الكلمة الطيبة وأثرها في القلوب، خطبة الجمعة بتاريخ 4-2-1443هـ

أ.د عبدالله الطيار
1443/02/09 - 2021/09/16 06:02AM

 

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].

عبادَ اللهِ: حثَّ الشارعُ الحكيمُ على الكلمةِ الطيِّبةِ لما لها من الأثرِ البالغِ في حياةِ النَّاسِ، وخاصةً إذا خرجتْ من قلبٍ مفعمٍ بالإيمانِ يُحبُّ الخيرَ للآخرينَ، وقد أَمَرَ ربُّنَا جلَّ وعلا بالإكثارِ منهَا بجميعِ صورها، قالَ تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، قال ابنُ سعدي رحمه اللهُ: "ومِنَ القولِ الحسنِ أمْرُهم بالمعروفِ, ونهيُهم عن المنكرِ, وتعليمُهم العلمَ, وبذلُ السلامِ, والبشاشةُ وغيرُ ذلك من كلِّ كلامٍ طيبٍ. ولما كانَ الإنسانُ لا يسعُ الناسَ بمالِه أُمِرَ بأمرٍ يقدرُ بِه على الإحسانِ إلى كلِّ مخلوقٍ, وهو الإحسانُ بالقولِ"ا.هـ

فكلَّ كلمةٍ طيبةٍ تَنبثقُ من صدرٍ يتلألأُ بالنورِ، ويُزهرُ بالسرورِ، تُضيءُ بإذنِ ربِّها القلوبَ والنفوسَ والأرواحَ، وهي بسمةُ الحياةِ، وبلسمُ الجُروحِ، وشفاءُ الجسدِ والروحِ، وهي عنوانُ المتكلِّمِ ودليلُه، ولباسُه الساترُ وجمالُه الظاهرُ، وعطرهُ الفواحُ، ومفتاحُه إلى القلوبِ والأرواحِ، وسفيرُه الذي يَصْعدُ إلى السماءِ لَيجدَ حُسْنَ الجزاءِ. قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: 10].

والكلمةُ الطيبةُ تَكشِفُ عن مكنونِ صاحبِها من رجاحةِ عقلِه وصفاءِ قلبِه، فهي عبارةٌ عن ألفاظٍ حسنةٍ تَخرجُ من فمِ الإنسانِ تحملُ معهَا الخيرَ والنفعَ للنَّاسِ، وتبتعدُ عن الفُحشِ والبذاءةِ، والإضرارِ والإيذاءِ، والشتمِ والاستهزاءِ، وهي كلماتٌ تنبعُ من مشكاةٍ مليئةٍ بما لذَّ وطابَ من الكلامِ الذي يَنْبتُ في القلبِ السليمِ ويَنْشرُه اللسانُ المستقيمُ.

والكلمةُ الطيبةُ هي كلُّ ذكرٍ للهِ تعالى وتسبيحٍ، وتهليلٍ وتكبيرٍ، وحمدٍ ودعاءٍ، وشكرٍ وثناءٍ، وعلمٍ نافعٍ، وتلاوةِ قرآنٍ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكرٍ، وإصلاحٍ، وبناءٍ، ونصيحةٍ نافعةٍ، وغيرُ ذلكَ كثيرٌ من الأقوالِ الطيبةِ النافعةِ، وهيَ جوابٌ حسنٌ، وردٌّ لطيفٌ على القريبِ والبعيدِ، والصديقِ والعدوِّ.

والكلمةُ الطيبةُ أثرُها طيِّبٌ، وريحُها طيِّبٌ، وطعمُها طيِّبٌ، مَنْ تكلَّم بهَا عن صدقٍ وإخلاصٍ وتمنَّى الخيرَ للنَّاسِ وعَلِمَ يقينًا أنَّ اللهَ سيجازِيْه عليهَا بَذَلَ ما في وسعِه من أجلِ إسعادِ سامعِيهَا لتغييرِ حياتِهم إلى الأحسنِ، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)(رواه البخاري (2989)، ومسلم (1009).

والكلمةُ الطيبةُ بَعَثَ اللهُ بهَا الأنبياءَ والمرسلينَ ليُخرجوا العبادَ من ظلماتِ الكُفرِ والشِّركِ إلى نورِ التَّوحيدِ والعلمِ، ومن عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ.

والكلمةُ الطيبةُ سخَّرَ اللهُ لها العلماءَ والدعاةَ والمصلحينَ لتنويرِ القُلوبِ بمحبةِ الخالقِ العظيمِ ودلالتِهم على طريقِه القويمِ الموصلِ إلى مرضاتِه وجنَّتِه.

والكلمةُ الطيبةُ لها شأنٌ عظيمٌ؛ فهيَ بوابةُ الخيرِ للولوجِ إلى القُلوبِ، والمعينةُ على إمدادِ النُّفــوسِ بالطـــاقةِ والإرادةِ والعمـــلِ، وهي مُنطــلقُ الأعمـــالِ الكبيرةِ والمشــاريعِ

العظيمةِ، وهي وقودُ الإنسانِ لبذْلِ أسبابِ النَّجاحِ في أمرِ دينِه ودُنيَاه.

أيُّها المؤمنونَ: إنَّ كلَّ كلمةٍ تخرجُ من الإنسانِ هيَ عنوانُ صاحبِهاِ، وبُرهانٌ على مكنوناتِ قَلبِه وصدرِه، ودَليلٌ على أصلِه وعقلِه، فكمْ من كلمةٍ أفرحتْ وأخرى أحزنتْ، وكمْ من كلمةٍ أضحكتْ وأخرى أبكتْ، وكمْ من كلمةٍ فرَّقتْ وأخرى جمعتْ، وكمْ من كلمةٍ أقامتْ وأخرى هدمتْ، وكمْ من كلمةٍ انشرحَ لها الصدرُ وأَنِسَ بهَا الفؤادُ وأحسَّ بسببِها سعةَ الدُّنيَا وأخرى انقبضتْ لهَا النفسُ واستوحشَها القلبُ وألقتْ قائلَها أو سامعهَا في ضيقٍ وضنكٍ، فضاقتْ عليه الدنيَا على رحابتِها والأرضُ على سعتِها.

عباد الله: ومِنْ أحقِّ النَّاسِ بالكلمةِ الطيبةِ الوالدانِ، مصداقًا لقولِ اللهِ تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: 23]، فهما المستحقانِ دائمًا لكلِّ قولٍ حسنٍ ودعاءٍ طيبٍ.

ومثلُها الكلمةُ الطيبةُ التي تكونُ بينَ الزوجينِ، من كلامٍ حسنٍ وجميلٍ يزيدُ في المودةِ والحبِّ والرحمةِ بينهمَا، بدلاً عن سيءِّ القولِ والكلامِ القبيحِ.

ومثلُها الكلمةُ الطيبةُ تكونُ بينَ الإخوةِ والأخواتِ والأقاربِ والأرحامِ، وبينَ الجارِ وجيرانِه، وبين المديرِ وموظفِيه، والمعلمِ وتلاميذِه، وبين العمَّالِ وكفلائِهم، وبين الباعةِ والمشترِين، وبين الغنيِّ والفقيرِ، وبين العظيمِ والحقيرِ. حتَّى الكافرَ أمرَ اللهُ جلَّ وعلا بالكلمةِ الطيبةِ معه، قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 34-44].

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}[الإسراء:53].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  

فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، واعلموا أنَّ للكلمةِ الطيبةِ آثارًا حسنةًً، ومن ذلك:

1ـ أنَّها دليلٌ على صلاحِ القلبِ وقوةِ الإيمانِ.

2ـ أنَّها سببٌ في محبةِ النَّاسِ لقائِلها.

3ـ  أنَّها تَسرُّ السامعينَ، وتُريحُ القلوبَ، وتُحدِثُ أثرًا طيبًا في نفوسِ الآخرين.

4ـ أنَّها تُؤلِّفُ القلوبَ، وتُصلحُ النفوسَ، وتَجمعُ الشملَ، وتَزيدُ الترابطَ، وتُقرَّبُ الأباعدَ، وتُحبِّبُ بينَ المتباغضينَ، وتُذِهبُ أحقادَ الصدورِ، وتُعينُ على إصلاحِ ذاتِ البينِ.

5 ـ أنَّها تُذهبُ الحُزْنَ، وتُزيلُ الغضبَ، وتُشعِرُ قائلَها وسامعَها بالرضَا والسعادةِ، لا سيِّما إذا رافَقَتْها ابتسامةٌ صادقةٌ.

6 ـ أنَّها تُثمرُ الأقوالَ الطيبةَ، والأعمالَ الصالحةَ.

7 ـ أنَّها تَكونُ سببًا في فتحِ أبوابِ الخيرِ، وغَلقِ أبوابِ الشرِّ.

8 ـ أنَّها تُحقِّقُ المغفرةَ: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(إن من موجباتِ المغفرةِ بذلُ السلامِ، وحُسنُ الكلامِ)(رواه الخرائطي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1035).

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وأكثروا من الكلامِ الطيِّبِ، فإن لذلكَ الأثرَ الجميلَ في حياتِكم، وسبيلاً إلى مرضاتِ ربِّكم ودخولِ جنَّتهِ. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ لَه بِها رضوانَه إلى يومِ يلقاه وإنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ عليهِ بِها سخطَه إلى يومِ يلقاهُ) (رواه الترمذي (2319)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2319).

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56].               

الجمعة:  4 / 2 / 1443هـ

المشاهدات 1300 | التعليقات 0