الكسب الحلال والتستر التجاري

طلال شنيف الصبحي
1443/03/07 - 2021/10/13 18:25PM

التَّسَتُّرُ التِّجَارِي 9 / 3 / 1443

(خطبة مقتضبة من موقع خطب الجمعة على الواتساب بتصرف يسير)

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ))
عباد الله: يَكْبُرُ ابْنُ آدَم، ويَكْبُرُ مَعَهُ اِثْنَان: حُبُّ المال، وَطُوْلُ الأَمَل.
وَمِنْ أَجْلِ المال: تَضْعُفُ الدِّيَانَة، وَتَضْمَحِلُّ الأَمَانَة، وَيَزْدَادُ حِرْصُ الناس، فَلاَ يُشْبِعُهُمْ شَيْءٌ، فَيَتَخَوَّضُونُ في مَالِ اللهِ بِغَيِر حَقٍّ، وَيَدْخُلُونَ في أَبْوَابٍ مِنَ الفسادِ المالي والتجاري.

وَمِنْ أَبْوابِ الفَسَادِ المالي: التَّعَامُلُ بالرِّشْوَةُ، والاختلاس، والتزوير، والغِشِّ، والخيانة.
فَأَمَّا الرِّشْوَة: فَإِنَّ الرَّاشِي يَدْفَعُ الرِّشْوَةَ لِلْمُرْتَشِي؛ لِيَمْنَحَهُ ما لَيْسَ مِنْ حَقِّه؛ وقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي) ، فهِيَ مِنْ كَبَائِرِ الذنوب، وما نَتَجَ عَنْهَا مِنْ مَالٍ أو مَنْفَعَة؛ فَهُوَ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ! و(كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ؛ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ).
وَمِنْ صُوَرِ الفَسَادِ المالي: اخْتِلاَسُ المَالِ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ المَالِ العَامِّ، أَمْ مِنْ أَمْوَالِ الشَّرِكَاتِ والمُؤَسّسات، قال ﷺ: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري.
وَأَمَّا التَّزْوِيرُ: فَهُوَ تَغْيِيرُ الحَقِيقَةِ بِقَصْدِ الغِشِّ، وَيَسْرِي فِي الأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ، وَالمُعَامَلاتِ الرَّسْمِيَّةِ ونحوها، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ التي تُقْتَطَعُ بها الحقوق، أو يُعَاقَبُ بِهَا أبرياء، أو يُدافَعُ بِهَا عَنْ مُجْرِمِيْن، وهذا مِنْ كَبَائِرِ الذنوب؛ قال ﷺ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟)، قالوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ)، قال: (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ)، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فقال: (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ)، قَالَ الرَّاوِي: (فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ!) رواه البخاري ومسلم
وَأَمَّا الغِشُّ والخِيَانَة: فَهِيَ الأَصْلُ الجَامِعُ لِكُلِّ فَسَادٍ ماليٍّ وإِدَارِي!
قال ﷺ: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ).رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
عِبَادَ الله: لا يَغُرَنَّكَمْ بَرِيقُ المالِ الحَرَام؛ فَإِنَّ مآلَهُ إلى الَمحْقِ والزَّوَال، ثُمَّ الحِسَابِ والعِقَاب! ﴿ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.
(ولن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: -وذكر منها-، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه) بارك الله لي ولكم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ، عباد الله: مِنْ أَبْوابِ الفَسَادِ الماليِّ المُعَاصِر: (التَّسَتُّرُ التِّجَارِي).
فَلا يَجُوزُ لِصَاحِبِ العَمَل: تَشْغِيلُ الْعَمَالَةِ غَيْرِ النِّظَامِيَّةِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ اسْتُقْدِمُوا لَه، وإِيوَائهمْ، وَالتَّسَتُّر عَلَيْهِم؛ فَإِنَّ في هذا مُخَالَفةٌ لِلْشَّرْعِ والنِّظَام، وَإِخْلالٌ بالأَمْن، وَأَكْلٌ لِلْمالِ بالباطل، وَرُبَّمَا سَلَكَ بَعْضُهُمْ الطُّرَقَ الْمُلْتَوِيَةَ لِكَسْبِ الْمَعَاشِ، أو امْتَهَنَ مِهْنَةً غَيْرَ مِهْنَتِهِ، وَأَضَرَّ بِغَيْرِه! قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾.
وَيَنْبَغِي على العَامِلِ وصَاحِبِ العَمَل: أَنْ يَعْلَمَ أنَّ كُلَّاً مِنْهُمَا مَسْؤُوْلٌ عَمَّا تَحْتَ يَدِه، وَمَسْؤُوْلٌ عَنْ أَداءِ الحقوقِ التي عليهِ يومَ القيامة؛ قال ﷺ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم.
كَمَا يَجِبُ على العَامِلِ وصَاحِبِ العَمَل: أَنْ يُوْفُوا بالعهود، ولا يُخِلُّوا بالشروط، ولا يَتَحَايَلُوا على الشَّرْعِ والنِّظَام؛ قال ﷺ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ). أخرجه أبو داود.
وَلَنْ يَبْقَى لَلإنسان فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ إِلا عَمَلُهُ الصَّالِح، وَلَنَا عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ فِي عُظَمَاءَ وَأَغْنِيَاءَ، جَمَعُوا مَالًا عَظِيمًا، ومَلَئُوا الدُّنْيَا ضَجِيْجًا، دُفِنُوا بِأَكْفَانِهِمْ كَمَا يُدْفَنُ الفُقَرَاءُ، ولم يَأْخُذُوا مِنَ الدنيا شيئًا، وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ حِسَابُ مَا جَمَعُوا!
خُـذِ الـقَـنَاعَـةَ مِـنْ دُنْيَاكَ وَارْضَ بِهـا
لَـوْ لَـمْ يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ الـبَــدَنِ
* * * *
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله

 

المشاهدات 1481 | التعليقات 0