المُتَّقُونَ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ طَوَائِفَ العَالَمِ الثَّلَاثَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ؛ المُؤْمِنِينَ وَالكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ؛ فَذَكَرَ فِي المُؤْمِنِينَ أَرْبَعَ آيَاتٍ، وَفِي الكُفَّارِ آيَتَينِ، وَفِي المُنَافِقِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً... الخ.
وَحَدِيثُ اليَومِ ـ وَفَّقَكُمُ اللهُ ـ عَنِ الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي المُؤْمِنِينَ، وَبَيَّنَ فِيْهَا جُمْلَةً مِنْ أَوْصَافِهِمْ؛ نَتَدَارَسُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، وَنَتَوَاصَى بِهِ، وَنَجْتَهِدُ فِي الِاتِّصَافِ بِهِ.
أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: { الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } البقرة 1- 5
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أُولَئِكَ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالهُدَى وَالفَلَاحِ.
يَقُولُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَاتِ: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَخُصَّتِ الْهِدَايَةُ للمتَّقين. كَمَا قَالَ: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } فُصِّلَتْ 44 .
{ وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } الْإِسْرَاءِ 82
وَيَقُولُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَكِنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ المُؤمِنِينَ، وَوَقْرٌ فِي آذَانِ المُكَذِّبِينِ، وَعَمًى لِأَبْصَارِ الجَاحِدِينَ، وَحُجَّةٌ للهِ بِالِغَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ. فَالمُؤمِنُ بِهِ مُهْتَدٍ، وَالكَافِرُ بِهِ مَحْجُوجٌ. أ هـ .
عِبَادَ اللهِ: تَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ هَيِ: اتِّخَاذُ مَا يَقِي مِنْ سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ، بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ.
تَقْوَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ تَخْشَى عِقَابَ اللهِ.
أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ، أَلَا فَلْنَسْعَ فِي تَحْقِيقِ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْنَتَزَوَّدْ مِنَ التَّقْوَى؛ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ التَّقْوَى جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، فِيْهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالأُخْرَى، فِيْهَا الهِدَايَةُ وَالعِلْمُ، وَالِانْتِفَاعُ العَظِيمُ بَالآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالكَوْنِيَّةِ.
فِيهَا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، وَالفَوزُ بِالجَنَّةِ، وَسُكَنْى المَنَازِلِ العَالِيَةِ فِيْهَا: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ }القمر54- 55 { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } الطور 17 – 20 { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ، كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيـمُ } الدخان 51 – 57 { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } المرسلات 41 – 44 { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا، وَكَأْسًا دِهَاقًا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا، جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا } النبأ 31 - 36{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } الرعد 35
{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } محمد 15 - 18
{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا } مريم 63
{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } ق 31 – 35
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ.
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ.
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ: فَـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الحشر 18
عِبَادَ اللهِ: الْزَمُوا تَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } البقرة 194 وَأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ تَعَالَى وَلِيُّ المُتَّقِينَ.
الْزَمُوا تَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَفِيهَا الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ؛ فِيهَا تَنْفِيسُ الكُرُوبِ، وَتَفْرِيجُ الهُمُومِ، وَتَيْسِيرُ الأُمُور، وَسَعَةُ الرِّزْقِ، وَمَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ: { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }الطلاق 2ـ 3{ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } الطلاق 4{ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }الطلاق 5
الْزَمُوا عِبَادَ اللهِ تَقْوَى اللهِ؛ فَاتَّقُوهُ تَعَالَى فِي أَنْفُسِكُمْ، اِتَّقُوهُ فِي أَقْوَالِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ، اِتَّقُوهُ فِي سِرِّكُمْ وَجَهْرِكُمْ، وَمَا تَأْتُونَ وَمَا تَذَرُونَ، اِتَّقُوهُ فِي أَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ، اِتَّقُوهُ فِي أَسْمَاعِكُمْ وَأَبْصَارِكُمْ، اِتَّقُوهُ فِي عِبَادَاتِكُمْ وَمُعَامَلَاتِكُمْ، اِتَّقُوهُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكُمْ.
ثُمَّ صَلُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.