الله الستير
أبوزيد السيد عبد السلام رزق الأزهري
الله الستير
للشيخ أبوزيد السيد عبد السلام رزق
الحمدُ للهِ قَضَي فَأسْقَمَ الصحيحَ وعافيَ السقيمَ ، قَسمَ عِبادَهُ قِسمينِ طائعٌ وأثيم فمنهم منْ أطَاعَهُ فكانَ منْ الطائِعينَ الفائِزين ، ومِنهُم منْ عَصَاهُ فكانَ منْ العاصينَ الخَاسِرين ، ومنهم منْ ترددَ بينَ الأمرينِ وإنماَ الأعمالُ بالخواتيمِ خرجِ موسي عليهِ السلامُ خائفاً يترقبُ فعادَ لأهلهِ وهوَ الكليمُ وذهبَ ذوُ النونِ مغاضباً فالتقمهُ الحوتُ وهو مليِم وعاشَ محمدُ صليَ الله ُعليه وسلم يتيماً فكانَ الفضلُ لذلكَ اليتِيم ، وكلُ ذلكَ بتقديرِ العزيزِ العليمِ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شيءَ يُعْجزَهُ ، ولا إلهَ غيرُه ، أولٌ بلاَ إبتداء دائمٌ بلا َانتهاء لايفنيَ ولا يبيدُ،ولا يكونُ إلا مايريد ، لا تبلغهُ الأوهامُ ،ولا تدركهُ الأفهامُ ولا يشبهُ الأنامَ ، حييُ لا يموتُ قيومُ لا ينامُ ، وأشهدُ أنَ محمداً عبدهُ ورسولهُ وصفيهُ منْ خلقهِ وحبيبهُ وخليِلُه صليَ عليهِ بارئُ العبادِ ما جرتِ الأقلامُ بالمدادِ ، وما أمطرتْ سُحْبِ وسالَ وادِ وأهلهِ وصحبهِ ومنْ سَلَكْ سَبِيلُهُمْ ماَ دارَ نجمُ فيِ فَلَكْ ثُمَ أمَا بعد :
الله تعالى ستير يحب الستر : الستير سبحانه هو الذي يحب الستر ويبغض القبائح، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عَظُمَت طالما أن عبده من الموحدين، وإذا ستر الله عبدًا في الدنيا ستره يوم القيامة ..
معنى الستيـــر في حق الله تعالى : يقول البيهقي "ستيــر: يعني أنه ساتِرٌ يستر على عباده كثيرًا، ولا يفضحهم في المشاهد. كذلك يحبُّ من عباده السَّتر على أنفسهم، واجتناب ما يَشينهم، والله أعلم" قال المناوي "ستيــر، أي: تاركٌ لحب القبائح، ساتر للعيوب والفضائح"
النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الستر : كان النبي صلي الله عليه وسلم أعرفَ الناس بالله تعالي وكان كثير الدعاء فعن ابن عمر قال: لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" [رواه أبو داوود وصححه الألباني (5074)] فاللهُ عز وجل هو الستير يستر العورة والسوأة ويستر كلَ ما يسوئك ولا تُحبُ أن يراهُ الناسُ منك ،فلا يمكنُ أن تُسترَ سوءَةَ عبدٍ إلا به ، عن عطاء عن يعلى: أن رسول الله رأى رجلاً يغتسل بالبراز (أي: بالخلاء) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ" [رواه النسائي وصححه الألباني، صحيح الجامع (1756)] ، أي أن الله عز وجل ستير سُبحَانَهُ وَتَعَالى يحب الستر، ويحب أن يستر على العباد وألا تكشف أمورهم ولا يفضح ما أسروه؛ لأنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يحب أن يضع كنفه وستره على العباد.فالمستورُ من سترهُ اللهُ تعالي ، والمفضوحُ من تولي عنهُ وخذلَهُ ، فكل عبد ظهرت عورتُه وفضحَ بين الخلقِ ما كانَ ذلكَ ليحدثْ إلا لما تخلي اللهُ تعالي عنهُ ،ولذلك أنعم الله تعالي علي بني أدم بالستر لعورتهم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا}، أَيْ خَلَقْنَا لَكُمْ مَا تَلْبَسُونَ مِنْ الثِّيَابِ. يُوَارِي سَوْآتِكُمْ أَيْ يَسْتُرُ عَوْرَاتِكُمْ وَسُمِّيَتْ الْعَوْرَةُ سَوْأَة؛ لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا انْكِشَافُهَا مِنْ جَسَدِهِ. اللباس الثاني معنوي وهو لباس التقوي وَإِنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى خَيْرٌ مِنْ الرِّيَاشِ وَاللِّبَاسِ
والله تعالي لحبه السَّتْر أمر المرأة بالحجاب لتستر نفسها قال الله تعالي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتِك وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }فالله تعالي يُحبُ المرأةَ المستورة علشان كده أهل العلم بالإجماع قالوا أن تغطية الوجه مستحبه والخلاف في الفرضية فالأولي لها ذلك والله تعالي يحب منها ذلك أن تستر جميع بدنها ، وألا يراها إلا زوجُها ومحارمها ،ونهي النبي المرأة أن تخلع ثيابها في غير بيت زوجها كما يحدث في الشواطيء وفي الحمامات المغربية وغرف المساج وغير ذلك لأن فيها كشف للعورات لذا أخرج بن ماجه في سننه بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ أَهَلْ حِمْصَ اسْتَأْذَنَّ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لَعَلَّكُنَّ مِنْ اللَّوَاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ " ومن صفات المرأة المؤمنة أن تستر عيوب زوجها وأن لا تظهر للناس أسوأ ما فيه قال شريح القاضي لزوجته لما دخل بها مارأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها ، وستر العيوب من صفات المرأة الصالحة ؛ ولذا فسر بعض العلماء قول الله تعالى: حافظات للغيب بما حفظ الله. أي: اللاتي لا يكشفن أسرار أزواجهن. يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: " إنّ مِنْ شَرِّ الناسِ عِنْدَ الله مَنْزلَةً يَوْمَ القِيامَةِ الرجُلَ يفضِي إلى امْرَأَتِهِ وتُفْضِي إلَيْهِ ثمَّ يَنْشُرُ سِرَّها ".وأخرج النسائي بسند صححه الألباني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِىَ لاَ تَسْتَغْنِى عَنْهُ » وفي مسند الإمام أحمد بسند صححه الألباني عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ »
ومن الستر أن لا تنعت المرأة امرأة أخرى لزوجها .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا" [متفق عليه] .. وهذا للأسف ينتشر بين المسلمات حتى المتدينات منهن، وينبغي أن لا تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها ،قال رسول الله "هل منكم رجل إذ أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله"، قالوا: نعم، قال "ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا فعلت كذا"، فسكتوا .. ثم أقبل على النساء فقال "هل منكن من تحدث؟"، فسكتن .. فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون وإنهن ليحدثن، فقال "هل تدرون ما مثل ذلك؟، إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة فقضى حاجته والناس ينظرون إليه، ألا إن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه .." [رواه أبو داوود وصححه الألباني، صحيح الجامع (7037).
والله تعالي لحبه السَّتْر يستر علي عبده حال تلبسه بالمعصية ومع ذلك يُلقي اللهُ عليه الكنف والستر فلا يفضح إلا إذا شاء هو، ولحب الله تعالي الستر الأحب إلي الله لمن أبتلي بالمعصية ألا يفضح نفسه وليستتر بستر الله والأولي ألا يذهب إلي الحاكم ويقول فعلت وفعلت ، وكان من أبغض الناس إلي الله تعالي هؤلاء المجاهرين في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ " فمثل هذا لا يغفر الله تعالي له لأنه فضح نفسه بنفسه ،لكن هذا الستر من الله للعاصي له حد فحينما يتمادي العبد في معصية الله تعالي قد يفضحه الله تعالي من حيث لا يدري قال عثمان بن عفان رضي الله تعالي عنه " من عمل عملاً ألبسهُ اللهُ ردائَهُ إن خيرا فخير وإن شرا فشر، سيظهر هذا العمل رغم أنفه علي فلتاتِ لسانه وكلامِه ومصداقُ ذلك قول الله تعالي { والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال سليمانُ التيميُّ:إنَّ الرجل لَيُصيب الذنبَ في السرِّ فيصبح وعليه مذلتُه. وقال غيره:إنَّ العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبينَ الله ، ثم يجيءُ إلى إخوانه ، فيرون أَثَرَ ذلك عليه ،ومِنْ أعجب ما رُوي في هذا ما رُوي عن أبي جعفر السائح قال:كان حبيبٌ أبو محمد تاجرًا يَكْرِي الدراهمَ ، فمرَّ ذات يوم ، فإذا هو بصبيان يلعبون ، فقال بعضهم لبعض:قد جاء آكِلُ الربا ، فنكس رأسه ، وقال:يا ربِّ ، أفشيت سرِّي إلى الصبيان ، فرجع فجمع ماله كُلَّه ، وقال:يا ربِّ إنِّي أسيرٌ ، وإني قد اشتريتُ نفسي منك بهذا المال فاعتقني ، فلما أصبح ، تصدَّق بالمال كلّه وأخذ في العبادة. ثم مرَّ ذات يوم بأولئك الصبيان ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض:اسكتوا فقد جاء حبيبٌ العابد ، فبكى وقال:يا ربّ أنتَ تذمّ مرَّةً وتحمد مرَّةً ، وكله من عندك
قال ابن القيم رحمه الله في "نونيته" :
وهو الحيي فليس يفضح عبده ***** عند التجاهر منه بالعصيان
لـكنه يـلـقي عليه ستره ***** فهو الستير وصاحب الغفران
أما سَتْرُ الله لعبده يوم القيامة فالناس علي قسمين مستور ومفضوح فأما المستور فهو المؤمن وأما المفضوح فهو الكافر والمنافق في صحيح مسلم عن ابن عُمَرَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ " أي فلا يُعلم الخلائقَ بذنوبهِ مليارات البشر في ساحة المحشر والله تعالي يلقي ستره علي عبده وَيَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ " وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ وَيَقُولُ لَهُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بيمينهِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ » يوم القيامة يوم عصيب أُحضرَ الكتابُ والأشهادِ. وشهدَ الأعضاءُ والجوارح، وبدت السوءاتُ والفضائح، وابتليت هنالك السرائرُ، وانكشفَ المخفيُ في الضمائر. ستجد عبد كان مرائيا يُحبُ أن يُري الناس صلاته وصدقته وعبادته كان يريد أن يتحدث الناس بعبادته كان هذا قصدُه يوم القيامة لله تعالي يُسمعْ الناس فضائحه قال النبي صلي الله عليه وسلم مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ " وقال صلي الله عليه وسلم " من قام برجل مسلم مقام رياء وسمعة فإن الله يقوم به مقام رياء وسمعة يوم القيامة " ليس هذا فحسب ستجد في أرض المحشر بشر زي زيك كده وحجمه قد النمله كأمثال الذر فضائح سبحان الله اليس هذا فلان كيف أصبح كذلك مكتبر الله تعالي يمسخهُ في هذه الصورة تطؤهُ الخلائق بأقدامها في مسند الإمام أحمد بسند حسنه الألباني عَنْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قَالَ : « يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، يُسَاقُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ، إِلَى سِجْنٍ يُسَمَّى بُولَسُ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ » وستجد في أرض المحشر من يمشي بين الخلائق وله لسانين من النار والعياذ بالله قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " وقال " مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ " فهولاء جميعا غرهم حلم الله تعالي عليهم في الدنيا فتمادوا حتي كانت الفضيحة ،
السبيلُ إلي سَتْرِ الله تعالي
أن تكون عبدا مؤمنا أهلا لستر الله تعالي وألا تهتك ستر أحد في صحيح مسلم عنأَبي هريرة -رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لاَ يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرهُ الله يَوْمَ الْقيامَةِ" و يقولُ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( من ستر مؤمناً في الدنيا على عورةٍ ، ستره الله - عز وجل - يوم القيامة ) وفي المقابل روي البيهقي في السنن الكبري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي بُيُوتِهَا ، أَوْ قَالَ فِي خُدُورِهَا ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ ، لاَ تَغْتَأبو أ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ.وفي رواية أحمد قال بن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم وقد رويَ عن بعض السَّلف أنَّه قال : أدركتُ قوماً لم يكن لهم عيوبٌ ، فذكروا عيوبَ الناس ، فذكر الناسُ لهم عيوباً ، وأدركتُ أقواماً كانت لهم عيوبٌ ،فكفُّوا عن عُيوب الناس ، فنُسِيَت عيوبهم .
طوبي لمن شُغل بعيوبه عن عيوب الناس ، إذا أذنبت لا تحدث بذنبك أحد وتب إلي ربك والجأ إلي الصلاة فقد أخرج الترمذي بسند حسن عَنْ أَبِي الْيَسَرِ قَالَ أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا فَقُلْتُ إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ فَدَخَلَتْ مَعِي فِي الْبَيْتِ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ وَأَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِلَى قَوْلِهِ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ قَالَ أَبُو الْيَسَرِ فَأَتَيْتُهُ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً " فإذا تاب العبد أنسي الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه وستره في الدنيا والآخرة عَنْ مَيْمُوْنٍ قَالَ: "مَنْ أَسَاءَ سِرّاً، فَلْيَتُبْ سِرّاً، وَمَنْ أَسَاءَ عَلاَنِيَةً، فَلْيَتُبْ عَلاَنِيَةً ..فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُوْنَ وَلاَ يَغْفِرُوْنَ، وَالله يَغْفِرُ وَلاَ يُعَيِّرُ" [سير أعلام النبلاء ].
الصدقة من أسباب الستر وأن يحجبك الله تعالى عن النار عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ" [صحيح مسلم]
ستر المسلم عند تغسيله من أسباب الستر قال رسول الله "من غسل ميتًا فستره، ستره الله من الذنوب. ومن كفنه، كساه الله من السندس" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6403)].
الإحســان إلى البنــات من أسباب الستر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ "مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ" [متفق عليه]
تأدية حق الله في المال من أسباب الستر فإذا أديت حق الله في مالك، سترك الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله "قَالَ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ؛ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ .. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ .." [رواه مسلم] .
كظم الغيظ والغضب من أسباب الستر قال رسول الله ".. ومن كف غضبه ستر الله عورته .." [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني، صحيح الجامع (176)] ، هذه بعض أسباب الفوز بستر الله جلَّ وعلا عليك .. ومن يشمله بستره، فقد فاز بمحبة الله عزَّ وجلَّ ..سترنا الله وإياكم في الدنيــا والآخرة ، هذا وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .