الكبر والمتكبرين

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/07/28 - 2016/05/05 18:02PM
خطبة الجمعة
الكبر والمتكبرين
عبدالوهاب المعبأ
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء, ذلَّت لعظمته أنوفُ العظماء, ودانت لجبروته الْمُلوكُ والرؤساء, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, مَن نازعه الكبر صيَّره من الأذلاء, ومن تواضع لأجله أنزله منازل السعداء , وأشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله, سيدُ المتواضعين, يكره ويبغض الجَبَابِرَةَ المتكبرين, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين, والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وسلم تسليما كثيرا, أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ لِله تعالى صفاتٍ تفرَّد بها عن خلقه, لا يجوز لأحدٍ الاتصاف بها, ومن هذه الصفات: الكبر. قال الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

عباد الله:نتحدث في هذه الخطبة عن مرض خطير، وداء عليل، لا يخلو منه كثير من البشر بنسب متفاوتة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وموجب لغضب الرحمن، وسبب عظيم من أسباب الحرمان، إنه الكِبْر عباد الله.

فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناسِ, ولا أن يدخلَه العُجْب والغرور.
فالكِبْرُ والعُجْب داءان مُهْلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس.

الكِبْرُ -عباد الله- حمقٌ ورداءةُ عقل, قيل لبعضهم : ما الكِبر ؟ قال : حُمْقٌ لم يَدْرِ صاحبُه أين يضعُه.
ولا يتكبر أحدٌ إلا لِشُعوره بالنقص في داخله, فالمتكبر ناقصٌ مهزوز الثقة بنفسه, يرى أنَّ فيه عيبًا ونقصًا, لا يُزيله إلا بإظهارِه للناس عكسَ ذلك, فَيَتَصَنَّعُ الكبر والغرور, فيرى أنه بهذا قد كمُل, وهو عند الناس في غاية الحقارة والمقت.

وقد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه, وذم كل جبار متكبر, فقال تعالى:سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
فالمتكبر مصروفٌ عن الحق والهدى, لأنه أقلُّ وأَحْقَرُ من أنْ يُعطاه.
وقال تعالى كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ.
فالمتكبر مطبوعٌ على قلبه, مختومٌ على فؤاده, والمسكينُ لا يشعر بذلك أبدا.

والمتكبرون هم أهل النار وحطامُها, قال تعالى : (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ, فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ, وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ, فقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي, أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي, أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكمَا مِلْؤُهَا ) متفق عليه
والكبر مختص بالله وحده, فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته, قَالَ الله تعالى في الحديث القدسي : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).

وهذه المنازعة قد تسبب العقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بينما رجل يجرُّ إزاره من الخيلاء خُسف به، فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة"، أي هو يغوص فيها والعياذ بالله، والجزاء من جنس العمل، وكذلك يوم القيامة سيكون جزاء المتكبرين بأن يحشروا "أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال"، هذا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، فهذا جزاء التكبر، الذل والصغار والإهانة والاحتقار يوم القيامة والعياذ بالله.
والمتكبر مُتوّعَّدٌ بعدم دخول الجنة, قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ). رواه مسلم
وما عَصَى إبليسُ ربَّه وهو أولُ العاصين, إلا لِمَا اَسْتقرَّ في قلبه من الكبر, (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).
بل إنَّ الكبرَ أشرُّ وأخطرُ من الشرك!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التكبر شَرٌّ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره. ا.ه
الكبر ياعباد الله رفض الحق ودفعه وعدم الالتزام به بعض الناس .. تشتاق نفسه إلى الهداية ..
لكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين ..
نعم يتكبر عن تقصير ثوبه فوق الكعبين .. وإعفاء لحيته ومخالفة المشركين .. فجمال مظهره أعظم عنده من طاعة ربه ..
وبعض النساء كذلك .. لا تزال تتساهل بأمر الحجاب .. حرصاً على تكميل زينتها .. وحسن بزتها .. أو تعصي ربها بنتف حاجبها .. أو تضييق لباسها .. وإذا نصحت استكبرت وطغت ..
ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .. فكيف إذا كان هذا الكبر مانعاً من الهداية ..
كان جبلة بن الأيهم ..
ملكاً من ملوك غسان .. دخل إلى قلبه الإيمان ..
فأسلم ثم كتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه .. يستأذنه في القدوم عليه ..
سرّ عمرُ والمسلمون لذلك سروراً عظيماً ..
وكتب إليه عمر : أن اقدم إلينا .. ولك مالنا وعليك ما علينا ..
فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه ..
فلما دنا من المدينة لبس ثياباً منسوجة بالذهب .. ووضع على رأسه تاجاً مرصعاً بالجوهر ..
وألبس جنوده ثياباً فاخرة ..
ثم دخل المدينة .. فلم يبق أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان ..
فلما دخل على عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! ..
فلما دخل موسم الحج .. حج عمر وخرج معه جبلة ..
فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة ..
فالتفت إليه جبلة مغضباً .. فلطمه فهشم أنفه ..
فغضب الفزاري .. واشتكاه إلى عمر بن الخطاب ..
فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف .. فهشمت أنفه !
فقال : إنه وطئ إزاري ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه ..
فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت .. فإما أن ترضيه .. وإلا اقتص منك ولطمك على وجهك ..
قال : يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة !
قال عمر : يا جبلة .. إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه .. فما تفضله بشيء إلا بالتقوى ..
قال جبلة : إذن أتنصر ..
قال عمر : من بدل دينه فاقتلوه .. فإن تنصرت ضربت عنقك ..
فقال : أخّرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين ..
قال : لك ذلك .. فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة .. وسار إلى القسطنطينية فتنصّر ..
فلما مضى عليه زمان هناك ..
ذهبت اللذات .. وبقيت الحسرات .. فتذكر أيام إسلامه .. ولذة صلاته وصيامه ..
فندم على ترك الدين .. والشرك برب العالمين ..
فجعل يبكي ويقول :
تنصرت الأشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة * وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسير في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
ثم ما زال على نصرانيته حتى مات ..
نعم .. مات على الكفر لأنه تكبر عن الذلة لشرع رب العالمين .. نسأل الله السلامة والعافية

يا مظهرَ الكِبر إِعجاباً بصورتِه ... انظرْ خلاءكَ إِنَّ النتنَ تَثْريبُ
لو فكَّرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ ... ما اسْتشعرَ الكبرَ شُبَّانٌ ولا شيبُ
هل في ابنِ آدمَ غيرُ الرأسِ مَكرُمَةً ... وَفيهِ خَمْسٌ مِن الأقذارِ مضروبُ
أنفٌ يسيلُ وأذْنٌ ريحُها نتِنٌ... والعينُ مُغْمَصَةٌ والثغرُ مَلْعوبُ
يابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً ... أَقصرْ فإِنكَ مأكولٌ ومَشْروبُ

ويا مَن يدّب في قلبِه كبرٌ أو غرور, هل تعلم مِنْ أيِّ شيءٍ خُلِقْتَ؟ خُلِقْتَ مِن نُطْفةٍ حقيرة, {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى}.
وكنت أوّلَ أمرك بين أحشاءِ أُمّك, وخرجتَ من مَجْرى بولِها.
قال الأحنفُ بنُ قيس رحمه الله: عجبتُ لمن يجري في مَجرى البَول مرَّتين، كيف يتكبَّر!
هكذا كنتَ فكيف تتكبر؟ {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ * مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.
مرَّ الأميرُ المهلبُ بنُ أبي صفرة, على مالك بن دينارٍ رحمه الله متبختراً، فقال له: أما علمتَ أنها مِشيةٌ يكرهها الله إلا بينَ الصَّفينِ؟ فقال المهلَّبُ: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوَّلُك نُطفة مَذِرَة، وآخِرُك جيفةٌ قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمِل العَذِرَة, فانكسر، وقال: الآن عَرَفْتَنِي حقَّ المعرفة.
ومرَّ بالحسن شابٌّ عليه بَزَّة حَسَنة، فدعَاه، فقال له: ابن آدمَ، مُعجَبٌ بشبابه، مُحِبٌّ لشمائله، كأنَّ القبرَ قد وارَى بدنَك، وكأنَّك قد لاقيتَ عمَلك، وَيْحَك داوِ قلبَك؛ فإنَّ حاجةَ الله إلى العباد صلاحُ قلوبهم، والاختيالُ دليلُ فسادها.
قال الله تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) [الإسراء:37]، أي: لا تمش في الأرض متبخترًا كمشية الجبارين، فإنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها وشدة وطئك، ومهما شمخت بأنفك عاليًا فلن تبلغ الجبال ارتفاعًا.
قال الله تعالى: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]، أي: لا تمل خدك وتعرض به عن الناس تكبرًا عليهم، ولا تمش في الأرض متبخترًا معجبًا بنفسك، فإن هذا مما يبغضه الله.
عباد الله: وأقبح حالات التكبر أن يتكبر الانسان من غير سبب يدعوه للتكبر، فهذا من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر". أي: فقير مستكبر.
عباد الله: علام يتكبر الناس والجميع من تراب؟! وعلام يتجبر المتجبّرون والموت مصرعهم؟!‍ وبماذا يتعالى بعض الناس على بعض والقبور بعد هذه الدار منازلهم؟! كيف يتكبر الإنسان وهو مخلوق ضعيف فقير ناقص من كل وجه؟! فأوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وبين جنبيه يحمل العذرة.

ومن تكبر لنسبه وحسبه, فهذا من جهله وقلَّة عقله, حيث تعزز وافتخر بكمال غيره, ولذلك قيل :
لئن فخرتَ بآباءٍ ذوي شرف ... لقد صدقت ولكنْ بئس ما وَلدوا

فالمتكبر بالنسب: إنْ كان خسيساً في صفاته, فكيف يَجْبُرُ خِسَّتَهُ بكمال غيره؟ وبأمرٍ ليس مِن عملِه وكسبِه.

ألا ما أقل حظ المتكبرين!! وما أعظم خسرانهم المبين!! فقد خسروا بتكبرهم الإيمان والأعمال الصالحة، وخسروا ما أعده الله للمتواضعين من الثواب والنعيم، وخسروا محبة الناس أجمعين، فالناس جبلوا على محبة المتواضعين ومقت المتكبرين، ومن أظهر من الناس تعظيمهم ومحبتهم، فذلك نفاق وخداع لمصالح معينة يذهب بانقضائها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد: أيها المسلمون, إنَّ الكبرَ له علاماتٌ, فَبِها يَعرف أحدُنا أنه متكبر أو لا, فالكلُّ يدعي أنه بريء من الكبر والغرور, وأنه من المتواضعينَ غايةَ التواضع, فلْيسمع كلُّ واحدٍ مِنَّا هذهِ العلاماتِ حتى يجتنبَها:
أولاً: أنْ ترى لك فضلاً على من هو دونك من المسلمين.
قال بعض السلف: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك.
وقال بعض السلف: من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذلك أنَّ إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام، شُعورُه بأنه أفضل وأرفع منه.

فاحذر أن تظن أنك خيرٌ من أحدٍ من المسلمين, وأنك أفضل منه, وأعلم وأتقى منه, ولو لم يكن ظاهرُه الصلاحَ والتقى, فالله تعالى يقول: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).

ثانيًا: رَدُّ الحق إذا جاء من صغير أو حقير, وعدمُ قبوله لازْدِراِءِ أو بُغْضِ قائله.
وقد سئل الفضيلُ رحمه الله عن التواضع ما هو؟ فقال: أنْ تخضع للحق, وتنقاد له, ولو سمعته من صبي قبلته, ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.
ثالثًا: احتقار الناس وازدراؤهم, قَالَ صلى الله عليه وسلم « الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم
بَطَرُ الْحَقِّ: أي التكبر على الحق فلا يقبله , وَغَمْطُ النَّاسِ: احتقارهم والاستهانة بهم.
فالمتكبر يحتقرُ الفقراءَ والْمُعْوِزين, ويأنفُ أن يأكلَ أو يجلسَ معهم.
اعلم -يا عبد الله- أن للكبر آثاراً تظهر على الجوارح كلها، فترى المتكبر إن سمح أن يمشي مع الناس يكون متقدماً عليهم، حريصاً جداً أن يكونوا كلهم خلفه، كان عبد الرحمن بن عوف -وهو على غناه- لا يعرف من بين خدمه إذ كان لا يظهر في صورة ظاهرة عنهم.

ومشى قوم وراء الحسن البصري -رحمه الله- فمنعهم.

وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في بعض الأوقات يمشي مع بعض أصحابه، فيأمرهم بالتقدم، ويمشي خلفهم، حتى يعلمهم، ويدفع عن نفسه داء الكبر والإعجاب.

ومن آثار الكبر: أن يتكبر الرجل على أهله فلا يتعاطى شغلاً في بيته، وخاصة اذاطلب منه ذلك ترفع وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما روت عائشة: "كان في مهنة أهله" يعني في خدمتهم ومعاونتهم.

وروي عن عمر بن العزيز -رحمه الله تعالى- أتاه ليلة ضيف وكان يكتب، فكاد المصباح أن يطفأ، فقال: الضيف أقوم إلى المصباح فأصلحه، فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال: أفأنبه الغلام؟ أي الخادم، فقال عمر: هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتاً، فقال الضيف: قمت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً.
ومن آثار الكبر: لبس بعض الرجال خاتم ذهب أو ساعة فيها ذهب، أو نظارات فيها ذهب،أوجنبية فيها ذهب فاسمع ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك حين رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فرماه، ثم قال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده".
فنصيب المتكبر من الله كما سمعتم من الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة التي إذا سمعها المتواضع الموفق، فتش عن نفسه وحاسبها مخافة أن يكون قد دخل عليه الكبر، وهو غافل عنه، وأما نصيب المتكبر من الناس أنه ممقوت، محتقر عندهم، فهم يدركون أنه لئيم، لا يتواضع إلا إذا أهنته، ولا يعرف نفسه إلا إذا احتقرته.
فيا عبدالله لا تفخر على أحدٍ فدنياك زائلة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((حقٌّ على الله أن لا يرتفِع شيءٌ من الدّنيا إلا وضعه)) رواه البخاري

فاللهم نجبنا من الكبر وأهله، وعافنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم جنبنا سبل الجبارين وأبعدنا عن التكبر، ونسألك ألا نزهو إلا بالحق على أهل الباطل، ونسألك ألا تجعل لمتكبر مختال علينا سبيلا.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا وإياكم الكبر صغيره وكبيره، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يُكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا من الراشدين.
اللهم اجعلنا من الذين تواضعوا لك فزدتهم رفعة بذلك, اللهم آت نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك التقى والعفاف والغنى, اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا, ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا,
اللهم انا نسالك الهدي و التقي و العفاف والرضا حتي الممات
اللهم ارنا الحق حقا ًو ارزقنا اتباعه و ارنا الباطل باطلا ًو ارزقنا اجتنابه
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ
عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ،
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ، أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
جوال 773027648
المشاهدات 32542 | التعليقات 0