الكل ينادي على رمضان.. ولكن !

د محمد بن حمد الهاجري
1442/08/26 - 2021/04/08 14:45PM
الخطبة الأولى :
اتحفتنا وسائل التواصل الاجتماعي كافة طيلة الشهور الأخيرة المنصرمة منذ نهايات شهر «ربيع الثاني « حتى هل علينا هلال رجب مرورا بشعبان ولحد الآن بمناداتها على الشهر الفضيل ومناجاته قبل قدومه وما زالت الرسائل تتهافت  وتشتد وتيرتها وترتفع نبراتها الصادرة عن قدوم الشهرالفضيل..
ولا يعني هذا بأننا لسنا من محبي هذا الشهر ولايعني اننا لسنا من المخلصين له.. بل نحن من عشاقه..
فاعتراضنا ليس على هذا الكم الهائل من التعليقات والصور والأقوال المخصصة حول اقتراب الشهر الكريم والمتشوقة لقدومه والمرحبة باقترابه: بقي ستون يوما.. بقي اربعون على الطلة الرائعة.. بقي كذا وكذا على قدوم الشهرالكريم... اللهم بلغنا شهر رمضان..وهكذا.. وكله جميل!
نداءات بغاية الروحانية نتمنى ان ينعكس بعضها على افعالنا وسلوكياتنا اثناء هذا الشهر بخاصة.. وقبله وبعده بصورة عامة..
عباد الله ..
تمرُّ الأشهرُ والأيامُ، ويبقى قلب المؤمن وروحه في شوقٍ إلى شهر رمضان، فتنطق القلوب والأرواح قبل الجوارح واللسان: اللهم بلِّغْنا رمضان.
 
هذا الشهر المبارك الذي ينتظره المسلمون من العام إلى العام بشوقٍ لا تستطيع أن تُعبِّرَ عنه الكلماتُ والأقلامُ، ولن يشعُرَ بهذا الشوق العميق إلَّا مَنْ أدركَ قيمة هذا الشهر، وما فيه من النفحات الإيمانية، والرحمات الإلهية، والسكينة الربانية التي تُصلِح القلوبَ، وتُحيي النفوسَ، وتبعث الأرواحَ، وتفتح أبوابَ التوبة والمغفرة، والإقبال على الله عز وجل.
 
نشتاق لرمضان لأنه ربيع قلوب المؤمنين ، وسراج الصالحين ، واُنْس المتقين
تسمع فيه تلاوات الخاشعين ، ودعاء المخبتين ، ومناجاة رب العالمين .
نشتاق لرمضان لإقالة العثرات ، ومغفرة الزلات .
نشتاق لرمضان لأن فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، وتصفد فيه الشياطين .
نشتاق لرمضان لأن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له من تقدم من ذنبه .
نشتاق لرمضان لأن فيه الروحانية ، والسكينة ، والطمأنينة .
نشتاق لرمضان لأنه شهر الصفاء والنقاء ، والمحبة والإخاء .
نشتاق لرمضان لأن فضله عظيم ، وعطاؤه جسيم .
فاستعدوا للقائه ، واسألوا الله بلوغه وتمامه .
اللهم بلغنا رمضان ، وأعنا فيه على الصيام والقيام ، وتلاوة القرآن ، واجعلنا ممن يصومه إيماناً واحتساباً .
 
الخطبة الثانية:
 
إنّ شوق المؤمن للحظة استقبال رمضان تفوقُ كل معنى، ولهذا نَخفقُ حباً كلما لاح هلاله، وتغمرنا نشوة الفرح كلما ذُكِر اسمه؟ لكن هناك فرق كبير بين من يشتاقون إلى سماع صوت أذان المغرب بفارغ الصبر، وعقولهم تحسب كل دقيقة وثانية لسماعه من أجل الإفطار، من دون أن يهتموا بمواعيد الصلوات الباقية بالضرورة، مقابل فئة تشتاق إلى جميع أوقات الصلاة وتلتزم بها، خاصة وقت صلاة التراويح، فتراهم يتلهفون للصلاة جماعة خلف الإمام.
وكم هناك فرق بين فئة تشتاق إلى أسرع الأئمة في صلاة التراويح، فتتنافس فيمن يضرب الرقم القياسي في إنهاء الصلاة، ولا يهم لو كان المسجد في منطقة غير منطقته؛ لأنه على عجلة من أمره يريد التسوق والسهر مع الأصدقاء، بينما فئة تشتاق إلى صلاة التراويح؛ كي تصليها بكل تأنٍ وخشوع خلف الإمام، من أجل التقرّب إلى الله. فكيف كان شوق السلف الصالح لرمضان قولاً وفعلاً؟ وما هي سُبُل اللحاق بالمشتاقين لرمضان الفرحين به؟ ولماذا يُحرم البعض من رمضان ومن الشوق له؟
عباد الله .. إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعلّم الصحابة الكرام أن يترقبوا شهر رمضان، ويدعون الله أن يبلغهم هذا الشهر فيقولون: (اللهم بلّغنا رمضان)، وكان يدعوهم لتحري الهِلال، وكل هذا شوقاً ومحبةً لهذا الشهر".
بل إنّه كان صلى الله عليه وسلم في أول لحظات دخول الشهر الكريم يقف بالناس يُهنئهم ويقول لهم: (أتاكم رمضان، شهر مبارك، فَرَضَ الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم) (رواه النسائي)".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد ذات يوم المنبر: (آمِينَ، آمِينَ، آمِين) قيل: يا رسول الله إنّك حين صعدت المنبر قُلت: آمِينَ آمِينَ آمِينَ قال: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمين، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمين، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمين، فَقُلْتُ: آمِينَ) (رواه ابن حبان وغيره)".
 
وفي النهاية ...
ينبغي أن تدرك أيها المسلم أنك مقبلٌ على سوقٍ عظيمٍ، وميدانٍ للمنافسة كبير، فليكن شعارُكَ وأنت مُقبِلٌ على هذا الشهر: لن يسبقني إلى الله أحدٌ.
 
ألا فليستعدَّ مَنْ يسعى لمغفرة السيئات، ويرجو العفو من ربِّ الأرض والسماوات، ويطمع في الفوز بالجنَّات ورفيع الدرجات، فالمرحوم مَنْ رُحِمَ في رمضان، والخاسر مَنْ فاتَتْه رحماتُ رمضان، فاللهم بلِّغْنا رمضان، ووفِّقْنا فيه لطاعتك، واكتُبْنا فيه من أهل جنَّتِكَ، وصلَّى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
 
المشاهدات 3296 | التعليقات 0