الله يغفر والخطيب لا يريد ان يغفر * ماهر ابو طير

أبو عبد الرحمن
1432/07/16 - 2011/06/18 06:14AM
الله يغفر والخطيب لا يريد ان يغفر

* ماهر ابو طير



تذهب الى صلاة الجمعة،وتتمنى كل اسبوع،لو ان خطيباً يأسر قلبك،او يترك اثراً في وجدانك،فمن الخطيب الذي يزعق غضباً،الى المصلين شبه الغافين،باتت صلاة الجمعة،مجرد عادة،يعود اغلب ممارسيها الى حياتهم دون اي تأثر بمضمون الخطبة!.

تهرب من مسجد الى مسجد،فلا يتغير الحال،ولا تعرف لماذا باتت الصورة النمطية لكثرة من خطباء الجمعة،تقوم على مواصفات محددة من لبس الدشداشة،الى استدعاء التراث القديم،الى التصرف بروحية تقول ان الخطيب فوق الجميع!.

لا تسمع خطبة تناسب العصر،وقد يتحدث الخطيب عن بر الوالدين فيستدعي انموذجاً لشخص يدعى "عكرمة" توفي قبل الف عام كان باراً بوالديه،او عاقاً،وكأن هذا الزمن خلا من القصص التي يمكن تسييلها الى اذهان المصلين بما يتطابق مع عصرهم.

في حالات ُيحدثونك عن الزكاة او الصدقة او الكبائر،وباستثناء النص الشرعي المستند الى القرآن او الحديث،يتم دوماً استدعاء قصص عمرها الف عام واكثر،دلالة على العبر،ولا تعرف لماذا يعود الخطيب دوما الى التاريخ،ولايقف ابداً عند الحاضر؟!.

احياناً يغضب الخطيب لله،بشأن الفساد،فلايبقي كلمة جارحة الا وينزلها بحق النسوة العاريات الفاسدات،وبحق الذكور المتتبعين لعورات النسوة،فيقول كلاماً يعف اللسان عن ذكره،فكيف بمن هو واقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.

هذا بدلا من شرح ضعف البشر وان الخطأ امر طبيعي في حياة الناس،وان الله تواب غفور،وبدلا من الدعاء للناس بالهداية،يتم هتك سمعة كل مخطئ،والله يغفر والخطيب لا يريد ان يغفر،فتحمد الله ان من سيحاسبك هو الله العفو وليس الخطيب ذاته!!.

في حكايات اخرى يقرأ الخطيب خطبته من ورقة بيضاء،وفي حالات ينفلت لسانه دون حساب للوقت او الزمن،عبر السماعة الخارجية،ودون مراعاة لوجود مسن او مريض،ودون حساب لجيران يدرسون او ينامون او يعالجون مريضاً في بيتهم.

مئات الخطباء لا يحملون حتى الثانوية العامة،وآلاف غيرهم،يتم اعدادهم ضمن الحد الادنى،وهناك مساجد بلا خطباء او مؤذنين،وهكذا يتم ترك اخطر وسيلة توجيه في حياتنا،باعتبارها غير مهمة وثانوية في حياة الناس.

المصيبة الكبرى هي في اعتقاد بعض الخطباء ان من حقه ان يعكس "عبقريته الشخصية" سياسياً واجتماعياً،على خطبته،فلو كان كارهاً للمسيحيين فمن حقه قدحهم وتكفيرهم،ولو كان ُمكفراً للشيعة فمن حقه شتمهم،ولعن اباءهم واجدادهم الاوائل.

لو كان مؤيداً لطاعة ولي الامر فمن حقه اقناعنا بذلك،ولو كان ضد طاعة ولي الامر فمن حقه ايضاً اقناعنا بضرورة الثورة والخروج الى الشارع،والمفارقة انك لو استطعت ان تذهب لمسجدين في ذات التوقيت،لسمعت رأيين متعاكسين حول ذات القضية.

ينسى اغلب الخطباء اليوم،ان المصلين اغلبهم من المتعلمين،ويتعاملون مع الكتب ووسائل الاعلام،وثقافتهم في حالات كثيرة تفوق ثقافة وهدير الذين يخطبون،والذين مازالت ُخطب بعضهم وكأننا مازلنا في القرن الخامس الهجري.

لاتستطيع ان تناقش الخطيب ابداً،فهو يخطب ويخطب،وانت تستمع،الى ذاك الذي تحبه،او لا تحبه،تحتمله او لا تحتمله،ولربما اخطر ما في خطيب الجمعة ظنه انه صاحب سلطة عظمى يجول فوق رؤوس الناس،وعليهم ان يصمتوا ويؤّمنوا على كل ما يقول.

لهذه الاسباب يتم تنفير الناس من المساجد،وكأن يداً تريد طردهم،وفي حالات تتأمل فأذ بكثرة سارحة او غافية،لان الخطيب لا يجيد مهمته،ولان انهمار الكلام والزعيق والصوت العالي والقصص التي لا تناسب هذا العصر تؤذي الناس.

مقابل هؤلاء هناك قلة قليلة تفهم دورها وتكسب ثواباً عظيماً بالناس،ولا تملك الا ان تذهب الى خطبتها ولو كانت في آخر الدنيا،ولدينا عدد من الخطباء ممن يأسرون الفؤاد،ويؤثرون على الناس.

قبل ان يرتقي الخطيب الى منبر المصطفى صلى الله عليه وسلم،عليه ان يسأل نفسه السؤال الاهم،هل يكسب ثواباً؟ ام يبوء بإثم تنفير الناس،وهروبهم من المساجد،والاجابة هي في مضمون ما يقولونه والكيفية التي يقدمون بها الكلام.

لو كانت خطبة الجمعة تؤدي دورها،لما وجدنا اغلب المصلين،بعد الصلاة يعودون الى حياتهم التي يمارسونها،وكأن شيئا لم يحدث،المرابي الى حسابه المصرفي،والمراهق الى صديقته،وآكل حقوق الناس الى هوايته،وعاق الوالدين الى عقوقه،وشارب الخمر الى قنينته مساءً.

ما اسهل صعود درجات المنبر، وما اصعب صعود درجات الجنة!.

[email protected]

التاريخ : 17-06-2011
المصدر
وفيه المزيد من المناقشات والمداخلات
المشاهدات 1487 | التعليقات 0