اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن

إخوة الإيمان والعقيدة ... إن من المقرر في شريعتنا أن النبي ﷺ قد نصح لهذه الأمة وتركها على المحجة البيضاء، فما من خير إلا دلّها عليه، وما من شر إلا حذرها منه.

واعلموا ... أن هذه الأمة في آخرها ستتعرض لطوفان من الفتن والابتلاءات وألوانٍ من المحن والمدلهمات, فتنٌ من استشرف لها استشرفته وابتلعته, فتنٌ تطيش بسببها عقول العقلاء, وتضطرب معها قلوب ذوي الألباب، فتنٌ تموج أعاصيرُها موج البحار فتتغير فيها المفاهيم، وتنقلب الحقائق, ويتعملق الأقزام, وتنطق الرويبضة. كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنادى منادي رسول الله ﷺ ( الصلاة جامعة ) فاجتمع الأصحاب حول الرسول ﷺ فخطبهم خطبةً عظيمة، وقال ( وإِنَّ أمتَكم هذِهِ جُعِلَ عافيتُها في أوَّلِها، وسيُصيبُ آخِرَها بلاءٌ شديدٌ، وأمورٌ تٌنْكِرونَها، وتجيءُ فِتَنٌ، فيُرَقِّقُ بعضُها بعضًا ، وتجيءُ الفتنةُ، فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تنكشِفُ، وتِجيءُ الفتنةُ، فيقولُ المؤمِنُ : هذهِ هذِهِ )

وقال ﷺ (سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ ، و يُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ، و يُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ ، و يُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ ، و يَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ . قيل : و ما الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قال : الرجلُ التَّافِهُ ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ ).

عباد الله ... إن الخوف من الفتن وردها والتحذير من ويلاتها سنةٌ سابقةٌ لسادات هذه الأمة وسلفها الصالح، فها هو الخبير بشأن الفتنِ وأبوابِها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحدٌ إلا نسفته كما ينسف السيل الدِمْـن.

إن الحديث عن الفتن وتوصيفها ليتأكد في هذا العصر الذي ماجت فيه الفتن من كل صوب، حتى غدا كثيرٌ من الناس - إلا من رحم ربي - حيال هذه الفتن كالورق اليابس تُصرِّمهم رياحُ الشهوات وأعاصيرُ الشبهات يمنةً ويسرةً فضــلاً عن الفتن العظام التي حلت بالأمة من ضرب الذل عليها وتدنيس مقدساتها على يدِ أنذل الخلق وأجبن الخليقة، ناهيكم عن تمالئ عبَّادُ الصليب مع أحفادِ المجوس على عراق الإسلام وسوريا الشام واليمن العريق، ولا زالت حلقاتُ كيد الأعداء ومكرهم الكبُّـار مستمرةٌ في كثير من البلدان الإسلامية يبغون فيهم الفتنة والتبعية والذل والصغار، فمعرفة هذه الفتن وحقيقتها، والعلم بها وفِقْهُ الخلاص منها مطلب شرعي لأهل الإيمان، فإن الغفلة عن أبواب الفتن ربما كان سبباً في السقوط فيها والسعي إليها.

عباد الله ... إن هذه الفتن جزءٌ من سنن الله تعالى التي قدرها على عباده ليتبين الصادق من الكاذب، قال الله تعالى ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ).

وإذا كان أمر الفتن واقعٌ قدراً لا محالة فإن الاستعداد لها بالعلم والعمل مطلب شرعي، قال رسول الله ﷺ ( بادِروا بالأعمالِ، فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يُمسي مؤمِنًا ويُصبِحُ كافرًا، يبيعُ دِينَه بعرَضٍ مِن الدُّنيا ) ولذا .. فإن الذين يثبتون في الفتن هم أصحاب الأرصدة السابقة من العلم الشرعي والأعمال الصالحة، وما نُجيَ يوسف عليه السلام من أعظم فتنة - فتنة النساء - إلا لِما معه من درجات التقوى والإيمان السابق والعمل الصالح الذي عصمه من تلك الفتنة (كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ).

أن من أعظم أسباب وجود الفتن المتنوعة هو مخالفة أمر الرسول ﷺ قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه ما نزل بلاء إلا بذنب. وأصدق منه قول المولى جل وعلا ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ).

فواجب على الأمة أن رامت كشف الفتنة وقشع الغمة أن ترجع منهاج النبوة وأن تمتثل أمر نبيها على مستوى العامة والخاصة ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) وقال تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ).

عباد الله ... إن هذه الفتن والبلايا إنما هي في الحقيقة امتحان من الله لعباده ، ففي الضراء والمحن , ومع طنين الشهوات ورنين الشبهات تمتحن معادن القلوب فيتكشف للجميع القلوب المؤمنة من القلوب التي فيها مرض، ولذا عقب الله آية البلاء بقوله ( وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) ففي الفتن تمتحن المشاعر والعواطف، فهذا بارد الإحساس عديم المشاعر، وآخر مشاعره متوهجة وعاطفته تغلي غيرة على الدين ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ففي الفتن تبرز الردة , وتميع القضايا الثابتة , ويرخص أمر الدين , وتتغير المسلَّمات.

فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ( اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبَنا على طاعتك )

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اجتبى.

معاشر المؤمنين ... من علامات السعادة وأسباب الفلاح أن يسلم العبد من الفتن، ومن نجا من الفتنة في زمانها فقد نجا من عظيمه، يقول ﷺ ( إنَّ السعيدَ لمن جُنِّبَ الفِتَنَ ) قالها ثلاثاً. ولذا كان ﷺ وهو المؤيد من ربه دائماً ما يستعيذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن. فما أحوج العبد المسلم أن يجأر إلى ربه بمثل هذه الدعوات، علّ رحمةً من ربه تصيبه فيجنبه من ظلمات الفتن، أو يسلِّمـــه منها إذا اشتد تمحيصها.

فإذا أظلت الفتنة وادلهمت الخطوب على الأمة وازداد اشتباك المصائب فالواجب الفزع إلى الله تعالى والانكسار بين يديه وإعلان التوبة الصادقة ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ).

ومما يستعان به في زمن الفتن ويكون تسليةً لأهل الإيمان مع صدمات المحن والفتن: التحلي بالصبــر والمصابرة لأن هذه الفتن جزءٌ من أقدار الله المؤلمة، قال ﷺ ( إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا ، يا نبيَّ اللهِ أو منهم ؟ قال ، بل منْكم ).

ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، واحرصوا على ثبيت الإيمان في قلوبكم، واحذروا من الفتن ومضلاتها، اعتصموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون ... اعلموا ! أن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، قد أمر بإقامة صلاة الاستسقاء يوم الاثنين القادم، فأحيُوا سنة نبيكم ﷺ طاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر.

هذا وصلوا وسلموا على الناصح لأمته المشفق عليهم من الفتن ﷺ اتباعًا لأمر الله ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).

 

المشاهدات 20879 | التعليقات 0