المؤمن صاحب رسالة
محسن الشامي
1433/08/13 - 2012/07/03 21:08PM
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له قيوم السموات والاراضين أحمده سبحانه وأشكره إذا أطيع شكر وإذا عصى تاب وغفر وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه المنعوت بالخلق العظيم ارسله الله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين فصلوات ربى وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى فقَدْ تكفَّلَ اللهُ لأهْلِها بالنجاةِ مِمَّايَحْذَرونَ والرزقِ مِنْ حيثُ لا يحتَسِبُونَ {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُمَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لِكُلِّ شَيئٍ زينَةٌ في الورى * و زينَةُ المَرءِ تَمامُ الأَدبِ
كُن ابنَ مَن شِئتَ و اكتَسِبْ أدباً * يُغنيكَ مُحمودُه عَن النَسبِ
إخوة الايمان: لقَدْ دعا الإسلامُ إلىكُلِّ خُلُقٍ كريمٍ ونفَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ فرَبَّى أتباعَهُعلَى الأخلاقِ الحميدةِ والآدابِ المجيدةِ وسَما بِهمْ إلى الأفعال الرشيدةِوالأقوالِ السديدةِ بل إن من مقاصدِ البِعثةِ المحمدية إتمامُ صالحِ الأخلاق كما أخبرَ بذلك صلى الله عليه وسلم فقالَ "إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ" فالأخلاق دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ وزِينةُ عبادِ اللهِالمؤمنينَ وريحانَةُ المتقينَ وحِلْيَةُ الصالحينَ فاللهَ عز وجل لا يُعطِي الأخلاقَ إلاَّ لِمَنْ يحبُّ مِنْ عبادِهِ فعن عبدالله بنُ مَسعودٍرضي الله عنه أنَّرسولَ اللهِصلى الله عليه وسلم قال"إنَّاللهَ قَسَمَ بينَكُمْ أَخلاقَكُمْ كما قَسَمَ بيِنَكُمْ أرزاقَكُمْ وإنَّ اللهعزَّوجلَّ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يحبُّ ومَنْ لا يحبُّ ولا يُعْطِي الدِّينَإلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فمَنْ أعطاهُ الدِّينَ فَقدْ أحبَّهُ"
فإذا رُزِقْتَ خَلِيقَةًمَحْمودةً فَقَدِ اصطفاكَ مُقَسِّـمُ الأرزاقِ
فالنَّاسُ هَذا حظُّهُ مالٌ وذَا عِلْـمٌ وذاكَمكارِمُ الأخْـــــــلاقِ
ولَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ مَا اخْتَرْتُ غَيْرَ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ
أيها المباركون لقد حث النبي صلى اللّه عليه وسلم على حسن الخلق والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسنالخلق،فقال عليه الصلاة والسلام(أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) وَقَد يَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ وَيَقُولُوَمَا حسنُ الخُلُق الَّذِي عَنهُ تَتَحَدَّثُونَ وَبه تُوصون ؟وهل له من فضائل ؟ أما مفهوم حسن الخلق فحسبنا ما قاله عَبدُ اللّٰهِ بنِ المُبَارَكِ حُسن الخُلُقِ هُوَ بَسطُ الوَجهِ وَبَذلُ المَعرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى وأما فضائله فلحُسنِ الخلق فضائل عديدة في الكتاب والسنة ومن ذلك أن الله تعالى أمر به في قوله تعالى﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِوَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فإن هذه الآية أجمعُ آيةٍ لمكارم الأخلاق وأصولِالفضائل ومن فضائل حسن الخلقأنَّه دليلٌ علَىكَمالِ الإيمانِ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِصلى الله عليه و سلمقالَ(أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهُمْ خُلُقاً وخِيارُكُمْ خِيارُكُمْ لِنسائِهِمْ خُلُقاً" ومن فضائل حسن الخلق أن المتجَمِّلَ بالخُلقِ الحسن جليسُ النبيِّصلى اللهعليه وسلميومَ القيامةِ فَعنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِأنَّ رسولَ اللهِصلى الله عليه وسلمقالَ "إنَّ مِنْأحبِّكُمْ إليِّ وأقربِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يومَ القيامةِ أحاسِـنَكُمْأَخْلاقاً" أخرجَهُ الترمذيُّ ومن فضائل حسن الخلُق أن المؤمِنَ المتحلي بالأخلاقِالمباركَةِ يبلغُ درجَةَ الصائِمِ الذي لا يُفْطِرُ والقائِمِ الذي لايَفْتُرُ عن عائِشة رضِيَ اللهُ عَنْها قالت سمعْتُ رسولَ اللهِصلى الله عليه وسلميقولُ)إنَّ المؤمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِدرجَةَ الصائِمِ القائِمِ" عباد الله ومن فضائل حسن الخلق أنه أثقلُ شيءٍ في ميزانِ صاحِبِه يومَ القيامةِ عن أبيالدرداءِرضي الله عنهأنَّ النبيَّصلى الله عليه و سلمقالَ((ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِيومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُـلُقِ وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَالبَذِىَّ " عباد الله ولولم يكن من فضائل حسن الخلق إلا ضمان النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً فيأعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه لكان كافياًعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُعَلَيْهِ وسَلَّم (( أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَالمِراءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَالكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحاً وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)فاجتهدوا أيها المؤمنون في تحسين أخلاقكم لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمةوالدرجات الرفيعة
أيها المسلمون إن الحديث عن الأخلاق يكون ناقصًا حتى يكمّل ببعض المواقف الزكية من أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلمإِذْ كانَ مَهْوَى أفئدَةِ الرجالِ بعظيمِ أخلاقِهِوكريمِ سَجاياهُ, كأنَّ الأخلاقَ كلَّهاقَدْ جُمِعَتْ فيهِ وحدَهُ حتَّى نَعتَهُ ربُّهُ بقولِهِ الكريمِ{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهذا خادِمُهُ أنسُ بنُ مالكٍرضي الله عنه يقولُ "خَدَمْتُالنبيَّصلى الله عليه و سلم عَشْرَ سِنينَ فما قالَلِي أُفٍّ قَطُّ وما قَالَلِشيءٍ صنَعتُهُ لِمَ صنَعْتَهُ؟ ولا لِشيءٍ تركتُهُلِمَ تركتَهُ؟ وكانَ رسولُ اللهِصلى الله عليه وسلممِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلقُاً"ومن أخلاقه الشريفة الهدوء في التعامل مع المخطئ ومن ذلك عندما بالَ أعرابِيٌّ في المسجدِ فثارَ إليهِالناسُ لِيَقَعُوا بهِ فقالَ لهمْعليه الصلاة والسلام دَعوهُ وأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ أوْ سَجْلاً مِنْماءٍ فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرِينَ"متفقٌ عليهِ ولما دخل مكة فاتحًا منتصرًا عزيزًا مُؤيدًا على أولئك الذين طردوه وآذوه وحاصروه حتى أكل مع أصحابه ورق الشجر فما رحموه ووضعوا سلا الجزورِ فوق ظهره وهو ساجد لله فلما دخل مكة دخلها وهو مطأطئٌ رأسه متذللاً لله متواضعًا لعباد الله قائلاً لأولئك (ما تظنون أني فاعل بكم)) قالوا أخ كريم وابن أخ كريم،فقال ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) ومن أخلاقه الشريفة الحِلم فقد كان عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في الحِلمِ فهاهولما شُجّت وجنتاه وكُسرت رباعيته ودخل المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال (اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ) فهذا منتهى الحِلم والعفو والصبر
تعرض صلى الله عليه وسلم لأشد أنواع الأذى فعرَضَ عَلَيْهِ مَلَكُ الجِبالِ أَنْيُطْبِقَ
علَى مَنْ آذاهُ الأَخْشَبَيْن عُقُوبةً لهَمْ فأبَى صاحِبُ الخلُقِالكريمِ ذلِكَ وقالَ:"بَلْ أرجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصلابِهِمْ مَنْ يعبدُاللهَ وحدَهُ لا يشركُ بهِ شيئا" فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتصر لنفسه من مظلمة ظُلمها قط ولا ضرب خادما ولا امرأة قط وكان يمازح أصحابه يخالطهم،يداعب صبيانهم يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وعلَى مِثْلِ هَذا سارَ أصحابُهُالكِرَامُ ومَنْ تَبِعَهمْ حتىَّ فَتَحوا البلادَ وقلوبَ العِبادِبأخلاقِهمُ الفاضِلَة ِوآدابِهمُ الكامِلَةِ.فما نصيبنا من هذه الأخلاق؟أين موقعنا من هذه الخلال الحميدة والأفعال الرشيدة؟بل إن الناظر اليوم لأخلاقنا في تعاملاتنا مع بعضنا البعض وفي تعاملنا مع إخواننا الوافدين الينا ليجد أمراً يدعو إلى الأسى والحزن الى ما وصل إليه حال أخلاقنا والله المستعان ألا فأعلموا عباد الله أنه لا صلاح لحالنا وحال أمتنا إلاّ أن ننهلَ من معين أخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب قال الله تعالىلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًااللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأعمال بارَكَ اللهُ لي ولكمْ في الوحْيَيْنِ ونفَعَناجميعاً ِبهَدْيِ سيِّدِ الثَقَلَيْنِ
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ وله الشكرُ علَىتوفيقِهِ وامتنانِهِ وأشهدُ أنْ لاإلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماًلشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرُ مَنْ دعا إلى سبيلِ اللهِورضوانِهِ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وصِدْقِ إيمانِهِ،صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِوصحبِهِ وإخوانِهِ وسلَّمَ تسليماً مَزيداً. أمَّابعدُ فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أن المؤمنَ صاحبُ رِسالةٍ يُتَرجِمُها عَمَلاً وسُلُوكاًيراهُ الناسُ في أرضِ الواقِعِ قَوْلاً وعَمَلاً يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالىَ{وَقُولُواْ لِلنَّاسِحُسْناً} ويتمثَّلُ في مبدَأ الأفعالِ قولَهُ تعالىَ {وَلَاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِيهِيَ أَحْسَــنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّحَمِيمٌ}قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "وجماع حُسن ُالخُلُق مع الناسِ أن تصلَ من قطعكبالسلام والإكرام والدعاءِ له والاستغفارِ والثناءِ عليه والزيارةِ له وتعطي من حرمك منالتعليم والمنفعة والمال وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض"فالأخلاقَ السيئة ياعباد الله تُذهب الحسنات بل وتحمّل صاحبها من غيره الأوزار والسيئات وتقذفُ به في الدركات ولو صلّى وصام وعمل الصالحات سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال((أتدرون من المفلس) قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " تأمّلوا رحمني الله وإياكم في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة وأسهر ليله في الإنابة أظمأ نهاره بالصيام،وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام فلما وقف بين يدي الجبار جل جلاله فوجئ برصيد من الديون شتم وسفك وضرب وهتك فوزّعت حسناتِ النهار وطاعاتِ الليل سدادًا لتلك الديون فهذا والله وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون اللهمَّ اهدِنا لأحْسَنِ الأخلاقِ لا يَهْدِيلأحسِنها إلاّأنتَ
واصرِفْ عنَّا سيِّئَها لا يصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلاَّ أنتْ ألا وصلوا وسلموا.
كُن ابنَ مَن شِئتَ و اكتَسِبْ أدباً * يُغنيكَ مُحمودُه عَن النَسبِ
إخوة الايمان: لقَدْ دعا الإسلامُ إلىكُلِّ خُلُقٍ كريمٍ ونفَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ فرَبَّى أتباعَهُعلَى الأخلاقِ الحميدةِ والآدابِ المجيدةِ وسَما بِهمْ إلى الأفعال الرشيدةِوالأقوالِ السديدةِ بل إن من مقاصدِ البِعثةِ المحمدية إتمامُ صالحِ الأخلاق كما أخبرَ بذلك صلى الله عليه وسلم فقالَ "إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ" فالأخلاق دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ وزِينةُ عبادِ اللهِالمؤمنينَ وريحانَةُ المتقينَ وحِلْيَةُ الصالحينَ فاللهَ عز وجل لا يُعطِي الأخلاقَ إلاَّ لِمَنْ يحبُّ مِنْ عبادِهِ فعن عبدالله بنُ مَسعودٍرضي الله عنه أنَّرسولَ اللهِصلى الله عليه وسلم قال"إنَّاللهَ قَسَمَ بينَكُمْ أَخلاقَكُمْ كما قَسَمَ بيِنَكُمْ أرزاقَكُمْ وإنَّ اللهعزَّوجلَّ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يحبُّ ومَنْ لا يحبُّ ولا يُعْطِي الدِّينَإلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فمَنْ أعطاهُ الدِّينَ فَقدْ أحبَّهُ"
فإذا رُزِقْتَ خَلِيقَةًمَحْمودةً فَقَدِ اصطفاكَ مُقَسِّـمُ الأرزاقِ
فالنَّاسُ هَذا حظُّهُ مالٌ وذَا عِلْـمٌ وذاكَمكارِمُ الأخْـــــــلاقِ
ولَوْ أَنَّنِي خُيِّرْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ مَا اخْتَرْتُ غَيْرَ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ
أيها المباركون لقد حث النبي صلى اللّه عليه وسلم على حسن الخلق والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسنالخلق،فقال عليه الصلاة والسلام(أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) وَقَد يَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ وَيَقُولُوَمَا حسنُ الخُلُق الَّذِي عَنهُ تَتَحَدَّثُونَ وَبه تُوصون ؟وهل له من فضائل ؟ أما مفهوم حسن الخلق فحسبنا ما قاله عَبدُ اللّٰهِ بنِ المُبَارَكِ حُسن الخُلُقِ هُوَ بَسطُ الوَجهِ وَبَذلُ المَعرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى وأما فضائله فلحُسنِ الخلق فضائل عديدة في الكتاب والسنة ومن ذلك أن الله تعالى أمر به في قوله تعالى﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِوَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فإن هذه الآية أجمعُ آيةٍ لمكارم الأخلاق وأصولِالفضائل ومن فضائل حسن الخلقأنَّه دليلٌ علَىكَمالِ الإيمانِ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِصلى الله عليه و سلمقالَ(أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنُهُمْ خُلُقاً وخِيارُكُمْ خِيارُكُمْ لِنسائِهِمْ خُلُقاً" ومن فضائل حسن الخلق أن المتجَمِّلَ بالخُلقِ الحسن جليسُ النبيِّصلى اللهعليه وسلميومَ القيامةِ فَعنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِأنَّ رسولَ اللهِصلى الله عليه وسلمقالَ "إنَّ مِنْأحبِّكُمْ إليِّ وأقربِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يومَ القيامةِ أحاسِـنَكُمْأَخْلاقاً" أخرجَهُ الترمذيُّ ومن فضائل حسن الخلُق أن المؤمِنَ المتحلي بالأخلاقِالمباركَةِ يبلغُ درجَةَ الصائِمِ الذي لا يُفْطِرُ والقائِمِ الذي لايَفْتُرُ عن عائِشة رضِيَ اللهُ عَنْها قالت سمعْتُ رسولَ اللهِصلى الله عليه وسلميقولُ)إنَّ المؤمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِدرجَةَ الصائِمِ القائِمِ" عباد الله ومن فضائل حسن الخلق أنه أثقلُ شيءٍ في ميزانِ صاحِبِه يومَ القيامةِ عن أبيالدرداءِرضي الله عنهأنَّ النبيَّصلى الله عليه و سلمقالَ((ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِيومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُـلُقِ وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَالبَذِىَّ " عباد الله ولولم يكن من فضائل حسن الخلق إلا ضمان النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً فيأعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه لكان كافياًعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُعَلَيْهِ وسَلَّم (( أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَالمِراءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَالكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحاً وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)فاجتهدوا أيها المؤمنون في تحسين أخلاقكم لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمةوالدرجات الرفيعة
أيها المسلمون إن الحديث عن الأخلاق يكون ناقصًا حتى يكمّل ببعض المواقف الزكية من أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلمإِذْ كانَ مَهْوَى أفئدَةِ الرجالِ بعظيمِ أخلاقِهِوكريمِ سَجاياهُ, كأنَّ الأخلاقَ كلَّهاقَدْ جُمِعَتْ فيهِ وحدَهُ حتَّى نَعتَهُ ربُّهُ بقولِهِ الكريمِ{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهذا خادِمُهُ أنسُ بنُ مالكٍرضي الله عنه يقولُ "خَدَمْتُالنبيَّصلى الله عليه و سلم عَشْرَ سِنينَ فما قالَلِي أُفٍّ قَطُّ وما قَالَلِشيءٍ صنَعتُهُ لِمَ صنَعْتَهُ؟ ولا لِشيءٍ تركتُهُلِمَ تركتَهُ؟ وكانَ رسولُ اللهِصلى الله عليه وسلممِنْ أحْسَنِ النَّاسِ خُلقُاً"ومن أخلاقه الشريفة الهدوء في التعامل مع المخطئ ومن ذلك عندما بالَ أعرابِيٌّ في المسجدِ فثارَ إليهِالناسُ لِيَقَعُوا بهِ فقالَ لهمْعليه الصلاة والسلام دَعوهُ وأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ ذَنُوباً مِنْ ماءٍ أوْ سَجْلاً مِنْماءٍ فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَـمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرِينَ"متفقٌ عليهِ ولما دخل مكة فاتحًا منتصرًا عزيزًا مُؤيدًا على أولئك الذين طردوه وآذوه وحاصروه حتى أكل مع أصحابه ورق الشجر فما رحموه ووضعوا سلا الجزورِ فوق ظهره وهو ساجد لله فلما دخل مكة دخلها وهو مطأطئٌ رأسه متذللاً لله متواضعًا لعباد الله قائلاً لأولئك (ما تظنون أني فاعل بكم)) قالوا أخ كريم وابن أخ كريم،فقال ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) ومن أخلاقه الشريفة الحِلم فقد كان عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في الحِلمِ فهاهولما شُجّت وجنتاه وكُسرت رباعيته ودخل المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال (اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ) فهذا منتهى الحِلم والعفو والصبر
تعرض صلى الله عليه وسلم لأشد أنواع الأذى فعرَضَ عَلَيْهِ مَلَكُ الجِبالِ أَنْيُطْبِقَ
علَى مَنْ آذاهُ الأَخْشَبَيْن عُقُوبةً لهَمْ فأبَى صاحِبُ الخلُقِالكريمِ ذلِكَ وقالَ:"بَلْ أرجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصلابِهِمْ مَنْ يعبدُاللهَ وحدَهُ لا يشركُ بهِ شيئا" فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتصر لنفسه من مظلمة ظُلمها قط ولا ضرب خادما ولا امرأة قط وكان يمازح أصحابه يخالطهم،يداعب صبيانهم يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وعلَى مِثْلِ هَذا سارَ أصحابُهُالكِرَامُ ومَنْ تَبِعَهمْ حتىَّ فَتَحوا البلادَ وقلوبَ العِبادِبأخلاقِهمُ الفاضِلَة ِوآدابِهمُ الكامِلَةِ.فما نصيبنا من هذه الأخلاق؟أين موقعنا من هذه الخلال الحميدة والأفعال الرشيدة؟بل إن الناظر اليوم لأخلاقنا في تعاملاتنا مع بعضنا البعض وفي تعاملنا مع إخواننا الوافدين الينا ليجد أمراً يدعو إلى الأسى والحزن الى ما وصل إليه حال أخلاقنا والله المستعان ألا فأعلموا عباد الله أنه لا صلاح لحالنا وحال أمتنا إلاّ أن ننهلَ من معين أخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينضب قال الله تعالىلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًااللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأعمال بارَكَ اللهُ لي ولكمْ في الوحْيَيْنِ ونفَعَناجميعاً ِبهَدْيِ سيِّدِ الثَقَلَيْنِ
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ وله الشكرُ علَىتوفيقِهِ وامتنانِهِ وأشهدُ أنْ لاإلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماًلشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرُ مَنْ دعا إلى سبيلِ اللهِورضوانِهِ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وصِدْقِ إيمانِهِ،صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِوصحبِهِ وإخوانِهِ وسلَّمَ تسليماً مَزيداً. أمَّابعدُ فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أن المؤمنَ صاحبُ رِسالةٍ يُتَرجِمُها عَمَلاً وسُلُوكاًيراهُ الناسُ في أرضِ الواقِعِ قَوْلاً وعَمَلاً يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالىَ{وَقُولُواْ لِلنَّاسِحُسْناً} ويتمثَّلُ في مبدَأ الأفعالِ قولَهُ تعالىَ {وَلَاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِيهِيَ أَحْسَــنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّحَمِيمٌ}قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "وجماع حُسن ُالخُلُق مع الناسِ أن تصلَ من قطعكبالسلام والإكرام والدعاءِ له والاستغفارِ والثناءِ عليه والزيارةِ له وتعطي من حرمك منالتعليم والمنفعة والمال وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض"فالأخلاقَ السيئة ياعباد الله تُذهب الحسنات بل وتحمّل صاحبها من غيره الأوزار والسيئات وتقذفُ به في الدركات ولو صلّى وصام وعمل الصالحات سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال((أتدرون من المفلس) قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " تأمّلوا رحمني الله وإياكم في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة وأسهر ليله في الإنابة أظمأ نهاره بالصيام،وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام فلما وقف بين يدي الجبار جل جلاله فوجئ برصيد من الديون شتم وسفك وضرب وهتك فوزّعت حسناتِ النهار وطاعاتِ الليل سدادًا لتلك الديون فهذا والله وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون اللهمَّ اهدِنا لأحْسَنِ الأخلاقِ لا يَهْدِيلأحسِنها إلاّأنتَ
واصرِفْ عنَّا سيِّئَها لا يصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلاَّ أنتْ ألا وصلوا وسلموا.