المبادرة في الأيام الفاضلة ..

د محمد بن حمد الهاجري
1444/12/05 - 2023/06/23 09:35AM

أيها المسلمون : عظم الله تعالى هذه الأيام العشر في القرآن ، قال تعالى : ((  وَالْفَجْرِ ،، وَلَيَالٍ عَشْرٍ )) الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ , فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ, وَالتَّكْبِيرِ, وَالتَّحْمِيدِ ))
عباد الله : ها نحن في اليوم الخامس من هذه العشر المباركات ، ومقبلون فيها على يوم فاضل عظيم هو يوم عرفة التاسع من هذا الشهر ، من أفضل أيام السنة ، أكمل الله فيه الملة وأتم به النعمة ، قال تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ))
إنه يوم عرفة ، إنه يوم الركن الأكبر لِحجِّ الحجاج ويوم تكفير السيئات والعتق من النار ، يوم يجتمع فيه الحجاج على صعيد عرفة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَجُّ عَرَفَةُ )) ، خصه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم ، يوم عرفة يجتمع فيه الحجيج ، لتعظيم الله وذكره ودعائه وشكره ، فحري أن نتقرب إلى الله بالطاعات والاعمال الصالحات في هذا اليوم المبارك الكريم يوم عرفة أولا بصيامه ، وصيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، لما في صيامه من الفضل العظيم ، يكفر الله فيه السيئات ويرفع به الدرجات  ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )) 
ألا إن يومَ الثلاثاءِ القادمِ يومٌ مشهودٌ، فإن ربَنا –سبحانَه- يَفعلُ فيهِ ثلاثةَ أفعالٍ لا تكونُ إلا فيهِ: يُعتِقُ ويَدنُو ويُباهِيْ.
فاستشعِرْ عصرَ ذلكَ اليومِ أَنَّ الرَّبَّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَدْنُو مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُبَاهِيْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. يَغفرُ لمنْ شاءَ لا يُباليْ. وَتَحْصُلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنْهُمْ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا يَرُدُّ فِيهَا سَائِلًا يَسْأَلُ خَيْرًا.
فيا مَن سيَشهَدُ عرفةَ صائماً: إنكَ ستدعُو رَباً بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفِرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِنْ ظنَك بربِك؛ ولا تَظُنَ بربِكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لكَ خطأَكَ. فأبشِرْ، ولا تتحجَّرْ عنْ نفسِكَ، ولا عنِ الناسِ من رحمةِ اللهِ واسعاً.
فلنتأهَبْ ولنتفرغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ليسَ صومًا فحَسْب، بلْ دعاءً وبكاءً وجؤارًا، وذِكرًا وافتقارًا.
انثُرْحاجاتِكَ وشكواكَ بين يدَيْ مَن لا يَمَلُ من سؤالِكَ، ولا يَغضَبُ من إلحاحِكَ وألحَّ وأنتَ مُوقنٌ بالإجابةِ؛ وخُصَّ بالدعاءِ والدَيكَ وولدَكَ وأهلَكَ ووليَ أمرِ المسلمينَ، وادعُ لأقطارِ المسلمينَ، وللمَكروبينَ والمَرضَى والموتَى منَ المسلمينَ.
 
فبادر - أخي المسلم - إلى اغتنام هذه الأيام الفاضلة المباركة بالأعمال الصالحة وكثرة الاجتهاد، فإنه ليس لما بقي من عمرك ثمن، وتب إلى الله من تضييع الأوقات، واعلم أن الحرص على العمل الصالح في هذه الأيام المباركة هو في الحقيقة مسارعةٌ إلى الخير ودليل على التقوى، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

قال الشاعر:

قطعت شهور العـام سهوًا وغفلة *** ولم تحتـرم فيـما أتيـت المحرَّمـا

فلا رجبًـا وافيـت فيـه بحقـه *** ولا صمتَ شهر الصوم شهرًا متمَّمًا
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضـى كنت قوّامًا ولا كنت محرِمًا
فهل لك أن تمحو الذنـوب بعبرة *** وتبكـي عليهـا حسرةً و تندُّمـا
وتستقبل العـام الجديـد بتوبـة *** لعلك أن تَمحـو بِهـا ما تقدَّمـا
 
 
 
الخطبة 2
 
أيها المسلمون : إننا مقبلون على يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة ، ومما يتقرب به المسلمون في يوم العيد وأيام التشريق الأضحية ، وهي مشروعة ، وحكمها سنة مؤكدة على الموسر ، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته ، لا ينبغي للقادر عليها أن يفوت هذه الفرصة الثمينة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي كل سنة وفي صفات أضحياته صلى الله عليه وسلم ،عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»
وعلى المسلم أن يعتنيَ باختيار الأضحية ، وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها وأحسن منظرا ، فهي أحب إلى الله وأعظم لأجر صاحبها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ((وَالْأَجْرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا ))  ، وكان المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يغالون في الهدي والأضاحي ويختارون السَّمين الحسَن ، قال أبو أمامة  بْنَ سَهْلٍ : «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ» رواه البخاري معلقا ، أيها المسلمون : أن من أهم مقاصد الأضحية ، الإخلاص وتقوى الله ، قال تعالى : ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ))
ونقول لمن عجزوا عن شراء الأضحية هنيئا لكم فقد نالكم النفع  والأجر بتضحيته صلى الله عليه وسلم عمن لم يضح من أمته ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»
 
أيها المسلمون :  إن آخِر هذه العشر الفاضلة هو يوم النحر وهو يوم عيد الأضحى ،، ويأتي بعده يوم القَرِّ وهو أول أيام التشريق ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )) ، وفيها أيام التشريق ،  قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ ))
فيشرع في هذه الأيام ، التكبير المطلق ، والمقيد عقب الصلوات من فجر يوم عرفة لغير الحاج  ، وللحاج من ظهر يوم النحر ويستمر التكبير بنوعية إلى آخر أيام التشريق  ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ألله أكبر  ولله الحمد .
وأيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة .
فاتقوا الله أيُّها المؤمنون ورطِّبوُا ألْسِنَتَكُمْ في هذه الأيَّامِ الفاضلات بالذِّكرِ والتَّكبير، فهو عَمَلٌ صالحٌ، ومَكْسَبٌ راجِحٌ، وَصَاحِبُه بإذن الله مُوَفَّقٌ فَالِحٌ .. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} ..  
 
 

المشاهدات 587 | التعليقات 0