الماء آية من آيات الله
إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
خطبة الماء آية من آيات الله
آية من آيات الله ،وجند من جنده ، يتنزل على عباد الله رحمة وإن نقص عنهم أو زاد عليهم صار عذابا ونقمة ، يستبشر الناس بمقدمه ويفرحون بحلوله ونزوله ، أمتن الله به على عباده ، وذكره في كتابه أكثر من خمسين مرة ، وجعله في الجنة نوعا من نعيمه ، غالب تكوين الأرض منه هذه الآية ياعباد الله الماء
فالله سبحانه أوجده وأمتن على عباده به ، ودعاهم للتفكر في إنزاله وتكوينه قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) والله وحده هو القادر على الذهاب به قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) فالماء أصل الخلق قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.)
جعل الله من الماء كل شئ حي فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونه سوى أيام قليلة الماء سبب للحياة قال تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً ) الماء طهارة ونقاء به يكون الاغتسال والوضوء والاستنجاء قال تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ )
الماء شفاء بإذن الله فعن عائشة رضي الله عنها – عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ") متفق عليه
الماء البارد شفاء من أمراض متعددة فلما أصابت الحمى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته أمر بسبع قرب لم تحل أوكيتهن لتراق عليه وقال عليه السلام ( أَيُّمَا أَحَدٍ مِنْكُمْ أَخَذَهُ الْوِرْدُ يَصُبُّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ بَارِدٍ ) قَالَ الْحَضْرَمِيُّ : الْوِرْدُ : الْحُمَّى وقال تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (
عباد الله :
الماء حق للجميع قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار ) فبالماء تثبت الأقدام ويربط على القلوب ونصر من الله وهذا ما حصل للمسلمين يوم بدر قال تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَام ) لعظيم أمر الماء جعل الله وسائل لحفظ ماء الأمطار إذا نزل فيسلكه ينابيع في الأرض أو يكون في مياه الأنهار أو الحفظ في العيون والآبار ، قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ )
عباد الله :
سقى الماء عبادة من أفضل العبادات والأعمال قال أبن عباس رضي الله عنه حين سئل عن أفضل الصدقة قال الماء : ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة:
"أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله" وعن أنس بن مالك t قال : قال سعد يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم : وعليك بالماء وفي رواية أنه عليه السلام أمره أن يسقي عنها الماء . قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية : وفي هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال ثم قال معلقا على أمر رسول الله r لسعد بن عبادة : أن يتصدق عن أمه بالماء دل ذلك على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله قال بعض التابعين من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء وتلك البغي التي سقت الكلب ماء فدخلت الجنة
عباد الله :
ولأهمية الماء جاء الامر بالمحافظة عليه , وعدم الاسراف فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال له ما هذا السرف . قال أفي الوضوء إسراف قال : لا تسرف ولو كنت على نهر جاري
عباد الله : تظهر الحضارات , وتزدهر الاماكن عند البحار والأنهار وذلك لحاجة الناس للماء ولأنه عبر مياهها تسير السفن
الناقله لحاجيات الناس قال تعالى ( ممتنا على عباده ومذكرا لهم بنعمة (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) قال مجاهد: مارفع قلعه من السفن فهو منشآت
عباد الله : لعظيم حاجة الناس للمطر وتشوفهم لنزوله ( ضرب الله بالماء أمثالا متعددة في القرآن :
فلقد شبه الله الدنيا بالماء في آيات كثيرة قال تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ) وجوامع التشبيه بينهما متعددة منها :
الماء ليس له قرار وكذا الدنيا وقبل لأن الماء إن أمسكته نتن وتغير وكذلك الدنيا لمن أمسكها بلية وقيل لأن الماء يأتي قطرة قطرة ويذهب دفعة واحدة وكذلك الدنيا والماء طبعه النقصان وكذلك الدنيا
ومن التشبيهات أن جعل الله من أدلة البعث إحياء الأرض بعد موتها بالمطر قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
ومن التشبيهات أن الله شبه نور الوحي وتلقي القلوب للوحي بالماء واستقبال الوادي له قال تعالى ( وهو الذي أنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ )
فلقد شبه الله الماء بالوحي والأودية بقلوب الناس فبحسب ما يتسع القلب يتسع لنور الوحي وكذا مجرى الوادي بحسب سعته وعمقه يحمل من ماء المطر ويحفظه ثم إنه في طريق الحق تكون شبهات وشهوات تنتفخ وتنتفش محاولة إخفاء الحق كما أن الوادي إذا سال يحمل معه الغثاء فينتفش وتكون زبدا ولكن لا يلبث الباطل أن يخنس ويختفي كالزبد يختفي ويبقى الماء ونفعه للأرض فكم حارب الإسلام من محارب وعاداه من معادي ولكن صدق الله ( يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )
ومن التشبيهات تشبيه رسول الله - r -العلم ونور الوحي وتلقي الناس بالغيث وتلقي الأرض له فعن أبي موسى الأشعري -t - قال : قال رسول الله - r - ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا . وأصاب طائفة منا أخرى ، أنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) فأين أنت من هذا الوحي هل تعلمت وعملت ونشرت دعوة الإسلام أم اقتصرتعلى نفسك ونفعها أو أعرضت عن دين الله ونسيناه ومن نسي الله نسيه الله
عباد الله :
الماء جند من جند الله ورحمة من رحماته فلقد رحم الله بالماء نوحا ونجاه من قومه على ظهر سفينة ، وحمل موسى الرضيع وهو في التابوت على مائه ورحم الله به موسى وقومه لما استسقوه ، ورحم به رسولنا -r -وصحبة الكرام يوم بدر وثبتهم وربط على قلوبهم وحمل جند الإسلام في ذات الصواري زمن ذي النورين عثمان والغيث في عامته خير ورحمة قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ )
والماء جند من جند الله عذب الله به أقواما فأغرق بالماء قوم نوح لما كفروا بالله وخالفوا أمره وأغرق به الطاغية فرعون بعد تفاخره بالماء فأعلمه الله وقدره ونجاه ببدنه ليكون لناس عبرة وأغرق سبأ بالسيل العرم قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)
عباد الله :
من أعظم الآيات في المطر أنه يظهر للعبد ضعفه فما حالنا في الأسبوع الماضي وحاجته واضطراب أمره فيا عجبا لأمر البشر يخافون الغيث وهم يطلبونه ويفزعون منه وهم يستسقون لنزوله ، إنهم يستسقون لبقاء حياتهم فشرابهم وطعامهم في غيث ربهم لهم وهذا هو طمعهم فيه لكنهم يخافون الغرق فإذا تتابع المطر تأذوا منه وقد يغرقون فسبحانك ربنا ما أعظمك وما قدرناك حق قدرك عباد الله قال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) يجب على العبد أن لايقف عن التدبر والتأمل في آيات الله ليتبين له عظيم قدرة ربه وعظيم فقره العبد لربه وحاجته لله قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
الخطبة الثانية
عباد الله :
أكثروا من التأمل والتدبر فيما ترون من أحداث فهذه صفات أولي الألباب (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ( ثم علموا أيها الفضلاء أنكم في خير الأيام وسيدها يوم الجمعه .