اللهم اجعلني مع صاحب النقب

أبو محمد الغامدي
1437/05/17 - 2016/02/26 04:34AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة. ثم أما بعد:أما بعد,

أما بعد, عباد الله.
في سير العبد إلى الله عز وجل, يحتاج إلى بصيرة, ويحتاج أن يعرف كيف يسير, أن يعلم المبتدى والمنتهى, وأن يعلم أن على جنبتي الطريق قطاع طرق, قد يحيلون بينه وبين الوصول, وإن من أعظم البلايا, وأشد الرزايا, أن يبتلى العبد بغفلة, تحيل بينه وبين الله عز وجل, وتحيل بينه وبين معرفة الطريق, وتحيل بينه وبين الوصول إلى قطاع الطريق, فإذا بهذه الغفلة حالت بين العبد, وبين الاستمرار فيما أراد الله له, ألا وهو العبادة..
والعبادة عباد الله لها منتهى ولها بداية, والمنتهى الثمرة, والبداية إتقان العمل, ولو نظرنا إلى حال غالب المسلمين, ربما لا ينظرون إلى البداية, إنما ينظرون إلى المنتهى, إلى الثمرة, فنرى أن غالب الخالق ينظرون وينتظرون, ما لهم عند الله عز وجل, ويغفلون أو يتغافلون ما لله عز وجل عليهم..
ومن ثم نرى أن غالب الخلق أتقنوا الأمنية, وتسالهوا في العمل, ومن ثم عظمت الغفلة على القلوب, وحيل بين العبد وبين علام الغيوب, وإذا بالعمر مضى, وإذا بالحياة قد انقضت, وإذا بالعبد قد خرج من الدنيا بلا زاد, خرج صفر اليدين, وهو موقن بل على يقين أن له عند الله عز وجل الكثير, وبينما هو عند أول سكرة, من سكرات الموت, وبينما هو يعين أنه من الدنيا حتماً خارج, وأن دنياه قد ولت, وما كان فيها إلا لحظة نوم, ثم أفاق.{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ))[ق/22].
عاين الحقيقة, علم البداية, وعلم النهاية, وعلم أنه ما انشغل إلا بالنهاية, وأن البدابة كانت أماني, ظل يتمنى ويتمنى, ويؤمل ويؤمل, حتى جاءت النهاية, فإذا هو بلا زاد, ولذلك نرى أن من سبق ما نظروا إلى الثمرة قط, كانوا يؤملون, ويرجون الله عز وجل الجنة, هذا على سبيل الرجاء, وعلى سبيل التضرع والطلب والغوث من الله عز وجل, ولكن ما انشغلوا بها قط, إنما أتقنوا العمل وعظموه, وعلموا إن أخذهم الله عز وجل بأصغر ذنب, أكبهم على وجوههم في النار, وأن الطاعات مهما أتقنها صاحبها, ومهما علت وتعالت, قد يأتي بعض الرئاء, فيفسد عليه العمل..
ولذلك كان السلف رضي الله عنهم, يحبون أن يكون للعبد خبيئة, أن يحسن العمل, وأن يتقنه, ولا ينشغل بالثمرة, إذ الأعمال بالخواتيم,والخواتيم مغيبة, وأنك إذا أحسنت البداية, أحسن الله لك النهاية, لآن لك رب كريم جواد رحيم بك, أرحم من نفسك لنفسك, فهذه الرحمة, لا تكون إلا بجهد منك, واقتناع تام أنك عبد فقير ذليل لملك قوي جبار, أمرك بأوامر ,ماذا أديت منها؟ ونهاك عن نواهي, ماذا اجتنبت منها؟ ثم بعد إتقان العمل, أنت تعظم الذل, وتعظم الرجاء, وتستغيث بالله عز وجل أن يتقبلك في عباده الصالحين, وأن يحسن لك النهاية..
أيها الأحباب قال الذهبي: في السير وهو يترجم لبعض الفضلاء, قال وقد اطلعنا على جمل من أقوال السلف, فكل كان يقول: يستحب للعبد أن تكون له حبيئة, أن تكون له خبيئة عند الله عز وجل من عمل صالح..
وذكر وكيع, وجماعة أيضاً, أن من مضى كان لكل منهم خبيئة, ربما لم يطلع عليها أحد من الخلق, حتى الزوجة, وأقرب الناس إليه, وهذه الخبيئة لا تكون إلا من عبد أتقن البداية, وحسن العمل, وعلم أنه بين يدي رحمة الله عز وجل, وأن رحمة الله سبحانه وتعالى قريب من المحسنين, وأن من أساء فهو على شفى جرف هار, فكيف بمن تغافل أو غفل عن أمر الله عز وجل بالكلية, نعم كلنا ضعفاء, كلنا أصحاب عجر وتفريط, ولكن من عظم الذل, وعظم الاستغاثة, وأتقن العمل على قدر جهده, أعطاه الله عز وجل من تأمل, كانوا يتقنون العمل من البدابة إلى النهاية, سواء كان هذا من أمر الله عز وجل أو من نهيه, فكانوا أقرب الخلق إلى الله عز وجل عند قرع السمع أن هناك أمر لله, ما تغافلوا قط عن أمر الله عز جل, لما قرأوا ما بين دفتي الكتاب, أعني كتاب الله عز وجل, ما أخذوه أخذ مترنم, أخذ من يشرف أسماعة بطرب كلام الله عز وجل فقط,لا بل كان هذا الطرب, وها التشريف, هو سببٌ في قبول أمر الله عز وجل, حينما قرع الأسماع, حينما وصل أمر الله عز وجل إلى الأذن إستقر في القلب, فأطلق القلب أمره بإتيان الفعل, كان الأمر على الفورية, ليس هناك تخير, حينما أحب العبد ربه, وعلم علم اليقين أن هذا هو كلامه, تعاملوا مع كلام الرب أنه أمر, يلزم فيه التسليم }}((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء/65].
مهما كان الأمر فيه غصة, لضعف القلب, أو لقلة الزاد, إلا أنهم كانوا يزاحمون, ويتزاحمون على أبواب الطاعات, مهما كان هناك في النهي من حب ورغب وطلب, إلا أنهم كانوا يبتعدون مهما كان لهذا النهي في القلب من منزل أو مكانة, علم من سبق موضع القدم, فساروا إلى الله عز وجل بلا تعثر, ولما خيمت الغفلة على القلوب, غويا أكثر العباد, فلا يعرفون موضع قدم إلى الله عز وجل, ولا يعرفون موضع نهي من هذا الذي نهى عنه الله عز وجل, هذه الغفلة حالت بين كثير من المسلمين وبين الواقع الذي يعيشون فيه..
لما خلق الإله عز وجل؟؟ سؤال يجب على كل مسلم, أن يسأله النفس..
لما خلقني الله عز وجل؟
ماذا كلفني ربي من أوامر يجب إتيانها ومن نواهي يجب أن نبتعد عنها؟
هل يظن العبد أنه خلق سدى!! لا والله, ما خلقت إلا لأمر عظيم, أراده الله عز وجل لك, باها بك الخلق من ملائكته فما دونهم, فأنت عند الله عز وجل مكرم, وأنت عند الله عز وجل مشرف, فكونك ترعى مع الهمل, وتنزل إلى الدون, ولا ترضى أن تضع نفسك في الموضع الذي أراده الله لك..
أين عقلك؟ أين عقلك؟ ما الذي حال بين العقل وبين الوصول إلى الأمر حتى يأدى كما أراد الملك؟ ما الذي حال بين العقل وبين أن يقف أمام النهي الذي حرمه الله عز وجل ولا يتقدم خطوة؟.
أيها الأحباب, إن الأمر في غاية الفظاظة, حينما نرى أن الغالب تغافل, وغفل عن أمر الله عز وجل, وإن الغالب رتع في حرمات الله, إلا من رحم ربي..
لماذا؟ ما هو العلاج؟ حينما أضع قدمي على أول خطوة من الطاعة, أرى قطاع طرق حالوا بيني وبين السير, ما التفت حولي إلا ورأيت من يحيل بيني وبين أمر الله عز وجل, ما التفت حولى إلا وهناك من يجذبني جذباً لما حرم ربي سبحانه وتعالى..
ما هو السبيل؟ ما هو السبيل؟.
قال الذهبي: كان من سلف يستحبون أو يحبون أن يكون للرجل خبيئة, يعلم بها حاله مع نفسه, وحاله مع ربه..
لماذا الخبيئة؟ وما هي الخبيئة؟ الخبيئة إتيان عمل صالح من أعالى الأمور, لا يعلم به أحد قط إلا الله, أو أن تترك أمراً عظيماً, غلبت عليه نفسك قد حرمه الله عز وجل, وما تركته إلا لله سبحانه وتعالى, وقد خلوت, وما اطلع عليك أحد, ((خبيئة)) العلة أن غالب الخلق, ربما لا يصلوا إلى هذه الخبيئة, أولها حجاب الغفلة, الذي حال بين غالب القلوب وبين علام الغيوب, ظن الغالب أن الله عز وجل لا يراه, أو لا يسمعه, بل ربما غلَّب الظن, فأيقن أن الله لا يعلم كثير من نجواه, أو لا يعلم عنها شيئاً قط, وهذا من أسوء الظن بالله عز وجل, فكانت الخبيئة, أن يجاهد العبد نفسه, وأن يعلو بقدره في نفسه عند ربه, بإتيان الطاعات والقربات, يرى أن هذه طاعة, ولكنه لا يصبر على إخفائها, فلا يزال يقاوم ويقاوم, ولكنه لا يستطيع لعظم الطاعة, ولكثرة قطاع الطرق, فيمسي من الليل قائماً مستغفراً تاليا لكتاب الله عز وجل, فيأتي الصباح ويشعر في نفسه بنخوة, وبعلو ثم لا يصبر, حتى يخبر أو يعرض لمن معه, ما أطول الليل البارحة, أو ما أحلاه, وما أجمله, والله ما تشفيت من قيام الليل البارحة, ولا يزال يصرح ويعرض, حتى يحبط العمل, قرأ القرآن, واجتهد في القراءة, وإذ بالقرآن في قلبه له لذة, وله حلاوة, ولكنه لا يصبر, فإذا هو يلقى صاحباً له, ويقول سبحانه الله, ما رأيت أجمل ولا أحلى ولا أطيب من كلام لله عز وجل, حتى عطل عملي, وأغلقت دكاني, وإذا بي قد عكفت البارحة, أو قبل البارحة, حتى قرأت كذا وكذا من القرآن..
ولا يزال قطاع الطرق يسلبون من العبد كل طاعة, صغرت أم عظمت, فإذا هو بعد أن كان لا هو من الأتقياء, ولا من الأشقياء, صار شقيا, بأنه رائى بأجل الطاعات, وأقرب القربات, رائى بها أتفه خلق الله عز وجل..
أسمعتم عن الأشقياء الثلاثة, الأشقياء الثلاثة أقوام أدوا أعظم الأعمال, ووصلوا إلى أقرب القربات, قاموا لله عز وجل قومة من البداية إلى النهاية, ولكنهم ما استطاعوا أن يخلصوا هذه الأعمال كاملة لله عز وجل, فإذا بقطاع الطرق يسلبون منهم الأمر بين الفينة والفينة, بل على حين غرة منهم, فإذا بالعمل بعد أن كان لله عز وجل تحول العمل كله لغير الله.
روى الإمام مسلم عن أبي هريره رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول ما تسعر النار بثلاثة بعالم ومنفق وشهيد, فيأتى بالعالم فيعرفه الله عز وجل نعمه, وكما ذكرت آنفاً, بأن العبد إن أراد أن يسير إلى الله عز وجل, ولآبد أن ينشغل بإصلاح العمل, وأن يترك الثمرة, لأن الثمرة بيدي الله عز وجل ((يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ))[العنكبوت/21].
بيده سبحانه وتعالى الأمر من قبل ومن بعد, فإذا به قد جيء به يوم القيامة, فعرفه الله نعمه, ولآبد للعبد أمام هذه الجزئية, أن يعلم أنك مهما قدمت من طاعات وقربات, حتى لو أنك سجدت لله سجدة إلى أن تموت, والله الذي لا إله غيره لا تساوي أو لا تعدل جزء ذرة من نعم الله عز وجل فيك, لا أقول حولك, فيك.
كم فيك من نعم؟ ما أديت معشار معشار شكر الله عز وجل على هذه النعم, أو هذه النعمة, فجيء به فعرفه الله نعمه.
ماذا عملت؟ إنه أدى.
كم علم, كم وعظ, كم ذكر, كم قرأ, كم أقرأ, كم فعل, وكم فعل؟؟
جاء برصيد عظيم, فعرفه الله نعمه فعرفها, ماذا عملت؟ قال: قرأت فيك القرآن وأقرأته, بذلت الجهد من البداية إلى النهاية, في القرأة والإقرأ, وتعلمت فيك العلم وعلمته, فيقول له الله عز وجل كذبت, سبحانه وتعالى كيف كذب؟! وقد حفظ القرآن وأتقنه, وعلم القرآن وجوده, وتعلم العلم وعلمه, كيف كذب؟! كذبت.
قال: عز وجل له إنما قرأت, إنما تعلمت, إنما أقرأت, إنما علمت, ليقال عالم, ما استطاع أن يصبر, وأن يخفي العمل, أو أن يوجه العمل إلى الله عز وجل, وأن ينتبه أن هناك على الطريق قطاع طرق, قد تكون البداية حسنة, والنية في أول الأمر خالصة, ولكن مع الوقت, ترى نفسك محباً للشهرة, محباً للمنزل, محباً للمكانة, محباً لكذا وكذا, فإذا بالعمل ضاع, ضاع العمل فلا عمل.
كم تعنيت؟ وكم أتعبت نفسك؟ ولا يقبل شئ, كذبت.
إنما قرأت ليقال قارئ, أو تعلمت ليقال معلم, وقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه في النار, والله الذي لا إله غيره, إن الأمر جد خطير, يحتاج أن تراجع نفسك, في أعمالك في طاعاتك, في قرباتك, في ملذاتك, في شهواتك, في معاصيك, يجب أن تقف مع نفسك وقفة, وأن تجعل لنفسك خبيئة, تلقى بها الله عز وجل..
أما سمعتم عن حال الثلاثة, الثلاثة الأول هلكوا, قارئ القرآن, الذي ينفق أناء الليل وأطراف النهار, الذي بذل روحه في سبيل الله عز وجل كما يظن.
أما الثلاثة الذين رحمهم الله عز وجل, بما أتقنوا به العمل, وجوده وحسنوه.
كما روى أصحاب الكتب الستة, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج ثلاثة نفر, من هم؟ نحن لا نعلمهم, وما أظن أن أحد من المفسرين وصل إلى أسمائهم, لأنهم كانوا ممن كان قبلنا, ولكن الله عز وجل يعلمهم, ودليل ذلك أن الله عز وجل أشهر وأظهر أمرهم, وأبان حالهم, كانوا على سفر, خرجوا في حاجة, فإذا هم في أرض صحراء جرداء, نزل المطر فكتنوا بغار, سد عليهم باب الغار, لا نفس لا خروج لا حراك بعد أن كانوا في منئا من هذا الغار, حبسوا داخل الغار, فقام كل منهم وهو يقول ادعوا الله عز وجل بصالح أعمالكم, فإنه لن ينجيكم مما أنتم فيه, إلا أن تدعوا الله عز وجل بها, أنظروا إلى نعم الله عز وجل على الثلاثة نفر, أنهم جميعاً كانت لهم خبيئة, علاقة بين العبد وبين الله عز وجل, سر بينه وبين ربه, لا يعلمه أحد من الخلق..
ماذا يفعل بك الخلق؟! سمعة رئاء صيت, يشار إليك بالبنان, أنت عالم, أنت جواد, أنت شجاع, أنت أنت أنت, هذا محبط لعملك, إن لم يكن لك قلب يعبر كل هذه الصعاب, وينطلق من الدنيا إلى الأخرة, فقام كل منهم يدعو قام الأول فجمع في قلبه ما لي عند الله عز وجل, وأظن أنا أنا أن عنده كثير, إذا يستحيل, أن رجل ينقي أعماله, وينقي طاعاته, إلا وأن الطاعات كثيرة, إذ لو لم يكن لك إلا طاعة واحدة, والباقي أتلفت, لآبد أن تتلف الواحدة, فإنك لو وضعت تفاحة جيدة في صندوق به تفاح فاسد, لآبد للفاسد أن يعطب السليمة, فلما كثرت الطاعات, ونقو الأعمال, قام أحدهم الأول, فنظر إلى أعلى الطاعات, ببره لأبويه, لدرجة أنه قال: كان لي أبوان شيخان كبيران كنت لا أسبق قلبهما أهلا ولا ولدا, قال فنئا بي طلب الشجر, كان يعمل خطابا, يجمع الحطب, فنئا بي طلب الشجر, فعدت وحلبت لهما غبوقهما, فإذا هما قد ناما, تأخر في العمل, وحلب اللبن الذي يشربانه كل يوم أو كل ليلة, فإذا هما قد ناما, فمن حرصه على أبوايه لم يوقظهما, وأبنائه يصرخون من شدة الجوع الطعام, والزوجة تنادي الطعام, قال: فوالله ما سبقت قبلهما أهلا أي زوجة ولا ولدا, ووقف بوعاء اللبن على رأسهما إلى أن قاما عند بزوغ الفجر, قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا من أجلك, نعم من يراه, الصبية يصرخون, والزوجة كلت من شدة النداء في طلب الطعام, فإن لهم هذا سوءة, ولكنه لما عمل العمل خالصاً لله عز وجل, عظم الله أمره, فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يمشون, وقام الثاني والثالث, كل دعا بخبيئته, فيسر الله لهم الأمر, وفُرِّج عنهم الكرب, وخرجوا جميعاً يمشون, عودوا إلى ربكم واستغفروه.................
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله..
عباد الله ..
إن بين العمل وبين القلب مسافة, وعلى طول هذه المسافة قطاع طرق, يحيلون بين وصول العمل إلى القلب, تصلي تصوم تزكي تفعل من الطاعات والقربات ما لم ولن يصل منها إلى قلبك شئ, بين العمل وبين القلب مسافات, وعليها قطاع طرق, حتى ولو أن القلب جاهد, وأراد أن يصل إلى العمل وعقل العمل, ربما لا يستطيع القلب بذاته أن يصل إلى الرب, إذ بين القلب وبين الرب مسافات, عليها قطاع طرق, يحيلون بين وصوله إلى الله عز وجل, ولا ينجي العبد من هذا, إلا المجاهدة, أن تجاهد نفسك قال عز وجل }((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا))[العنكبوت/69] إن الأمر ثقيل, وإن الأمر عسير, يصعب على الأقوياء الأشداء, ولكن من رحمه الله عز وجل, ورضى عنه أخذ بيده, وأنجاه من كل كرب وغم, وعبر كل هذا سالما ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))[العنكبوت/69].
نقرأ في كل صلاة في كل صلاة ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))[الفاتحة/5].
وكما قال عز وجل عن جزء من هذه العبادة, كالصلاة ((وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ))[البقرة/45].
الصلاة فقط من جمل الطاعات والعبادات, قال عنها ربنا ((وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ))[البقرة/45].
فيسر الله أمرك باستغاثتك, وإلقاء أحمالك على الله عز وجل ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))[الفاتحة/5].
فجمع ربك لك بين العبادة وشدتها, وبين الاستعانة وسهولتها, فإن استعنت بالله عز وجل, أَلَانَ الله قلبك, فلن ترى في قلبك ألذ ولا أمتع ولا أقرب من القرب من الله عز وجل, لو جمعت الدنيا بحذافيرها, أمام ركعتين لله عز وجل مع لذة القرب, والله الذي لا إله غيره, لن ترضى بالركعتين بديلا, لو جمع القلب على استعانة بالله غز وجل, فكان ذكر الله أن تقول سبحان الله فقط, أن تقول الحمد لله فقط, لكانت هذه الكلمة أعظم عندك من الدنيا وما فيها..
إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عظموا الخبيئة, سل عن أبي بكر, سل عن عمر, سل عن كل هؤلاء, لما كان عمر على فراش الموت, عدد ستة من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, من العشرة المبشرين بالجنة, وحدد فيهم الخلافة, وأوصى أما ابن عمر ابنه فلا, لا يستشار ولا يأَمر, بعد أن حدد هؤلاء الستة, فإذا بواحد من الستة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, قال: أما أنا فاخْلَعوني وأبعدوني, فلا حظ لي في هذا الأمر, فقال الخمسة أما لو فعلت هذا, فاختر منا, فظل الأمر في حالة من التصفية, ولو كان الأمر فيه بعض الهوى, لاختار ابن عوف أقرب الناس إليه من الستة سعد بن أبي وقاص, أقرب الخلق من الستة إليه سعد بن أبي وقاص, فنحَّاه جانبا,ً ووقف الأمر على رجلين, على عثمان وعلى علي رضي الله عنهم جميعا..
قال أهل السير: ممن روى عمن شاهد ابن عوف, ظل ثلاثة أيام بليلهن لا يكتحل من نوم قط, يستشير كل بيوت المدينة, من يخير عثمان أم على, حتى طرق بيوت المخدرات يسألوهن, من يختر عثمان أم على, حتى وصل إلى أمر بعد جهد جهيد, ثم كان الإتفاق على عثمان رضي الله عنه, هؤلاء كانوا هم الفرسان, جمعوا بين التقى, جمعوا بين الدنيا, جمعوا بين الآخرة, ساروا إلى الله عز وجل ولم يتعثر أحد منهم قط, كان أحدهم لا يرى له منزل إلا إذا احتيج إليه..
هذا أبو بكر ما طلب الخلافة ولا الإمارة, بل قال في أعظم موطن وموقف, حينما اختلف الأنصار والمهاجرون, فإذا بأبي بكر يرى منكرا, أن الخلافة في قريش, ولن تكون إلا في هؤلاء, فأسرع فلما رأى أن الخلاف سيشتد, أمسك بيد عمر, وقال مد يدك فأبايعك, عمر ما صدق أأبو بكر يريد أن يبايعني أنا لأن أكون خليفة للمسلمين, قال عمر قولته المشهورة, والله لأن أقدم فتضرب عنقي, أحب إلى من أن أليا أقواما فيهم أبو بكر, وانتهى الامر كما أراد ربنا تبارك وتعالى وقدر في أبي بكر, لو تأملنا حال هؤلاء جميعاً, تابعوا كتب السير ترو العجب العجاب, رجل من العشرة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل, أبوه أحد المشاهير الكبار قبل الإسلام, أبوه تحنف قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم, رفض اليهودية بتثنيتها, ورفض النصرانية بتثليثها, ورفض كل دين إلا الحنيفية, ومات على هذا حتى سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال هو يبعث يوم القيامة أمة, سعيد بن زيد قلِّب الصفحات لا ترى له منزل, كفيا بغيره, في الجهاد كان خالد, في الخلافة الصديق, في العلم فلان وفلان, في الفقه فلان وفلان, تنحى جانباً, وعكف على قلبه, إذ لو احتيج إليه لتقدم, طالما أن هناك ليس له حاجة فليس له إلا التخفي, ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي))<مسلم/2965>. ما أحبوا الظهور قط, ما زاحموا أهل الدنيا في دنياهم قط, إن طلبوا كانوا هم الرجال..
أختم كلامي بقصة..
في سرية مسلمة بن عبد الملك, حاصر بلاد الروم فترة من الزمان, وتعسر عليه الحصن, وما استطاع أن يدخل, الأسوار مغلقة, فوجد من الليل كوة, حفروا النقب قليلا قليلا, فوجدوا صخرة عظيمة, لا يصل إليها إلا جندي لآبد أن يضحي بنفسه, فوقف خطيباً مسلمة بن عبد الملك وقال: إن الأمر جلل, وإن أسوار الروم محاصرة, وليس إلا نقب يحتاج إلى رجل يضحي بنفسه, فخرج رجل ملثم, وضع اللثام على وجهه, وانطلق حتى اختفى, ثم حفر النقب, ودخل إلى الجانب الأخر, وقتل من على الباب, وفتح الباب, واختلط بالجند, وانتصر مسلمة بن عبد الملك, بعد هذا الفتح العظيم.
قال: من صاحب النقب؟ ما تكلم أحد.
من صاحب النقب؟ ما تكلم أحد.
فقال: أقسم عليه أن يجيبني, من هو؟ فلما كان من الليل, فإذا بصاحب النقب هذا الفارس الملثم, يأتيه من عشية, من الليل, ويطرق عليه الباب.
وقال: أيها الأمير سأخبرك بصاحب النقب, شريطة أن تلبي لي ثلاث, أن لا تسألني ما اسمك, ولا تكتبني في صحيفة, ولا تقرب إليّ هدية.
قال: قد وفيت.
فكشف عن وجهه, ثم انطلق هاربا, كان مسلمة بن عبد الملك في كل سجود يقول: اللهم اجعلني مع صاحب النقب..
كيف أعمالنا؟ قس أعمالك, قف مع نفسك وقفة, تحب أن تمدح, تحب الشهرة, تحب المنزل, تحب يقال أنت فلان أنت فلان, ويشار إليك, إن أحببت هذا وأنت صعلوق هلكت..
ماذا قربت في مقابل من مضى؟ ماذا فعلت في مقابل من سلف؟
كانوا هم الرجال, حتى أن بعضهم بشر بالجنة وهم يسيرون على الأرض, ما ماتوا بعد وما أثر هذا في قلوبهم, ما قال الصديق قد بشرت بالجنة من كلام رب العالمين على لسان رسوله الأمين, فلا عمل, ولا طاعات, ولا قربات, لا والله, ظل الصديق لأخر رمق في المرتبة الأولى, ما سبق إلى الله قط, تبعه عمر, وقد بشر بالجنة ما سبق إلى الله قط, ونحن بقليل من الأعمال, بقليل من الطاعات, بل ربما (نترك 45د/3ث) بعض عظائم الأمور, ويقع في القلب نخوة, أنا أنا (بل أتمنى وأحب45 د/12ث) أن يعرف هذا مني القاصي أو الداني. أيها الحبيب, نحتاج أن نراجع أنفسنا, الموت قادم, والعمر لحظة, وأنت بين يدي عمل, وغداً لا عمل, أتقن العمل, وتناسى الثمرة, إذ الثمرة هى الجنة, بينما الشيطان يمنيك ويمنيك فيعجل لك الثمرة في الدنيا.
أتدري ما هي الثمرة؟ أن تحب أن تأخذ أجراً على طاعاتك وقرباتك من خلق لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا, فتعنيت وأديت أعلى الأعمال والطاعات, ثم ما نلت إلا الخسارة, أوقف قلبك, راجع نفسك, قبل أن تأتى اللحظة التى يقول فيها أهل الغفلة, وأهل الضلالة: (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون/99] لماذا (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) يأتي الجواب {كَلَّا} لا رجوع {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}- [يونس/49] -
{كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} كلام لا يغني عنه مما هو فيه شيئاً {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} أي القبر {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}- [المؤمنون/100] اللهم اهدنا فيمن هديت, وتولنا فيمن توليت, وقنى واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت, اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا, وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان, اللهم أنا نسألك الحنة, وما يقرب إليها من قول أو عمل, ونعوذ بك من النار, وما يقرب إليها من قول أو عمل..........
المشاهدات 2124 | التعليقات 0