الليبرالية الاستئصالية
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
16/10/1434
الحَمْدُ للهِ القَوِيِّ المَتِينِ، العَزِيزِ المَجِيدِ، يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، يُرِي عِبَادَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا لَمْ يَظُنُّوا، وَيَأْتِي أَعْدَاءَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا يُضَاعِفُ النِّعَمَ وَيَدْفَعُ النِّقَمَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ مَشِيئَتُهُ نَافِذَةٌ، وَقُدْرَتُهُ قَاهِرَةٌ، وَحِكْمَتُهُ بَاهِرَةٌ، فَلاَ حَوْلَ لِلْخَلْقِ وَلاَ قُوَّةَ لَهُمْ إِلاَّ بِهِ، وَلاَ مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ إِلَيْهِ؛ [فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ] {الذاريات:50}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ جَاهِلَةٍ فَانْتَشَلَهَا مِنْ جَهْلِهَا، وَرَفَعَهَا مِنْ ضَعَتِهَا، وَأَعَزَّهَا بَعْدَ ذِلَّتِهَا، وَقَوَّاهَا بَعْدَ ضَعْفِهَا، فَسَادَتْ بِدِينِهَا الأُمَمَ كُلَّهَا، وَهَزَمَتْ شَرِيعَتُهَا الأَفْكَارَ جَمِيعَهَا؛ [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {الجمعة:2}، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ سَادَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَغُرَّتِهَا، وَفَخْرِهَا وَذِكْرَاهَا، وَأَنْصَعِ صِفْحَةٍ فِي تَارِيخِهَا، وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ البَاطِنِيِّينَ وَالمُنَافِقِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا طَاعَتَهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِهِ وَلاَ تُبَدِّلُوهُ؛ فَإِنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَهُوَ مَصْدَرُ عِزِّكُمْ وَفَخْرِكُمْ، وَسَبَبُ نَجَاتِكُمْ وَفَوْزِكُمْ؛ [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] {الزُّخرف:43-44}.
أَيُّهَا النَّاسُ: هَزِيمَةُ المُعْتَقَدِ وَالفِكْرِ أَعْظَمُ مِنْ هَزِيمَةِ الجُيُوشِ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ الحَقِّ فَقَدْ هَزَمَ قَاتِلَهَ بِالبَاطِلِ، وَالَّذِينَ يَسْقُونَ أَفْكَارَهُمْ الصَّحِيحَةَ بِدِمَائِهِمْ يُحْيُونَ أُمَّةً مِنْ وَرَائِهِمْ، وَحِينَمَا كَانَ بِلاَلٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَذَّبُ فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ، فَيَنْطِقُ بِالتَّوْحِيدِ؛ كَانَ هُوَ المُنْتَصِرَ، وَكَانَ مَنْ يُعَذِّبُهُ مُنْهَزِمًا، وَبَقِيَ تَوْحِيدُ بِلاَلٍ، وَسَقَطَ هُبَلُ قُرَيْشٍ. وَقَالَ القَائِدُ عُمَرُ المُخْتَارُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ حَيَاتِي سَتَكُونُ أَطْوَلَ مِنْ حَيَاةِ شَانِقِي، فَصَدَّقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ؛ إِذْ صَارَ عُمَرُ المُخْتَارُ عَلَمًا يَعْرِفُهُ القَاصِي وَالدَّانِي، وَمَنْ يَا تُرَى يَعْرِفُ شَانِقَهُ؟!
وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ حِينَمَا عَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَرَبَّاهُمْ وَزَكَّاهُمْ عَلَّمَهُمُ الثَّبَاتَ عَلَى الحَقِّ، وَالصَّبْرَ عَلَى البَلاَءِ، وَالاسْتِقْوَاءَ بِاللهِ تَعَالَى، وَإِفْرَاغَ القَلْبِ مِنْ أَيِّ أَحَدٍ سِوَاهُ، كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَلاَ عَجَبَ - وَهَذِهِ تَرْبِيَةُ أَصْحَابِهِ - أَنْ يُحَقِّقُوا مِنَ الفُتُوحِ وَالانْتِصَارَاتِ فِي ثَمَانِينَ سَنَةً فَقَطْ مَا عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِهِ الرُّومَانُ فِي ثَمَانِ مِئَةِ سَنَةٍ. وَلاَ عَجَبَ أَنْ يَمْتَدَّ الإِسْلاَمُ حَتَّى أَضَاءَ بِنُورِهِ أَرْجَاءَ المَعْمُورَةِ؛ لِأَنَّهُ دِينُ حَقٍّ حَمَلَهُ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ.
هَذِهِ الأُمَّةُ المُبَارَكَةُ المُخْتَارَةُ، الَّتِي بَزَغَ النُّورُ مِنْ أَرْضِهَا حَتَّى أَطْفَأَ نِيرَانَ المَجُوسِ، وَأَخْرَسَ نَوَاقِيسَ الرُّومِ، وَطَمَرَ كُتُبَ اليَهُودِ؛ هِيَ أُمَّةٌ مَحْسُودَةٌ عَلَى مَا حَبَاهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ الخَيْرِيَّةِ، وَمَا اخْتَصَّهَا بِهِ مِنَ النُّورِ وَالهُدَى، وَمَا أَعْطَاهَا مِنَ العِزِّ وَالتَّمْكِينِ؛ [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ] {البقرة:109}، [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] {النساء:89} [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] {القلم:9}.
وَمُنْذُ قِيَامِ دَوْلَةِ الإِسْلاَمِ وَالكَيْدِ العَظِيمِ، وَالمَكْرِ الكَبِيرِ يَتَوَالَى عَلَى المُسْلِمِينَ؛ فَأَجْمَعَ المُشْرِكُونَ حَرْبَهَا وَاسْتِئْصَالَ أَفْرَادِهَا، وَسِيَّرُوا لِلْمَدِينَةِ جُيُوشًا فِي إِثْرِ جُيُوشٍ، وَجَمَعُوا الجُمُوعَ، وَحَزَّبُوا الأَحْزَابَ، حَتَّى زَاغَتِ الأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ، لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى رَدَّ الأَحْزَابَ بِغَيْظِهِمْ؛ [لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا] {الأحزاب:25}.
وَكَادَ اليَهُودُ بِالمُسْلِمِينَ، وَخَانُوهُمْ خِيَانَةً تِلْوَ خِيَانَةٍ، وَظَاهَرُوا المُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُفْلِحُوا، بَلْ شُرِّدُوا وَأُسِرُوا وَقُتِّلُوا.
وَمَكَرَ المُنَافِقُونَ بِالمُؤْمِنِينَ مَكْرًا كَادَتِ الجِبَالُ أَنْ تَزُولَ مِنْ عُظْمِهِ وَشِدَّتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ، فَهَلَكُوا بِأَلَمِهِمْ وَحَسْرَتِهِمْ، وَعَزَّ الإِسْلاَمُ وَأَهْلُهُ، وَخُذِلَ النِّفَاقُ وَجُنْدُهُ.
وَلَمَّا مَدَّ اللهُ تَعَالَى الإِسْلاَمَ فِي الأَرْضِ فَقَوَّضَ مَمْلَكَتَيْ فَارِسَ وَالرُّومِ عَظُمَ مَكْرُ الأَعْدَاءِ، وَاشْتَدَّ كَيْدُهُمْ، وَتَمَدَّدَ النِّفَاقُ مَعَ تَمَدُّدِ دَوْلَةِ الإِسْلاَمِ، فَصَانَعَ المُنَافِقُونَ قُوَى الشَّرِّ وَالطُّغْيَانِ عَلَى إِبَادَةِ المُسْلِمِينَ، وَاسْتِئْصَالِ الإِسْلاَمِ؛ فَسَيَّرَ النَّصَارَى سَبْعَ حَمَلاَتٍ صَلِيبِيَّةٍ كُبْرَى فِي جُيُوشٍ جَرَّارَةٍ لاَ تَخْطُرُ بِالبَالِ؛ لِمَحْوِ الإِسْلاَمِ مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَصَانَعَهُمُ المُنَافِقُونَ، وَكَانُوا عُيُونًا لَهُمْ، فَتَكَسَّرَتْ كُلُّ هَذِهِ الحَمَلاَتِ بِسُيُوفِ الحَقِّ وَالإِيمَانِ، وَبَقِيَ الإِسْلاَمُ.
وَاجْتَاحَ التَّتَرُ دَوْلَةَ الإِسْلاَمِ حَتَّى أَجْهَزُوا عَلَى شَرْقِهَا، وَاسْقَطُوا دَارَ خِلاَفَتِهَا، وَأَرَادُوا ابْتِلاَعَ شَامِهَا وَمِصْرِهَا فَكَانَتْ مَقْبَرَتَهُمْ.
وَجَثَمَ الاسْتِعْمَارُ الغَرْبِيُّ المُنْتَفِشُ عَلَى بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، وَاقْتَسَمَهَا المُسْتَعْمِرُونَ بَيْنَهُمْ، لَكِنَّهُمْ عَجَزُوا عَنِ البَقَاءِ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ حُفِرَ قَبْرُهُ فِيهَا، وَعَادَ بَقِيَّتُهُمْ يَجُرُّونَ أَذْيَالَ الخَيْبَةِ وَالهَزِيمَةِ.
وَلَمَّا اطَّرَحَ النَّصَارَى دِينَهُمُ المُحَرَّفَ، وَرَكَلُوهُ بِأَقْدَامِهِمْ إِلَى مَزبَلَةِ التَّارِيخِ ظَهَرَتْ فِيهِمُ الأَفْكَارُ المَادِّيَّةُ؛ فَأَنْتَهَجَ الأُرْثُوذُكْسُ الشَّرْقِيُّونَ المَذْهَبَ الشُّيُوعِيَّ الاشْتِرَاكِيَّ، وَأَنْتَهَجَ الكَاثُولِيكُ الغَرْبِيُّونَ اللِّيبْرَالِيَّةَ الرَّأَسِمَالِيَّةَ، وَكِلْتَاهُمَا تَدَّعِيَانِ الحُرِّيَّةَ، وَتَزْعُمَانِ حِفْظَ الحُقُوقِ؛ فَالشِّيُوعِيَّةُ الاشْتِرَاكِيَّةُ زَعَمَتْ أَنَّهَا تَسْتَخْلِصُ حُقُوقَ الضُّعَفَاءَ مِنَ الأَقْوِيَاءِ، وَتَمْنَعُ تَمَلُّكَ الأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ، وَزَعَمَتِ اللِّيبْرَالِيَّةُ الرَّأْسِمَالِيَّةُ أَنَّهَا صَانِعَةُ الحُرِّيَّةِ وَمُصَدِّرَتُهَا، وَمُدَوَّنَةُ حُقُوقِ الإِنْسَانِ وَمُعَلِّمَتُهَا.
وَلَكِنْ مَا لَبَثَ أَرْبَابُ الفِكْرَتَيْنِ المَادِّيَّتَيْنِ أَنِ ارْتَدُّوا عَنْهُمَا فَصَارَ الحِزْبُ الشُّيُوعِيُّ أَوْ الاشْتِرَاكِيُّ فِي أيِّ بَلَدٍ هُوَ المُهَيْمِنَ عَلَى النَّاسِ، يَسْتَعْبِدُهُمْ وَيَسْحَقُهُمْ بِاسْمِ حُرِّيَّتِهِمْ وَحِفْظِ حُقُوقِهِمْ، وَصَارَ أَفْرَادُهُ هُمْ أَبَاطِرَةَ المَالِ، وَأَصْحَابَ النُّفُوذِ وَالثَّرَاءِ.
وَارْتَدَّ اللِّيبْرَالِيُّونَ الرَّأْسِمَالِيُّونَ عَنْ فِكْرَةِ الحُرِّيَّةِ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الإِسْلاَمَ يَتَمَدَّدُ دَاخِلَ المَنْظُومَةِ الغَرْبِيَّةِ حَتَّى بَاتَ يُهَدِّدُهَا دِيمُغْرَافِيًّا وَفِكْرِيًّا، وَرَأَوْهُ يَنْتَشِرُ فِي العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ فَيُحَجِّمُ أَيْتَامَ الغَرْبِ وَعُمَلاَءَهُ.
لَقَدْ مَضَتْ عُقُودٌ سَيْطَرَتِ الفِكْرَةُ الاشْتِرَاكِيَّةُ عَلَى وِجْدَانِ الشُّعُوبِ، وَمَلَأَتْ أَرْجَاءَ الأَرْضِ كَذِبًا وَضَجِيجًا، وَلاَ يَكَادُ آنَذَاكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ لَيْسَ فِيهِ شَابٌّ يَقْرَأُ لِرُمُوزِ الشُّيُوعِيَّةِ وَالاشْتِرَاكِيَّةِ، وَيَتَمَثَّلُ مَقُولاَتِ قَادَتِهِمْ وَمُفَكْرِيهِمْ فِي هِيَامٍ وَإِعْجَابٍ مُنْقَطِعِ النَّظِيرِ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهَا الأُمُّ تَغْزُو العَالَمَ بِالمُصْطَلَحَاتِ البَرَّاقَةِ، وَتَسْحَرُهُمْ بِالكِتَابَاتِ المُشَوِّقَةِ؛ حَتَّى كَانَ الاتِّحَادُ السُّوفْيِتِّيُّ يَسْتَأْثِرُ بِرُبْعِ الإِنْتَاجِ الثَّقَافِيِّ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، وَيَطْبَعُ الكُتُبَ وَالمِجَلَّاتِ وَالرِّوَايَاتِ بِكُلِّ لُغَاتِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَدِعَايَتُهُ الإِعْلامِيَّةُ أَقْوَى مِنْ إِعْلَامِ الدُّوَلِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ كُلِّهَا، وَكَانَ المُفَكِّرُ اللِّيبْرَالِيُّ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْمُدَ أمَامَ المُنَاظِرِ الشُّيُوعِيِّ؛ لِقُوَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَثَقَافَتِهِ، وَكَانَ الاشْتِرَاكِيُّونَ يُسَوِّقُونَ فِكْرَتَهُمْ بِالقُوَّتَيْنِ النَّاعِمَةِ وَالقَاسِيَةِ، وَيَنْشُرُونَ أَفْكَارَهُمْ بِالحِبْرِ وَبِالدَّمِ، حَتَّى أَعْدَمُوا مَلاَيِينَ البَشَرِ، وَقَتَلَ ستالين عِشْرِينَ مِلْيُونِ مُسْلِمٍ، وَهَجَّر مُسْلِمِي القُوقَازِ إِلَى سَيْبِرْيَا لِيفْنِيَهُمْ، فَسَقَطَتِ الشُّيُوعِيَّةُ، وَهَلَكَ ستَالِينُ، وَانْتَشَرَ الإِسْلاَمُ فِي القُوقَازِ.
لَقَدْ مَضَى زَمَنٌ ظَنَّ النَّاسُ فِيهِ أَنَّ الاشْتِرَاكِيَّةَ هِيَ الدِّينُ الَّذِي يَسُودُ الأَرْضَ كُلَّهَا، وَأَنَّهُ لاَ يَضْمَحِلُّ أَبَدًا، حَتَّى اقْتَنَعَ بِهَا بَعْضُ الدُّعَاةِ وَالمُصْلِحِينَ فَأَلَّفُوا فِيهَا كُتُبًا يَدْعُونَ إِلَيْهَا؛ فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ أَيْنَ هِيَ الشُّيُوعِيَّةُ؟ وَأَيْنَ هِيَ الاشْتِرَاكِيَّة؟ وَأَيْنَ هُمْ مُنَظِّرُوهَا؟ وَأَيْنَ كُتُبُهَا الَّتِي كَانَتْ تَمْلَأُ الأَرْفُفَ؟ وَأَيْنَ المُعْجَبُونَ بِهَا؟ لَقَدْ مَاتَتْ وَدُفِنَتْ، وَبَقِيَ أَيْتَامُهَا لاَ رَاعِيَ لَهُمْ، وَتَفَرَّقَ أَتْبَاعُهَا عَلَى أَفْكَارٍ أُخْرَى.
فَخَلَفَتْهَا اللِّيبْرَالِيَّةُ الرَّأْسِمَالِيَّةُ فِي النُّمُوِّ وَالانْتِشَارِ، وَأَدَارَتْ آلَتهَا الإِعْلاَمِيَّةَ الضَّخْمَةَ لِنَشْرِ مَبَادِئِهَا، وَبَشَّرَ مُفَكِّرُوهَا بِأَنَّ نِهَايَةَ التَّارِيخِ سَتَكُونُ عِنْدَهَا، فَلاَ يَسُودُ غَيْرُهَا، بَلْ لاَ يَبْقَى سِوَاهَا، وَاقْتَنَعَ رُبَّانُهَا أَنَّ نِهَايَةَ الجُغْرَافِيَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهَا كَذَلِكَ، فَحَشَدُوا الحُشُودَ، وَأَطْلَقُوا الوُعُودَ، وَسَيَّرُوا الجُيُوشَ لِغَزْوِ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ دَوْلَةً مُبْتَدِئِينَ بِأَفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقِ، وَانْتَفَشَ اللِّيبْرَالِيُّون فِي العَالَمِ الإِسْلاَميِّ زُهُّوًا وَفَخْرًا، وَفَرِحُوا أَشَدَّ الفَرَحِ بِاسْتِئْصَالِ الإِسْلاَمِ وَاجْتِثَاثِهِ، وَلَكِنَّ فَرْحَتَهُمْ مَا دَامَتْ عِقْدًا وَاحِدًا حَتَّى غَرقَتِ القُوَّةُ العَسْكَرِيَّةُ اللِّيبْرَالِيَّةُ الوَحْشِيَّةُ فِي أَوْحَالِ العِرَاقِ، وَتَكَسَّرَتْ فِي جِبَالِ الأَفْغَانِ، فَخَرَجَتْ تَجُرُّ أَذْيَالَ الخَيْبَةِ وَالخُسْرَانِ، وَانْتَهَى مَشْرُوعُ كَسْرِ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ دَوْلَةً إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ! وَتَمَدَّدَ الإِسْلاَمُ دَاخِلَ بُلْدَانِهِ، وَآبَ كَثِيرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ، وَانْتَشَرَتْ مَظَاهِرُ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الإِسْلاَمِ فِي أَكْثَرِ دُوَلِ الإِسْلاَمِ، مِمَّا يُنْذِرُ بِنَهْضَةٍ لِلْإِسْلامِ تَعُمُّ أَرْجَاءَ الأَرْضِ. وَهَذَا مَا يَقُضُّ مَضَاجِعَ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ مِنْ يَهُودٍ وَنَصَارَى وَبَاطِنِيِّينَ وَمُنَافِقِينَ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، وَحَشَدُوا جُنْدَهُمْ، وَسَخَّرُوا أَبْوَاقَهُمُ الإِعْلاَمِيَّةَ فِي حَمْلَةِ تَشْوِيهٍ وَاسِعَةٍ لِلْإِسْلامِ وَشَعَائِرِهْ، فَسَقَطَتْ فِكْرَةُ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ، وَحُرِّيَّةِ الإِعْلامِ، وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَالتَّعَدُّدِيَّةِ وَالمَوْضُوعِيَّةِ وَقَبُولِ الرَّأْيِ الآخَرِ، وَهِيَ عِمَادُ الفِكْرِ اللِّيبْرَالِيِّ، وَمَعَ سُقُوطِهَا سَتَسْقُطُ اللِّيبْرَالِيَّةُ؛ فَإِنَّ سُقُوطَ الأَفْكَارِ أَشَدُّ مِنْ سُقُوطِ الرِّجَالِ، وَمَهْمَا بَلَغَتْ دَمَوِيَّةُ اللِّيبْرَالِيَّةِ المُعَاصِرَةِ وَوَحْشِيَّتِهَا فَلَنْ تَكُونَ أَقْوَى وَلاَ أَشَدَّ قَسْوَةً مِنَ الشُّيُوعِيَّةِ وَالقَوْمِيَّةِ وَالاشْتِرَاكِيَّةِ، وَمَا نَجَحَتْ فِي ثَنْيِ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، وَمَهْمَا حَشَدَتْ مِنْ إِعْلاَمِهَا المُضَلِّلِ، وَافْتَرَتْ مِنَ الأَكَاذِيبِ، وَتَلاَعَبَتْ بِالمُصْطَلَحَاتِ، وَحَاوَلَتْ تَغْيِيبَ الشُّعُوبِ فَلَنْ تَكُونَ أَقْدَرَ وَلاَ أَقْوَى مِنَ الشُّيُوعِيَّةِ والاشْتِرَاكِيَّةِ أَيَّامَ عِزِّهَا، وَإِنَّ مَا يَشْهَدُهُ العَالَمُ الإِسْلاَميُّ مِنْ لِيبْرَالِيَّةٍ اسْتِئْصَالِيَّةٍ دَمَوِيَّةٍ هُوَ مُؤَشِّرٌ عَلَى دَنُوِّ نِهَايَتِهَا وَسُقُوطِهَا، فَإِنَّ الأَفْكَارَ تَكُونُ أَكْثَرَ دَمَوِيَّةً حَالَ احْتِضَارِهَا، وَإِنَّ الفِكْرَ القَوِيَّ المَتِينَ لاَ يَحْتَاجُ أَرْبَابُهُ إِلَى الكَذِبِ الفَجِّ لِتَرْوِيجِهِ، وَلاَ إِلَى القَسْوَةِ المُفْرِطَةِ لِإِخْضَاعِ خُصُومِهِ، وَإِنَّمَا يَعْمَدُ إِلَى الكَذِبِ وَالقَسْوَةِ أَرْبَابُ الفِكْرِ الضَّعِيفِ؛ لِسَتْرِ ضَعْفِهِ وَتَهَافُتِهِ أَمَامَ النَّاسِ، وَمُحَاوَلَةِ إِقْنَاعِهِمْ بِهِ بِالكَذِبِ أَوْ بِالقُوَّةِ.
وَمَنْ يَنُظُرُ نَظْرَةً شَامِلَةً لِلْعَالَمِ يَجِدُ أَنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ قَدِ احْتَارُوا حَيْرَةً شَدِيدَةً فِي كَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الإِسْلاَمِ؛ فَتَشْوِيهُهُ وَافْتِرَاءُ الكَذِبِ عَلَى حَمْلَتِهِ وَدُعَاتِهِ لاَ يَزِيدُ شُعُوبَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ قَنَاعَةً وَتَمَسُّكًا بِهِ، وَعَوْدَةً إِلَيْهِ، وَلاَ يَزِيدُ غَيْرَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ دُخُولاً فِيهِ. وَضَرْبُهُ بِالقُوَّةِ العَسْكَرِيَّةِ القَاسِيَةِ لاَ يَزِيدُهُ إِلاَّ صَلاَبَةً وَشِدَّةً، وَلاَ يَزِيدُ أَصْحَابَةُ إِلاَّ قُوَّةً وَتَضْحِيَةً، فَمَاذَا يَعْمَلُونَ بِالإِسْلاَمِ؟! لَقَدِ احْتَارُوا فِي أَمْرِهِ، إِنْ تَرَكُوهُ تَمَدَّدَ حَتَّى يَعُمَّ الأَرْضَ، وَإِنْ هُمْ ضَرَبُوهُ اشْتَدَّ عُودُهُ وَقَوِيَ عَزْمُ أَتْبَاعِهِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، فَلاَ حِيلَةَ لَهُمْ مَعَ دِينِ اللهِ تَعَالَى.
يَا هَؤُلاءِ وَأُولَئِكَ، إِنَّهُ دِينُ اللهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ، إِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي صَمَدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا وَزِيَادَةً، وَهُوَ هُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالفِكْرَةُ اللِّيبْرَالِيَّةُ لَمْ تُتِمَّ بَعْدُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَرَغْمَ عَمَلِيَّاتِ التَّعْدِيلِ لِتُوَاكِبَ العَصْرَ، وَعَمَلِيَّاتِ التَّقْوِيَةِ وَالإِنْعَاشِ هِيَ تَعِيشُ الفَصْلَ الأَخِيرَ مِنْ عُمُرِهَا؛ [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] {التوبة:33}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ؛ [أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {يوسف:40}، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: يَتَحَسَّرُ قَلْبُ المُسْلِمِ عَلَى مَذَابِحِ المُسْلِمِينَ فِي شَتَّى الأَقْطَارِ، وَعَلَى مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الإِسْلاَمُ مِنْ حَمْلَةٍ إِعْلامِيَّةٍ لِيبْرَالِيَّةٍ تُشَوِّهُهُ، وَتُغْرِي بِالبَطْشِ بِدُعَاتِهِ وَحَمَلَتِهِ، حَتَّى وَصَمُوهُ بِأَنَّهُ دِينٌ فَاشِي، وَأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ كَانَ أَوَّلَ فَاشِيٍّ دَمِوِيٍّ، وَأَنَّ حُدُودَهُ وَحْشِيَّةٌ، وَأَنَّ أَحْكَامَهُ تَخَلُّفٌ وَرَجْعِيَّةٌ، وَصَارَ الإِعْلاَمُ اللِّيبْرَالِيُّ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ دُونَ مُوَارَبَةٍ، وَأَقْوِيَاءُ العَالَمِ، وَمُنَظَّمَاتُهُ الدَّوْلِيَّةُ لاَ تُدَافِعُ عَنِ المُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ الدَّمُ النَّازِفُ دَمَ مُسْلِمٍ.
إِنَّ ثَمَّةَ مَلْحَظًا عَجِيبًا أَرَى أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الأُمَمِ، وَهُوَ أَنَّهَا أُمَّةٌ فِي عِزِّهَا وَمَجْدِهَا كَانَتْ تَحْمِي ضَعَفَةَ الأُمَمِ الأُخْرَى، وَتُنْصِفُهُمْ فِي حُكْمِهَا، وَتَنْتَصِرُ لَهُمْ مِمَّنْ يَبْغِي عَلَيْهِمْ، فَحَمَتِ اليَهُودَ مِنْ مَذَابِحِ النَّصَارَى، وَحَمَتِ الأُرْثُوذُكْسَ مِنْ مَذَابِحِ الكَاثُولِيكِ، وَحَمَتِ البَاطِنِيِّينَ مِنَ الاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّارِيخُ مَمْلُوءٌ بِالشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا أُمَّةٌ مُنْذُ أَنْ ضَعُفَتْ لَمْ يَحْمِهَا أَحَدٌ مِنَ الأُمَمِ الأُخْرَى لاَ فِي القَدِيمِ وَلاَ الحَدِيثِ، وَكَأنَّ اللهُ تَعَالَى يُرِيدُهَا أَنْ تَمُنَّ عَلَى الأُمَمِ الأُخْرَى، وَلاَ مِنَّةَ لِأُمَّةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا.
سَقَطَ الأَنْدَلُسُ دَوْلَةً دَوْلَةً تَحْتَ حَوَافِرِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ فَلاَ أَعْرِفُ أَنَّ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ الأُخْرَى حَمَتِ المُسَالِمِينَ مِنَ اضْطِهَادِ المُتَغَلِّبِينَ، وَاجْتَاحَ التَّتَرُ بُلْدَانَ المُسْلِمِينَ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ حَتَّى بَلَغُوا دَارَ السَّلاَمِ فَأَسْقَطُوا عَاصِمَةَ الخِلاَفَةِ آنَذَاكَ، وَلَمْ يَحْمِ المُسْلِمِينَ أَحَدٌ مِنْ سُيُوفِ التَّتَرِ، وَفِي الحَمَلاتِ الصَّلِيبِيَّةِ لَمْ تَهُبَّ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي حَمَاهَا المُسْلِمُونَ مِنْ قَبْلُ لِنَجْدَتِهِمْ، بَلْ كَانَ المُسْلِمُونَ يَتَحَمَّلُونَ مَسْئُولِيَّتَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَيَرُدُّونَ شَرَاسَةَ عَدُوِّهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهَذِهِ خَصِيصَةٌ تَمَيَّزَتْ بِهَا أُمَّةُ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّتِهَا بَعْدَ الضَّعْفِ، وَنُهُوضِهَا بَعْدَ التَّعَثُّرِ، وَعِزِّهَا بَعْدَ الذُّلِّ، وَتَمَدُّدِهَا بَعْدَ الانْكِمَاشِ.
وَقَبْلَ يَوْمَيْنِ فَقَط ضَرْبَ النُّصَيْرِيُّونَ رِيفَ دِمَشْقَ بِالْكِيمَاوِيِّ، فَأَهْلَكُوا زُهَاءَ أَلْفِي نَفْسٍ مُعْظَمُهُمْ مِنَ الْأَطْفَالِ أَمَامَ بَصَرِ الْعَالَمِ اللِّيبْرَالِيِّ الْحُرِّ، وَدُوَلِهِ العُظْمَى الْمُدَّعِيَةِ لِلْسَّلَامِ، وَمُنَظَّمَاتِهِ الدَّوْلِيَّةِ الرَّاعِيَةِ لِحُقوقِ الْإِنْسَانِ، فَلَمْ يُحَرِّكْ سَاكِنًا أَمَامَ اِسْتِخْدامِ أَسْلِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ فِي قَوَانِينِهِ الدَّوْلِيَّةِ، بَلْ يُعْطِي الْمُجْرِمَ النُّصَيْرِيَّ الْفُرْصَةَ تِلْوَ الْفُرْصَةَ لِإِبَادَةِ أهْلِ الشَّامِ!! وَهُوَ الَّذِي حَشَدَ الْجُيُوشَ، وَجَمَعَ الْجُمُوعُ، وَأَصَمَّ الْآذَانَ بِلُزُومِ غَزْوِ الْعِرَاقِ مِنْ أَجْلِ الْاِشْتِبَاهِ فِي وُجُودِ أسْلِحَةٍ مَحْظُورَةٍ، فَدَمَّرَهَا عَلَى أَهْلِهَا بِكِذْبَةٍ اِخْتَرَعَهَا..
هَاهُوَ يَرَى الْأسْلِحَةَ الْمَحْظُورَةَ يُبَادُ بِهَا الْعُزَّلُ وَالْأَطْفَالُ، فَلَا يَفْعَلُ شِيئًا.. يا لَلْفَضِيحَةِ اللِّيبِرالِيَّةِ المُدَوِّيَةِ، وَيا لِلْخِزْيِّ وَالْعَارِ عَلَى مَنْ يَكُونُ ذَيْلَا لِقَوْمِ لَا خلاقَ لِهُمْ..لَنْ يَرْحَمَهُ التَّارِيخُ وَلَنْ يَرْحَمَهُم..
وَلَنْ نَحْزَنَ عَلَى الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهُمْ قَدِمُوا عَلَى رَبٍّ كَرِيمٍ، وَلَنْ نَأْسَى عَلَى مَنْ يَدْفَعُونَ الْهَجْمَةَ اللِّيبِرالِيَّةَ الْباطِنِيَّةَ عَلَى الْإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنَّ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ، وَلَكِنَّنَا نَأْسَى عَلَى أَنْفُسِنَا وَعَلَى قَوْمٍ مِنَّا أَكَلُوا خَدِيعَةَ الْباطِنِيَّيْنَ وَاللِّيبِرالِيِّينَ.
إِنَّ لِلْحَقِّ قُوَّةً دَافِعَةً تَدْفَعُ صَاحِبَهَا لِتَلَقِّي المَنِيَّةَ بِنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ رَضِيَّةٍ، وَإِنَّ فِي البَاطِلِ كَآبَةً تُصِيبُ صَاحِبَهُ وَلَوْ أَظْهَرَ غَيْرَ مَا يُبْطِنُ، وَلَوْ تَصَنَّعَ حَلاَوَةَ النَّصْرِ فَإِنَّهُ يَجِدُ فِي دَاخِلِهِ أَلَمَ البَاطِلِ وَحَسْرَتَهُ، وَلِذَا يَكْذِبُ أَصْحَابُ البَاطِلِ وَيَكْذِبُونَ، وَيُلِحُّونَ فِي كَذِبِهِمْ لَعَلَّهُمْ يُقْنِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبَاطِلِهِمْ فَيُصَدِّقُونَهُ وَلَكِنْ هَيْهَات! فَلاَ يَنْقَلِبُ البَاطِلُ إِلَى حَقٍّ بِالكَذِبِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيَهْتِفُ بِهِ.
وَلَنْ يَجِدَ أَعْدَاءُ الإِسْلاَمِ إِلاَّ مَا يَسُوءُهُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ حَارَبَ اللهَ تَعَالَى فِي دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بَارَزَهُ اللهُ تَعَالَى بِمُحَارَبَتِهِ، وَمَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَلاَ يَنْتَظِرُ أَهْلُ الإِيمَانِ فِي مُوَاجَهَةِ أَعْدَائِهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ؛ فَإِمَّا نَصْرٌ مُؤَزَّرٌ مُسْتَحَقٌّ، وَإِمَّا شَهَادَةٌ عَلَى الحَقِّ، وَلَنْ يَجِدَ الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ مِنْ حَرْبِهِمْ لِلْإِسْلامِ والمُسْلِمِينَ إِلاَّ إِحْدَى الكَرِيهَتَيْنِ؛ فَإِمَّا نَصْرٌ مُؤَقَّتٌ يَخْدَعُهُمْ فَيَمُدُّهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ؛ لِحَصْدِهِمْ وَقَطْعِ دَابِرِهِمْ، وَاسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِمْ، وَإِمَّا مَوْتٌ فِي سَبِيلِ البَاطِلِ، يَلْقَوْنَ اللهَ تَعَالَى عَلَيْهِ سُودَ الوَجْهِ؛ {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44-45] {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانَوا يَتَّقُونَ} [النمل: 50- 53].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
الليبرالية الاستئصالية.doc
الليبرالية الاستئصالية.doc
اللِّيبْرَالِيَّةُ الاسْتِئْصَالِيَّةُ.doc
اللِّيبْرَالِيَّةُ الاسْتِئْصَالِيَّةُ.doc
المشاهدات 4082 | التعليقات 6
لله درك ودر أبيك ..
لقد والله أشفيت ووفيت وكفيت ..
فلا فض فوك ولا رزء بك محبوك ..
ودمت سيفاً للحق شهيرا .. وسراجاً في دروب الخير منيرا ..
.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بك
نفع الله بنا و بك زادنا واياك علما وتوفيقا واخلاصا
تكتب بماء الذهب
تسلسل افكارها في قمة الروعه
سلوا الأمور أهلها وارجعوا الحقوق لذويها وردوا الحكمة لوارثها خضت بنا يا شيخ تأصيل ما وقع وما يقع فأوضحت وأبنت وأجدت وأفدت ويكفي أنك أعدت الثقة فينا أن كل منهج غير منهج العليم الخبير سيندثر مهما صال وجال وسيسقط مهما علا وارتفع .
شكر الله لك ولكل المعجبين والمشاركين
مريزيق بن فليح السواط
سلمت اناملك شيخنا وبارك الله فيما خطت يدك ونفعنا بما كتبت فقد أفدت وأجدت
في ظني شيخنا أن أحداث مصر تحتاج وقفات وتأملات واحسب ان كثيرا من المتابعين والمستفيدين من هذا الملتقى يحرصون على رأيك ويثقون فيه ويصدرون عنه فليتك شيخنا الحبيب تعلق عن أحداثها وعلى متغيراتها؟؟
في ظني أن الشيوعية والرأسمالية في عالمنا الاسلامي بدأت من مصر بعد ومع الاستعمار ثم تمددت مستغلة السلطة والنفوذ والقوة والاعلام والمال منذ عهد عبدالناصر وحتى ثورة 25 يناير وأن اختلفت توجهات من جاء بعد عبدالناصر الا انها كلها متفقه على عداء الاسلام وأهله ومن يطالب به فالشيوعية والرأسمالية وجهان لعملة سيئة تختلف الشعارات ويتفق المضمون وما تحالفها واتفاقها لاسقاط حكومة مرسي صاحبة التوجهات الاسلامية الا دليلا على ذلك.
تعديل التعليق