الكريسماس على ضفاف البراء!

د. محمد بن سعود
1440/04/20 - 2018/12/27 20:23PM

...

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، نحمدُه - سبحانه - حمدَ الإخلاص على حُسن الخَلاص، ونشكُرُه على الفضلِ والجُودِ والإرواس. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصَّنا بشريعةِ التراحُم والولاءِ المومُوق، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، خيرُ من أرسَى البراءَ والحقوق، وحذَّر من التنافُر والعقوق، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه الباذِلين كرائِمًا ندًى الدَّفوق، ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ غروبٌ وشُروق. أما بعد:- فيا عباد الله:

اتقوا الله ربَّكم، واشكُروه على نعمِه الوافِرة، وآلائِه المُتكاثِرة.

على أن الشكرَ ليس ببالِغٍ *** بعضَ ما أَولَى وأجزلَ ِمن ندَى

وأنَّى يُوازِي الشكرُ إحسانَ مُنعِمٍ *** يمُنُّ بلا منٍّ ويُولِي بلا أذى

معاشر المسلمين: منذ أن أذِنَ الله تعالى لهذا الدين العظيم بأن تُشرِق شمسُه من هذه البلاد، وكتبَ أن يبلُغ ما بلغَ الليلُ والنهار، فقد تكفَّل - سبحانه - بحفظِه، وقضَى أن لا تزالَ طائفةٌ من الأمة منصورة، لا يضُرُّها من خذلَها ولا من خالَفَها، وهم من كانوا على مثلِ ما كان عليه النبيُّ - r- وأصحابُه. قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

وقد اختص جل وعلا هذه الأمةَ المحمدية بشرعة ومنهاج، لا تأخذُ من غيرها شرعة ولا منهاجا، قال الله تعالى (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) وقال عز شأنه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)

وكان النبي r يعمل على تميز هذه الأمة عن الأمم الأخرى في شرائعها وشعائرها، وعباداتِها ومناسكها، ويمنع تسرب شيء من عاداتهم وعباداتهم إلى المسلمين، ويحرص على مخالفة المشركين، وفي آخر حياته حرص على مخالفة اليهود والنصارى، وكثُرت خطاباته في هذا الشأن، حتى لاحظ اليهودُ ذلك فقالوا: «مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ» رواه مسلم.

عباد الله: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر** ضل قوم ليس يدرون الخبر.

ما أحوجنا لاسترجاع شيء من ماضينا المجيد، وسنوات عزنا التليد، لنسترد عزنا الذي أضعناه، وقد كان بأيدينا، بعقيدتنا سُدنا الأمم، وهابتنا الدول؛ وبها عرفنا ديننا الذي ارتضاه لنا ربنا، (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، بعد أدركنا حقيقته، (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ).

والرجال مواقف، وحدثٌ عن ألف حديث، والأفعال أصدق إنباء من الأقوال! ودونكم أحداثٌ أبطالها صحابة رسول الله r؛ لنستلهم منها الولاء والبراءَ والعزة، ونسْفَ التبعيةِ للكافر.

فهم خير خلق الله بعد انبيائه *** بهم يقتدي في الدين كلُّ من اقتدا

لما أُسِر الصحابي الجليل عبدُ الله بنُ حذافة السهمي t، جاء به الرومُ إلى ملكهم، فقال له: تنصر، وأنت شريك في ملكي، وأزوجك ابنتي. فقال المؤمن الواثق: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميعَ ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد r طرفة عينٍ ما فعلت. فقال: إذن أقتلك. فقال: أنت وذاك. فأمر به فصُلب، وأمَر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه، وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى، ثم أمر بقِدر من نحاس فأحميت وجاء بأسيرٍ من المسلمين فألقاه، فإذا هو عظامٌ تلوح، وعرض عليه النصرانية بعد هذا الإرهاب، فأبى، فأمر الملك بعبد الله أن يلقى في القِدر، فبكى، فقال الملك: لم بكيت؟! قال: إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة، تُلقى في هذا القدر فتموت في الله. فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي، نفسٌ تعذب هذا العذابَ في الله!.

وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذاك البرا من كل غاو وآثم

ومشهد آخرُ يتجسد في موقف عمر t بعد وقعة بدر الكبرى، حيث قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ t: لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ rلِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فذكر أَبُو بَكْرٍ t رأيه. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» فقال عمر: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ -نَسِيبًا لِعُمَرَ-، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا. فنزل القرآن مؤيِّدا للمحدِّث المهلَم عمر: )مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ(.

ما من حديث به المختار يفتخر *** إلا وكنتَ الذي يعنيه يا عمرُ

أقول قول هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله على ما أسبغَ من العطا، وأسبلَ من السِّتر والغِطا، وأُصلِّي وأُسلِّم على عبدِ الله ورسولِه سيِّد الكرم والندى، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ذوي الدِّين والحجا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوفا. أما بعد:-

فالموقف الثالث هو ما حصل لحبيب بن زيد t الذي بعثه رسول الله r إلى مسيلمةَ الكذّابِ باليمامة، فكان مسيلمة إذا قَالَ له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قَالَ: نعم. وإذا قَالَ له: أتشهد أني رسول الله؟ قَالَ: أنا أصمُّ لا أسمع، فعل ذلك مرارًا. فقطّعه مسيلمةُ عضوًا عضوًا. ومات شهيدًا t.

خلائف الله جلّوا عن موازنة *** فلا تقيسن أملاكَ الورى بهمُ

اقرأ في سيرة الشرق والغرب ما شئت، ولعلك تجد في قلبك ظلمة وكآبة، فإذا فتحتَ صفحة من سير الصحابة، فكأنك وجدت نفسك بعد ضلالها، إنْ عبتَ الصحابة بشيء، لم تعِبهم إلا أنهم دون الملائكة، وإنّ ممالك الباطل التي بنتها فارس والروم في ثمانمائة سنة، هَدمها الصحابة في ثلاثين سنة، ورسالتهم: (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد).

يا أحفاد الصحابة: هذا عمر t يشترط على النصارى أن لا يُظهروا شيئا من أعيادهم، ولا يحتفلوا بها إلا داخل كنائسهم وبيوتهم. وقد أطبق الصحابة y على اجتناب الكفار في أعيادهم. فأجمع العلماء بعد الصحابة على ذلك، وعلى تحريمِ مشاركة الكفار في أعيادهم، أو التشبهِ بهم في شيء من شعائرها، أو نقلِها إلى بلاد المسلمين، أو إظهارِ الفرح فيها، أو تهنئتهم بها.

وقد اتفقت المذاهب الإسلامية الأربعة على تحريم النصارى بالكريسماس. قال عمر t: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم). رواه البيهقي بسند صحيح. ويومُ ميلاد المسيح عليه السلام لا يثبت تحديده، والخلاف قائم لدى الأرثوذكس والكاثوليك إلى اليوم، وفي ميلاد المسيح يتذاكر النصارى بُنُوّتَه لله. والعجيب أن النصارى ينزهون رهبانهم عن الزوجة والأولاد، ويجعلون ذلك لله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا. )وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا(.

ولو هنّأك نصراني بعِيد الإسلام، فليس لك أن تهنئه بعيده الباطل؛ فأنت لا تعظم الصنم لأن الوثني دخل معك المسجد. وأحكام الله ليست مبادلة. والملاحظ في خطابات النبي عليه الصلاة والسلام عن الأعياد أنه يركز على مسألة اختصاص هذه الأمة بأعيادها، واختصاصِ الأمم الأخرى بأعيادها، ومن ذلك قوله r: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» متفق عليه. 

إِنَّهَا أَعْيَادُهُمُ الْوَثَنِيَّةُ الَّتِي يُقِيمُونَهَا عَلَى أَشْلَاءِ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَبَاحُوهَا فَمَزَّقُوهَا، وَاغْتَالُوا عَفَافَ نِسَائِهَا، وَأَمْنَ رِجَالِهَا، وَبَرَاءَةَ أَطْفَالِهَا؛ لِتَحْقِيقِ مَصَالِحَ خَاصَّةٍ، وَرَسْمِ سِيَاسَاتٍ جَدِيدَةٍ لِتَدْمِيرِ الدُّوَلِ، وَنَشْرِ الْفَوْضَى فِيهَا، وَمِنْ ثَمَّ إِعَادَةُ تَقْسِيمِهَا وَاسْتِعْمَارُهَا، وَفَرْضُ الذُّلِّ عَلَى كِرَامِ رِجَالِهَا

وكل هوى ومحدثة ضلال ** ضعيفٌ في الحقيقة كالخيالِ

فهذا ما أدين به إلهي ** تعالى عن شبيه أو مثالِ

ومما يذكر ويشكر ويحمد الله سبحانه عليه، ما أعلنته الجمارك السعودية في حسابها الرسمي من عدم السماح بدخول شجرة الكريسماس إلى تراب مملكة التوحيد والعقيدة والسنة.

ثم اعلَموا - رحمكم الله - أن من أعظم ما تزدلِفون به إلى ربِّكم: كثرةَ صلاتكم وسلامكم على الحبيبِ المُصطفى، والرسولِ المُجتبى.

فمن يُصلِّ على المُختارِ واحدةً *** عليه عشرًا يُصلِّي اللهُ فافتخِرِ

يا ربِّ صلِّ عليه كلَّما لمَعَت *** كواكِبٌ في ظلامِ الليل والسَّحَرِ

وآلهِ وجميعِ الصَّحبِ قاطعةً *** الحائِزين بفضلٍ أحسنَ السِّيَرِ

.......

المرفقات

على-ضفاف-البراء

على-ضفاف-البراء

المشاهدات 1126 | التعليقات 0