🌟المتعففون والمتسولون🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/08/15 - 2025/02/14 00:05AM

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، ونَعَوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وسَيّئَاتِ أعمالِنَا؛ مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشهَدُ أَن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه؛ وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْهُ، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْخَيرِ والثَّوَابِ، والنَّجَاةِ مِن الشَّرِّ والعِقَابِ! قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

عِبَادَ الله: إنَّهم صِنْفٌ عجيبٌ مِنَ الفُقَرَاءِ والمُحتَاجِين؛ فَهُمْ يَسْتُرونَحاجَتَهُم، كما يَسْتُرُ أَحَدُنَا عَوْرَتَه! إنَّهُمُ المُتَعَفِّفُونَ عَنْ سُؤَالِ الناس، وطَلَبِ ما في أَيْدِيهِم.

ويَكفِي المُتَعَفِّفُ شَرَفًا؛ أنَّ اللهَ نَوَّهَ بِعِفَّتِه، معَ غَفْلَةِ الناسِ عنه! قال ﷻ: ﴿يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً﴾.

قال ﷺ: (لَيْسَ المسكينُ الذي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ،والأَكْلَةُ والأَكْلَتَانِ، ولَكِنَّ المسكينَ: المتعفِّفُ الذي لا يَسْأَلُ الناسَ شيئًا، ولا يَفْطِنُونَ بِهِ فَيُعْطُوْنَه!).

والتَّعَفُّفُ عَن أَموالِ النَّاسِ: سَبَبٌ لِكَسْبِ مَوَدَّتِهِم، والسلامةِ مِنْمَقْتِهم!

قال ﷺ: (اِزْهَدْ فِيما في أَيْدِي الناسِ؛ يُحبَّكَ الناسُ). قال ابنُعبدِ البَرّ: (في هذا: نَهْيٌ عَنِ السُّؤَالِ، وأَمْرٌ بِالقَنَاعَةِ والصَّبْرِ).وقال شيخُ الإسلام: (أَعْظَمُ مَا يَكُونُ العَبْدُ قَدْرًا وحُرْمَةً عِنْدَ الخَلْقِ: إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِم، ومَتَى احْتَجْتَ إلَيْهِمْ -ولَوْ في شَرْبَةِ مَاءٍ- نَقَصَ قَدْرُكَ عِنْدَهُمْ!).

وقَبِيْحٌ بالعَبدِ المُريد: أنْ يَتَعَرَّضَ لِسُؤَالِ العَبِيد، وهُوَ يَجِدُ عِندَمَوْلَاهُ كُلَّ ما يُرِيدُ!

اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ  

وبَنِيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

ومِنْ فوائِدِ التَّعَفُّفِ: حِفْظُ مَاءِ الوَجْهِ مِنَ الإِرَاقَةِ والمَهَانَةِ! قالﷺ: (لا تَزالُ المَسْأَلَةُ بأَحَدِكُمْ حتَّى يَلْقَى اللهَ، ولَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لحْمٍ). قال ابنُ القَيِّم: (المَسأَلَةُ في الأَصلِ حَرَامٌ،وإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلْحَاجَةِ والضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا ظُلْمٌ في حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وفي حَقِّ المَسْؤولِ، وفي حَقِّ السَّائِلِ).

ومِنْ فَوَائِدِ التَّعَفُّفِ: قَطْعُ المِنَّةِ، وعُلُوُّ الهِمَّة، وأمَّا إذا مَدَّ يَدَهُ للمَسْؤُول؛ فَقَدْ صَارَ أَسِيرًا له! قال ﷺ: (اليَدُ العُلْيَا: خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى)، قال ابنُ بَطَّال: (وفِيهِ نَدْبٌ إلى التَّعَفُّفِ عَنِ المَسْأَلَةِ، وحَضٌّ على مَعَالِي الأُمُور). قال ابنُ تيميّة: (كُلَّمَا قَوِيَ طَمَعُ العَبدِ في فَضْلِ اللهِ: قَوِيَتْ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ، وحُرِّيَّتُهُ مِمَّا سِوَاهُ: كَمَا أَنَّ طَمَعَ العَبْدِ في المَخْلُوقِ يُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ لَهُ؛ كَمَا قِيلَ: "اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ، وأَحْسِنْ إلى مَنْ شِئْت تَكُنْ أَمِيرَهُ؛ وَاحْتَجْ إلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ").

ومِنْ فَوَائِدِ التَّعَفُّفِ: تَحْقِيقُ المَطلُوبِ في الدُّنيا والآخِرَة! فَإِنَّمَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِاللهِ؛ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عاجِلٍ أو آجِل؛ قال ﷺ: (مَنْ يَتَقَبَّلُ لي بِوَاحِدَةٍ، وأَتَقَبَّلُ لَهُ بالجنَّةِ؟)فقال ثوبانُ t: (أنا)، قال ﷺ: (لا تَسْأَلِ النَّاسَ شيئًا)؛ فَكانَ ثَوبانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وهُوَ رَاكِبٌ، فلا يقولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ، حتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ!

ومِمَّا يُعِينُ على التَّعَفُّفِ: الصَّبْرُ والقَنَاعَة؛ قال ﷺ: (مَنْيَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، ومَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ).

ومِمَّا يُعِينُ على تَرْكِ المَسأَلَةِ: الجِدُّ والعَمَل، وتَرْكُ البَطَالَةِ والكَسَلِ:فَاحْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللهِ ولا تَعْجَزْ! قال ﷺ: (والذي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ على ظَهْرِهِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِن أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ).

قال ابنُ حَجَر: (فِيهِ الحَضُّ على التَّعَفُّفِ عَنِ المَسْأَلَةِ والتَّنَزُّهِ عَنْهَا، ولَوِ امْتَهَنَ المَرْءُ نَفْسَهُ في طَلَبِ الرِّزْقِ، ولَوْلَا قُبْحُ المَسْأَلَةِ؛ لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا).  

ومِنْ أَسبَابِ التَّعَفُّفِ عَنِ السُؤَال: مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَشْحَذُهُ، فَهُوَ شَحَّاذٌ مِثْلُكُ! ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾.

ومِمَّا يُعِينُ على التَّعَفُّفِ: التَّوَجُّهُ إلى اللهِ بالدُّعَاء؛ فَإِنَّ مِنْ دُعاءِ النبيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، والعَفَافَوالغِنَى). قال النووي: (العَفَافُ: هُوَ التَّنَزُّهُ عَمَّا لا يُبَاح.والغِنَى هُنَا: الِاسْتِغْنَاء عَنِ النَّاسِ، وعَمَّا في أَيْدِيهِم).

أَقُوْلُ قَولِي هذا، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكرُ لَهُ على تَوفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ يَنْبَغِي على المُسلِمِ أنْ يَتَحَرَّى المُحْتَاجِينَالصادِقِين؛ قال عُلَمَاءُ اللَّجْنَةِ الدائمةِ للإفتاء: (إذا غَلَبَ على الظَنِّ أَنَّ السائلَ مِنْ أَهْلِ الزكاة: أُعْطِيَ مِنْهَا، وإِلَّا فَلَا؛ لَكِنْإذا ادَّعَى السائلُ الفقرَ، وأنتَ لا تَعْلَمُ حالَهُ؛ فلا بأسَبِإِعْطَائِهِ مِنَ الزكاةِ، إِلَّا أنْ يكونَ قَوِيًّا؛ فَقُلْ لَهُ كما قالﷺ لِمَنْ سَأَلَاهُ الزكاةَ، وقَدْ رَآهُمَا جَلْدَيْنِ -أي نَشِيْطَيْنِقَوِيَّيْنِ-: "إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا؛ ولا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ، ولا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِب").

والتَّسَوُّلُ مِنَ النَّاسِ بِلا حَاجَةٍ؛ ذُلٌّ في غَيرِ مَوْضِعِه؛ فَإِنَّ كُلَّخَيْرٍ بِيَدِ الله، لَا بِيَدِ العَبْد. ومِفْتَاحُ الخَيْرِ: هُوَ الدُّعَاءُوالاِفْتِقَار، فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ خَالِقِهَا الَّذِي لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا هُوَ!قال ابنُ رَجَب: (اِعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ اللهِ دُوْنَ خَلْقِه؛ هُوَ المُتَعيِّنُعَقْلًا وشَرْعًا؛ وذَلِكَ أَنَّ سُؤَالَ اللهِ عُبُوْدِيَّةٌ عَظِيْمَة؛ لِأَنَّهَا إِظْهَارٌ لِلْاِفْتِقَارِ إِلَيْهِ، وفي سُؤَالِ المَخْلُوْقِ ظُلْم؛ لِأَنَّهُعَاجِزٌ عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ لِنَفْسِهِ؛ فَكَيْفَ يَقْدِرُ على ذَلِكَلِغَيْرِه؟!). قال U: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾.

**********

* اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى، واكْفِنِا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

* اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أَغْنَى خَلْقِكَ بِك، وأَفْقَرَ عِبَادِكَ إِلَيْك، وأَغْنِنَا بِالاِفْتِقَارِ إِلَيْك، ولَا تُفْقِرْنَا بِالاِسْتِغْنَاءِ عَنْك.

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكرُوبِين، واقْضِ الدَّينَ عَنِالمَدِينِين، واشْفِ مَرضَى المسلمين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصلِحْ أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّقْ (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلبِرِّ والتَّقوَى.

* اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنتَ، أَنتَ الغَنِيُّ ونَحنُ الفُقَراء؛ أَنْزِلْعَلَينَا الغَيثَ، ولا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِين.

* اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

المرفقات

1739480712_‏‏المتعففون والمتسولون (نسخة مختصرة).pdf

1739480712_المتعففون والمتسولون.pdf

1739480712_المتعففون والمتسولون (نسخة للطباعة).pdf

1739480713_‎⁨‏‏المتعففون والمتسولون (وورد)⁩.docx

المشاهدات 545 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا