الله جل جلاله للشيخ تركي الميمان

رائد القيسي
1444/02/25 - 2022/09/21 16:08PM

:عناصر الخطبة
1/أعظم الأسماء وأعرفها 2/معنى لفظ الجلالة الله 3/أثر التعلق بالله

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

 

أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللَه وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه كَفَاه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ* وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:2-3].

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ المُقَدَّسَة، بَلْ هُوَ أَعْلَمُ الأَعْلَام، وَأَعْرَفُ المَعَارِفِ عَلَى الإِطْلَاق؛ إِنَّهُ الاِسْمُ العَظِيْم: الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَهُ شَيءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاء: إِنَّهُ اللهُ -جل جلاله-.

 

وَاسْمُ اللهِ مُخْتَصٌّ بِهِ دُوْنَ سِوَاه، لا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُه، وَلِهَذَا صَرَفَ اللهُ عَنْهُ جَبَابِرَةُ الأَرْض؛ فَلَمْ يَجْرُؤْ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَسَمَّى بِه، قال تَعَالَى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم:65]؛ أَيْ "هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا يُسَمَّى اللَّهَ: غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ يُقَالُ لَهُ اللَّهُ: إِلَّا اللَّهُ؟"، قالَ ابْنُ القَيِّم: "جَمِيْعُ أَهْلِ الأَرْضِ؛ يَعْلَمُوْنَ أَنَّ اللهَ اسْمٌ لِرَبِّ العَالمين، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيْكُه؛ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ كُلِّ اسْمٍ وُضِعَ لِكُلِّ مُسَمَّى؛ فَهُوَ اللهُ الَّذِي تَأْلَهُهُ النُّفُوس، وَتُحِبُّهُ القُلُوب، وَتَعْرِفُهُ الفِطَر، وَتُقِرُّ بِهِ العُقُوْل!".

 

وَاسْمُ اللهِ: أَصْلُهُ مِنَ الإِلَه، وَمَعْنَاهُ: ذُو الأُلُوهيّةِ والعُبُوْدِيّة على خَلْقِهِ أَجْمَعِين؛ فَهُوَ المَأْلُوهُ المُعْبُود؛ فَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا الله، (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)[يونس:32].

 

وَاسْمُ اللهِ دَلَّ عَلَى العِبَادَة، وَهِيَ الَّتِي خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ مِنْ أَجْلِهَا، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56].

 

قَدْ هَيَّأُوْكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ *** فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَلِ

 

وَاسْمُ اللهِ -جل جلاله- أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ؛ وَجَمِيْعُ الصفاتِ والأَسْمَاءِ مَرَدُّهَا إِلَى هَذَا الاِسْم؛ وَهُوَ الجَامِعُ لِجَمِيعِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، والصِّفَاتِ العُلَى؛ قالَ تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8].

 

وَلا تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إِلا بِالله، وَلَا تَسْكُنُ النُّفُوسُ إلَّا إلَى الله، (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].

 

وَمَنْ حُرِمَ قَلْبُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الله، وَلِسَانُهُ عَنْ ذِكْرِهِ؛ صَارَ في حُكْمِ الأَمْوَات، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ"(رواه البخاري، ومسلم). 

 

والْعِبَادُ مَفْطُوْرُوْنَ بِالتَّوَجّهِ إِلَى الله؛ فَهُوَ المُنْقِذُ لِلْخَلَائِقِ، وَالمَلْجَأُ في المَضَائِق! وَهُوَ مَصْدَرُ النِّعْمَة، والمَفْزَعُ في الكُرْبَة! قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل:53].

 

وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ تَوْحِيدِهِ وَاسْتِغْفَاره حَصَلَتْ لَهُ السَّعَادَة، وَزَالَت عَنْهُ الكآبة! (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)[محمد:19].

 

وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِالله أَشَدُّهُمْ حُبًّا لَه، وَكُلُّ مَحَبَّةٍ لِغَيْرِ الله؛ فَهِيَ بَاطِلَةٌ زَائِلَة.

 

وَعَلامَةُ الإِيْمَان أَنْ يَكُوْنَ حُبُّ اللهِ أَعْظَمَ مِنْ حُبِّ كُلِّ شَيء، (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لله)[البقرة:165].

 

والْعُقُولُ تحَارُ فِي بِحَارِ عَظمَةِ الله، قالَ ابْنُ الجَوْزِي: "مَنْ تَفَكَّرَ في عَظَمَةِ اللهِ: طَاشَ عَقْلُه! لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ مَوْجُوْدًا لا أَوَّلَ لِوُجُوْدِه! وَهَذَا شَيءٌ لا يَعْرِفُهُ الحِسُّ؛ وَإِنَّمَا يُقِرُّ بِهِ العَقْلُ ضَرُوْرَة".

 

والوَاثِقُ بِالله؛ مَنْ الْتَجَأْ إِلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَنَدَ إلى غَيْرِ ذِي العِزَّة: اِزْدَادَ ذُلَّاً وَخَيْبَة، قالَ تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)[الجن: 6]، قالَ ابنُ تَيْمِيَّة: "مَا رَجَا أَحَدٌ مَخْلُوقًا أَوْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ؛ إلَّا خَابَ ظَنُّهُ فِيهِ!".

 

وَاسْمُ اللهِ؛ تُكْشَفُ بِهِ الكُرُبَات، وَتَسْتَنْزِلُ بِهِ البَرَكَات، وَتُجَابُ بِهِ الدَّعَوَات! (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180].

 

والقَلْبُ لا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِخَالِقِهِ -جل جلاله-: مَحَبَّةً وَرَجَاءً وَخَوْفًا؛ وَإِلَّا تَمَزَّقَ وَتَشَتَّت، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)[الأنبياء:22]، قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَكَمَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ لَوْ كانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ غَيْره: لَفَسَدَتَا؛ فَكَذَلِكَ القَلْبُ إِذَا كانَ فِيْهِ مَعْبُودٌ غَيرُ الله: فَسَدَ فَسَادًا لا يُرْجَى صَلَاحُه، إِلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ المَعْبُوْد مِنْ قَلْبِه، وَيَكُوْن اللهُ وَحْدَهُ: إِلَهَهُ وَمَعْبُوْدَهُ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْجُوْه!".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

أَمَّا بَعْدُ: مَنْ بَاعَ نَفْسَهُ لِلَّهَ؛ رَبِحَ الدُّنْيَا والآخِرَة، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُشْتَرِي. وَالثَّمَنُ: جَنَّاتُ النَّعِيمِ، وَالْفَوْزُ بِرِضَى الله، وَالتَّمَتُّعُ بِرُؤْيَتِهِ هُنَاكَ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)[التوبة:111].

 

فَإِذَا اسْتَغْنَى النَّاسُ بِالدُّنْيَا فَاسْتَغْنِ أَنْتَ بِالله، وَإِذَا فَرِحُوا بِالدُّنْيا: فَافْرَحْ أَنْتَ بِالله! وَإِذَا أَنِسُوْا بِأَحْبَابِهِمْ: فَاجْعَلْ أُنْسَكَ بِالله! وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى الله: لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَد، (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الحج:18].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

1663765756_الله جل جلاله.docx

المشاهدات 510 | التعليقات 0