مِن كُلِّ جَانِبٍ يُطالِبُونَهُ بحقُوقِهِمْ، ويخَاصِمُونَهُ بين يَدَيْ خَالِقِهِمْ.
أخي المسلمُ: هِي أموالُ المسلمينَ، إنْ أَخْذَتَ مِنها هَللةً واحِدَةً, صارتْ ذِمَّتُكَ مُعلَّقةٌ بالمسلمينَ جميعًا. وقد أَشارَ إلى ذلك العلامة ابنُ عثيمينَ رحمهُ فقال : إنَّ بعض الناس يقول: بيتَ المالِ حَلالٌ، اكذبْ على الدولةِ، اسْرقْ من العَملِ، اعْملْ مَا شِئتَ، فليسَ هذا حَراماً؛ والسببُ أنَّه بيتُ مالِ المسلمينَ، فنقولُ: بيتُ مالِ المسلمينَ أعظمُ مِن مِلْكِ واحدٍ مُعيَّنٍ؛ وذلكَ لأنَّ سَرِقتَهُ خيانةٌ لكلِّ مُسلِمٍ، بخلافِ سَرقَةِ أو خِيَانةِ رجلٍ مُعينٍ؛ فإنَّه بإمكانِكَ أن تَتَحَلَّلَ مِنهُ وتَسلَمَ". أهـ
اللهمَّ اكْفِنَا بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنَا بفضلِكَ عمن سِواكَ، يا ذا الفضلِ العظيمِ.
باركَ اللهُ لي ولكم.................
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فيأيها المسلمونَ: إنَّ بعضَ الناسِ عندما يَختلِسُ مِن أموالِ الدولةِ يَحْتَجُّ بحُجَجٍ واهيةٍ, فهو يقولُ: ما أخذتُ إلا شيئاً تَافهًا، وإنَّ آخرينَ قَد تَفَوَّقُوا عَليَّ بمراحلَ في النهبِ والسرقَةِ. أو أنه يَأخذُ من المالِ العامِّ لا على سبيلِ قصدِ السرقةِ والغُلُولِ, ولكن على سَبيلِ التساهلِ, وعدمِ الالتفاتِ إلى القَضِيةِ على اعتبارِ أنَّها من المحقِّراتِ؛ وهذا نقولُ له: انْتبهْ أيها المسكينُ, لا بدَّ من الْحَيْطَةِ والحَذَرِ، قبلَ أنْ تُفَاجَأْ في ذلكَ اليومِ العظيمِ بتكَاثُرِ تلكَ الْمُحَقِّرَاتِ على رَقبَتِكَ, فَيَطُولُ حسَابُكَ, وقد تَعْظُمُ النَّدامَةُ ويتمَنَّى المرءُ في تلكَ اللحظَاتِ أنْ لَو دَفَعَ مَالَهُ كلَّهُ ولا يَقِفَ ذلكَ الموقفَ الْمُخْزِي.
عبادَ اللهِ: إنَّ مِن أعظمِ ما يَردَعُ المسلمَ عن أخذِ مَا لا يَحِلُّ, أن يُرَبِّيَ نفسَه على مراقبةِ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ، والخشيةِ منهُ، ولْتَذْكُرْ دَائماً: "فإنْ لَم تَكُن تَراهُ فإنَّه يَراكَ" فإذَا كانَ لا يراكَ أحدٌ، وأنتَ تَسرقُ أو تَغُشُّ أو تَهدِرُ أموالَ الأمةِ في مَلذَّاتِكِ، وتَكنِزُهَا في حساباتِكَ, فإنَّ ربَّ الناسِ يَراكَ وسيَفضَحُ أَمرَكَ, ويَكشِفُ سِتْرَكَ؛ إما في الدنيا, أو في يوم شديد هوله, عظيم أمره, لأنكَ لَم تَحفَظِ الأمانةَ، ولَم تُقَدِّرِ المسئوليةَ التي أُوكِلَتْ إليكَ؛ ولذا فإنَّ تَربيةَ الضميرِ على مراقبةِ اللهِ، ومشاهَدَتِه في السرِّ والعَلنِ, هو الحَاجِزُ مِن كلِّ خِيانةٍ، والضامنُ مِن وَسَاوسِ الشيطانِ وضعفِ النفسِ, عن مُقاومةِ سِحرِ المالِ وجَاذِبِيَّتِهِ.
أيها الكرام: والواجبُ على مَن أخَذَ شيئاً من مَالِ الدولةِ, أنْ يتوبَ إلى اللهِ تعالى قبلَ أن يَلقَاهُ, وأنْ يَرُدَّ ما أخَذَ إلى خزينةِ الدولةِ, ولو سبَّبَ ذلك حَرَجًا له. وهذا الردُّ مِن تَمامِ التوبةِ، فإنَّه يُشتَرطُ لصحةِ التوبةِ, رَدُّ المظالِمِ والحُقوقِ إلى أهلِهَا، مع الندَمِ والاستغفارِ، والعَزْمِ على عَدمِ العودِ لذلكَ....
أسألُ اللهَ العليَّ العظيمَ أن يُطَيِّبَ كسبَنَا، وأن يُصلِحَ نِياتِنَا، وأنْ يرزُقَنَا الرزقَ الحلالَ ويباركْ لنَا فيهِ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.
هذا وصلوا وسلموا
المرفقات
على-المال-العام
على-المال-العام