اللحية والحجاب في الدراما العربية / محمد عبدالله الهويمل

احمد ابوبكر
1434/09/08 - 2013/07/16 02:07AM
على الرغم من أننا ندعي تصالحنا من كل معطيات عصرنا وتجاوبنا الإيجابي المفرط مع المتغير الإنساني إلاّ أن بعض الغائبين أو المتغيبين اختيارياً لازالوا يؤسسون خرائطهم الذهنية ويهندسون منظوماتهم الإبداعية على نمط الأسود والأبيض والحراك الفكري والفني الخمسيني والستيني ربما لضعف في التصور أو قصور على صعيد القدرة والموهبة ويتمظهر هذا الجلاء في الدراما العربية من مسلسلات وأفلام حيث لازالت تتصادم بفجاجة مع واقعها الحيّ المتمثل بتصاعد مذهل وحضور طاغٍ للظاهرة الصحوية الدينية في شتى المفاصل الاجتماعية وهذا الصعود تلازم تلازماً شرطياً مع تعدد أقنية التواصل وأفرز لاحقاً ظاهرة اللحية والحجاب غير أن التعاطي الإبداعي الحر مع هذا المتفوق الجديد والمنتصر الثقافي اعتمد طريقة الالتفاف على ما هو كائن والتحايل على الوقائع كما تشهدها الأرض وتؤكدها الحواس المجردة حيث تَمّ تجنيد الإبداع - المفترض تجريده من الإيديولوجيا الموجهة - لينطح صخرة الواقع والمستقبل تبّدى هذا في صياغة النمط الدرامي وكتابة السيناريو لمسلسلات والسينما العربية فبرزت اللحية والحجاب لتتخذا وضعاً درامياً يعكس مدى أهليتها في الظهور. وفي هذا الزخم غير المرضي عنه عند السينارستية الليبراليين اتخذ ظهور الحجاب واللحية مساراً معاكساً لما هو عليه في الواقع الحر الطبيعي حيث جرى تحجيمه وتأطيره في أدوار أو وظائف حُددت له سلفاً تؤدي دوراً تكميلياً أو تخصصياً يفرغه من معناه الذي تعارف عليه المجتمع والذي أقر إقراراً ودّيا ومرحباً إلى حد كبير بوجوده. والمجتمع هو اللاعب والدرامي والبطل والنجم وفقاً لما سماه شكسبير ب (وما الدنيا إلا مسرح كبير) وعليه فإن الامتثال إلى الإنسان بوصفه ذا مهمة درامية بطولية داخل السيناريو الاجتماعي بكل إثاراته و(أكشناته) كان وسيظل سقفاً واقعياً ومرجعية وفضاء من لا يّحلق فيه فإنه يحّلق تحت التراب. إذا ماذا يعني أن تلعب اللحية دور هامش مغلوب على أمره يظهر الممثل الملتحي ليلعب دور اللحية وليس الممثل وهذا الدور للحية دور مصطنع كاصطناع اللحية فهي تملاً خانة (الواعظ) أو (المريض نفسياً) أو (المتطرف) وبهذه الأدوار الاستثنائية يتم استبعاد الدور الطبيعي للّحية وهو أن لا تلعب دوراً في الأصل فإعفاء اللحية ممارسة عفوية عند الأغلبية الساحقة من المسلمين وتخرج عن الخانات الثلاث السالفة وإقحامها فيها أدلجة وغباء في كتابة السيناريو بل وتورط في فهم أو تفهيم المتلقي أو ربما حشو فراغات مستعصية وتكثيف عناصر الحوار وإضفاء إثارة بليدة. ولعل كل ما سبق يوجز من موقف حزبي خصومي تجاه اللحية والحجاب ورمزيتها وإحالتها إلى المنتصر الثقافي انتهى فيما سبق إلى فقدان الصناعة الدرامية العربية إلى عنصر التلقائية في استثمار إيحاء الحجاب واللحية في التوظيف الفني ويبرز هذا أكثر من مقارنتها الاستناطقية للدراما الغربية لاسيما السينما الأمريكية التي قدمت اللّحية بل والشخصية الدينية كالراهب والقديس كما هو في النسق الاجتماعي دون تحميل إيحاءات هذه الشخصية ما لا تحتمل من دلالات وظيفية أو توظيفية فهو ربما يمثل دور الشرير أو الطاهر أو لا هذا ولا ذاك بمعنى أنه إنسان عضوي لا وظيفي يحمل إشارة شكلية تؤدي الدور كما يؤديه طبيب يحمل سماعة كشف أو عسكري يحمل مسدسا وقيودا أو مدرس يحمل أقلاماً وحقيبة وستنفد هذه اللوازم بنفاد مهمة ملازماتها فحالما تغيب السماعة والمسدس الأمني والأقلام والحقيبة تنتهي مهمة الطبيب الدرامي والمدرس الدرامي والعسكري الدرامي ما يعني أن مهمة اللحية الدرامية تزول بزوال مهمة الشخصية الدرامية للواعظ والمتطرف والمريض النفسي في حين أن العسكري والطبيب والمدرس والمتدين الملتحي فاعلون بحيوية في (أكشن) اجتماعي لا تؤطره لوازمهم وإشاراتهم الوظيفية المتكلفة درامياً إذا ما اتفقنا على أن (الدنيا مسرح كبير). ما سبق يحيلنا إلى توجيه تهمة أنجزتها المقاربة بين الدرامي العربي والغربي تتمثل في أن الغربي يبدع في الواقع والعربي يبدع الواقع وإبداع الواقع يتوخى حذراً بالغاً لا يتوخاه من يبدع في الواقع ما يعني تحمل الأول عبئاً مزدوجاً يتمثل في صناعة المفاجأة والتحرش بالقناعات وتغيير النسق المفاهيمي صناعة بينما الغربي تتوجه نحو اختراع مفاجآت حدثية متتالية ينجحون فيها لتخلصهم من عقدة إبداع الواقع ونطح الأنساق الذي يعزز عنصر الغفلة والغباء إلى درجة الاستثمار الساذج لمعطى اللحية حيث تلعب رمزية اللحية دور رمزية لحية أخرى فلحية (القروي) الشعثاء تختلف عن لحية (الجدّ) الوقورة وعن لحية (المتدين) الأنيقة وعن لحية (المجنون) الفوضوية وقد تلعب إحداها دور الأخرى دون أي رقابة جمالية حساسة ففي أحد المسلسلات عبّر القدر الدرامي عن لحية مجنون بلحية متدين حيث فقدت لحية المجنون عنصر الفوضوية إلى أناقة متناهية واحترافية تشي بعناية هذا المجنون بلحيته تحديداً وتهذيباً وكأنه يتهيأ إلى إمامة الناس لصلاة العيد. كل هذه الفجوات على صعيد التحديد والتوظيف والتصنيف جاءت انعكاساً لعدم وعي كاتب السيناريو بواقع الشارع العربي والظواهر الصاعدة والهابطة يويد هذا أن كثيراً من الكتاب هم من النساء المعزولات عن الجديد.

إن إفراغ (المسرح الكبير) في المسرح الصغير يتطلب دقّة في الرصد ومنح الحجاب واللحية حقها في الظهور في المشاهد بحسب نسبتها وصعودها دون تحميلها وظيفة محددة ومتعسفة ومنحها التلقائية التي منحها إياها المجتمع إذ الملتحي والمحجبة هما عضوان فاعلان بل ومؤثران ومحركان للوعي الشعبي فيما نشهد تغيبها في هذه التكلفات الدرامية فغياب المحجبة في الدراما يستدعي تهمة التغيب وإعدام الواقع لاسيما أن المحجبات هم الأكثرية الساحقة في مصر وسوريا والخليج وهي مراكز صناعة الدراما.. إن الظاهرة الدينية صاعدة والتحايل على هذا الصعود خيانة للإبداع والمتلقي.

المصدر: الجزيرة السعودية
المشاهدات 1001 | التعليقات 0