الماء سر الحياة(1)-13-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد

محمد بن سامر
1442/12/12 - 2021/07/22 05:56AM

الماء سر الحياة(1)-13-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

آياتُ اللهِ في الآفاقِ وفي الأنفسِ، وفي السماواتِ وفي الأرضِ كثيرةٌ، يـَمُرُّ عليها الناسُ وهم عنها معرضونَ، نِعَمٌ وآلاءٌ تتوجهُ إليها البصائرُ والأبصارُ، في مكنوناتِ هذا الكونِ والظواهرِ والأحوالِ، في تأملاتٍ واسعةِ الآمادِ، ممتدةٍ من المنشأِ حتى المعادِ؛ فالأرضُ فراشٌ ومِهادٌ، والسماءُ سقفٌ محفوظٌ مرفوعٌ بغيرِ عِمادٍ، ظواهرُ عجيبةٌ في تقلبِ الليلِ والنهارِ، والفلكِ الدوارِ، والرياحِ المرسلةِ، والأمواجِ الهادئةِ والهادرةِ.

سَبْحٌ عظيمٌ من التفكرِ في هذا الكونِ الواسعِ الفسيحِ، تفكرٌ وتأملٌ يـُحيِي القلوبَ، ونظرٌ وتبصرٌ يستجيشُ العقولَ، في بدائعِ صُنعِ (اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)؛ لينظرَ في آثارِ الربوبيةِ وليكونَ التوحيدُ كلُّه للهِ.

عباد الله: وهذه وقفةٌ مع نعمةٍ واحدةٍ من هذه النعمٍ، وآيةٍ كبرى من هذه الآياتِ، أنعمَ اللهُ بها على خلقِهِ، منها خلقَهم، وعليها أقامَ حياتَهم، وقَسَمَ أرزاقَهم، وهي-بإذنِ اللهِ-سِرُّ الحياةِ.

وردَ لفظُها بمشتقاتِها في كتابِ اللهِ أكثرَ من مئةٍ وستينَ مرةً؛ تنزلُ من السماءِ، وتخرجُ من الأرضِ، وتتشققُ منها الجبالُ، وتتصدعُ منها الحجارةُ، طالما تلذذَ بذكرِها الأُدباءُ، وتَغَنَّى بسلسبيلِها الشعراءُ، تصورُها يُرَطِّبُ القلوبَ، وذكرُها يَهُزُ النفوسَ، بل إنها-بإذنِ اللهِ-حياةُ الروحِ والبدنِ، إنها هذا السائلُ المباركُ الطهورُ: الماءُ، قال-سبحانه-: (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وقال: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ).

الماءُ من أعظمِ ما امتنَّ اللهُ به على عبادِه: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ*لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)، وقالَ-تعالى-: (فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ*أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا).

إنَّ ذكرَ الماءِ في كتابِ اللهِ بمفرداتِه ومكوناتِه؛ من البحارِ والأنهارِ والسحابِ، يدلُ على عِظَمِ أثرِه في حياةِ البشريةِ.

هذا السائلُ المباركُ هو أغلى ما تملكُ الإنسانيةُ لاستمرارِ حياتِها-بإذنِ اللهِ-، أدركَ ذلك الناسُ كلُّهم: كبيرُهم وصغيرُهم، عالِمُهم وجاهلُهم، حاضرُهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتِهم وتجارِبِهم وعلومِهم؛ إنْ خَفَّ كان سحابًا، وإنْ ثَقُلَ كان غيثًا ثَجَّاجًا، وإنْ سَخُنَ كان بـُخارًا، وإنْ بَرَدَ كان ندى وثلجًا وبَرَدًا.

تجري به الجداولُ والأنهارُ، وتتفجرُ منه العيونُ والآبارُ، وتختزنُه تجاويفُ الأرضِ والبحارُ: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)، وقال-تعالى-: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ).

هو ماءُ الحياةِ لكلِّ الأحياءِ على هذه الأرضِ بقدرةِ اللهِ، ماءٌ فراتٌ، وماءٌ ثجاجٌ، تـُحيون به أنفسَكم، وتَرْوون به عطشَكم، وتصنعون طعامَكم، وتُطَهِّرون أجسادَكم، وتغسلون متاعَكم، ماءٌ مباركٌ طهورٌ، يَسقي الحرثَ ويُنبِتُ الزرعَ، (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا*لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا*وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا)، وقالَ اللهُ-سبحانه-: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ*يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ماءٌ طهورٌ، أغنى اللهُ به بني آدمَ عن الحرامَ والنَجِسِ في المطعومِ والمشروبِ والدواءِ؛ فسبحانَ اللهِ!

الماءُ أصلُ المعاشِ، وسبيلُ الرزقِ، يقولُ عمرُ-رضي اللهُ عنهُ-: "أينما كانَ الماءُ كان المالُ، وأينما كانَ المالُ كانتِ الفتنةُ".

عجباً لهذا الماءِ! جعله اللهُ وسيلةً لحُسْنِ الثوابِ في الدنيا؛ قال-تعالى- (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)، وجعله وسيلةً لعقابِ المذنبينَ المكذبينَ: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)، وقال: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا).

بل إنه من أعظمِ أنواعِ النعيمِ في الجنةِ للمتقينَ؛ قال المولى-جل في علاه-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)، وقال: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ*وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ).

كما أنه في صورٍ أخرى وسيلةٌ لعذابِ أهلِ النارِ-عياذًا باللهِ من النارِ-: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً)، وقال الله-سبحانه-: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ السعيَ في حصرِ خصائصِ الماءِ ووظائفِه ومنافعِه وفوائدِه تُعْجِزُ الحاصرينَ؛ فلا شرابَ إلا بماءٍ، ولا طعامَ إلا بالماءِ، ولا دواءَ إلا بالماءِ، ولا نظافةَ إلا بالماءِ، ولا زراعةَ إلا بالماءِ، ولا صناعةَ إلا بالماءِ، لم تَنْقُصْ قيمتُه لا بِتَقَدُّمِ الإنسانيةِ ولا بتخلفِها، بل لقدْ زادتْ أهميتُه ثم زادتْ، حتى صاروا يتحدثونَ عن الأمنِ المائيِ والصراعِ على مواردِ المياهِ ومصادرِها ومنابعِها.

الماءُ هو عمادُ اقتصادِ الدولِ، ومصدُر رخائِها-بإذنِ اللهِ-؛ بتوافرِه تتقدمُ وتزدهرُ، وبنضوبِه وغورِه وشُحِ مواردِه تـَحُلُّ الكوارثُ والنكباتُ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)، (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ).

ومع إدراكِ الإنسانِ المعاصرِ لأهميةِ الماءِ إلا أنه قد وصلَ اسرافُهُ في الماءِ إلى أرقامٍ مخيفةٍ، وبخاصةٍ ما يُصرفُ في الاستحمامِ والمراحيضِ والسباحةِ، وسقيِ الحدائقِ وأمثالـِها؛ فأما المستعملُ في الشربِ والطبخِ فلا يتجاوزُ نسبةَ اثنينِ بالمئةِ (2%).

إنَّ توفيرَ المياهِ، وحمايةَ مصادرِها، ورعايةَ محطاتِ تنقيتِها أهدافٌ ساميةٌ لكلِّ دولةٍ؛ فالمساسُ والعبثُ بها وإهمالـُها يُشَكِّلُ خطرًا على أمنِها وحياةِ رعاياها.

إنَّ عقيدتَنا بربِنا-سبحانه وتعالى-، واعتمادَنا عليه كبيرٌ؛ فهو-سبحانه-يُصَرِّفُ الماءَ بين الناسِ ليذكّروا، ولكنَّ الأخذَ بالأسبابِ، والاقتداءَ بسنةِ نبينِا محمدٍ-صلى الله عليه وآله وسلم-في التوسطِ والقصدِ، والبعدِ عن الإسرافِ هو المنهجُ الحقُ، لا فضلَ للأمةِ في أنْ تُبددَ خيراتَها بيديها، ولكنَّ الفضلَ كلَّ الفضلِ أن تكونَ قويةً مسيطرةً على أمورِها، متحكمةً في نُظُمِها، حازمةً في تدبيرِ شؤونِـها.

إنَّ الأمةَ تملكُ عزَها وتحفظُ مجدَها بالحفاظِ على ثرواتـِها وموارِدها، والتحكمِ بما في يديها.

إنَّ الأمةَ إذا وقعتْ في عُسرٍ بعد يُسرٍ تجرعتْ مرارةَ الهوانِ المصحوبةِ بحسراتِ الندمِ؛ فالإسرافُ يفضي إلى الفقرِ والفاقةِ، وبالإسرافِ تـُهدرُ الثرواتُ، وتُقَوَّضُ البيوتُ، وفي عواقبِه البؤسُ والإملاقُ، يقول الله-تعالى-: (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ).

المسرفُ هِمتُه الوصولُ إلى متعتِه ولذتِه، ولا يبالي بمصيرِه ولا بمصيرِ أمتِه؛ كما حكى القرآنُ عنهم: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).

للحديثِ بقيةٌ...

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1626933355_الماء سر الحياة-1-13-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد.docx

1626933358_الماء سر الحياة-1-13-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد.pdf

المشاهدات 821 | التعليقات 0