الكرم في شهر رمضان

عمر الدهيشي
1433/08/29 - 2012/07/19 20:13PM
خطبة : الكرم في استقبال شهر رمضان
عباد الله..من سمات العرب وصفاتهم التي يمتدحون بها وسطرت لها الأشعار ورويت فيها الآثار،خلة محببة إلى النفوس وتتشبث بها القلوب وكل يدعي الاتصاف بها ،وينفر عن ضدها ويغضب بوصمه بمقابلها ،وهي قبل ذلك وبعده خصلة من خصال الإسلام وسمة من سمات المسلمين رغب الشارع الحكيم بالتخلق بها والاتصاف بشعارها إنها صفة الكرم قال صلى (إن الله كريم يحب الكرم،ويحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها) رواه الطبراني والحاكم في مستدركه.
عباد الله.. اتصف الله تعالى بالكرم فقال سبحانه (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم) فالله سبحانه كثير الخير فهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل فهو الكريم المطلق سبحانه ، ومن أوصاف الملائكة أنهم سفرة كرام بررة (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة) واتصف بالكرم خير الخلق وأفضل البشر قال تعالى عن موسى عليه السلام (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) وقال سبحانه عن نبينا صلى (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن) فالكرم صفة كمال وحلية جمال ، وهي من طباع الكبار في قدرهم وفضلهم وشرفهم ، وإذا وصف به الإنسان فهو للدلالة على تحليه بالأخلاق العلية والأفعال المحمودة والمحاسن الكبيرة التي يقصد بها أشرف الوجوه، فإن أكرم الناس أتقاهم لله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .
عباد الله..من أبواب الكرم التي تحث فيها الخطى،ويمدح فيها الفعال،ويثاب فاعلها بعظيم الثواب إكرام الضيف وتقديره ففي الصحيحين أن النبي صلى قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ونحن على عتبات شهر كريم وضيف عزيز وزائر مبارك كم انتظرته النفوس لتعيش أيامه وتتفيأ ظلاله فهو للنفوس دواء وللذنوب ممحصاً وللمغفرة جالباً فمن أوجه إكرام هذا الضيف المبارك حسن استقباله والفرح بقدومه والاستبشار بمجيئه تعبدا لله تعالى وتعرضاً لنفحات الرحمن سبحانه فمن أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه وكان من هديه صلى أنه يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر فرحا واستبشارا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " . أخرجه النسائي وأحمد وهذا الفرح القلبي والأنس النفسي بقدوم هذا الشهر المبارك لا بدا أن يتمثل واقعاً ملموساً بتقوية العلاقة بالله تعالى ، والرجوع إليه سبحانه والإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، ولذا ربط النبي ﷺ البشارة به بتفتح أبواب السماء وإغلاق أبواب الجحيم لتنشط النفوس من شعثها وتستعيد عافيتها وقوتها الروحية وإلا أصبح هذا الفرح فرحاً كاذباً ، ودعوى زائفة (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وأضحى هذا الشهر المبارك كغيره الشهور .
ومن أوجه إكرام هذا الضيف المبارك تصحيح النية وعقد العزم على صيام نهاره وقيام ليله وتلاوة كتاب الله تعالى بتدبر وخشوع والاستغفار والتسبيح والمحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل المقربة من الله تعالى أياً كان نوعها ووقتها وجنسها والاستعانة بالله تعالى على فعل المأمور به؛ كما قال الله تعالى [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه بهذا الدعاء: اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. رواه أبو داود. فلا بد من نية صحيحة وعزيمة صادقة كي تستروح النفوس وتنشرح الصدور بقربها من خالقها وتنهل من الخير والبركة العائدة على النفس والأهل والمجتمع (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) .
ومن أوجه إكرام هذا الشهر المبارك حفظه من كل مفسد وقاطع طريق أيَّاً كان حاله ومصدره فالنفس أمارة بالسوء وداعية إلى الكسل،وشياطين الإنس بالمرصد،وأعداؤك يتربصون بك كي يلهوك عن سعادتك ويصدوك عن أنسك وفرحك الحقيقي، (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما مِنْكُمْ من أَحَدٍ إلا وقد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ من الْجِنِّ، قالوا: وَإِيَّاكَ يا رَسُولَ الله؟ قال: وَإِيَّايَ إلا أَنَّ الله أَعَانَنِي عليه فَأَسْلَمَ فلا يَأْمُرُنِي إلا بِخَيْرٍ. رواه مسلم.أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين وأن يحضرون أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:فاتقوا الله حق التقوى
عباد الله ..أيها الكرماء .. أحسنوا الاستقبال ،وجملوا الرفادة،وأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا في ضيفكم المبارك ، فرمضان زين الشهور ، وبدر البدور ،وهو درة الخاشعين ، ومعراج التالين ، وحبيب العابدين ، وأنيس الذاكرين ، وفرصة التائبين ، ومدرج أولياء الله الصالحين ، إلى رب العالمين . فما هذا الشهر إلا منة منه سبحانه ،ونعمة أنعم الله بها عليكم،فاقدروا لهذا الشهر قدره واعرفوا فضله وشرفه ، قبل أن يحيط بكم الندم ، ويحل بكم الأسى على خيرات فرطتم فيها وحسنات زهدتم عنها ، فكم من مجتهد ومسابق طمع في شهود هذا الشهر المبارك إلا أن يد المنون كانت أسرع إليه، وكم من عاجز تمنى الصيام والظفر بالقيام فحال دونه العجز وأقعده المرض ، فلك الحمد ربنا على واسع فضلك وعموم رحمتك وكريم عطاءك سبحانك لا نحصي ثناء عليك فأعنا يا الله على الصيام والقيام اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا وتسلمه منا متقابلاً يا رب العالمين.
هذا وصلوا..
المشاهدات 2710 | التعليقات 0