القول الجلي في بيان متطلبات الولاء والانتماء الوطني

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/02/10 - 2020/09/27 22:54PM

Smiley face

القول الجلي في بيان متطلبات الولاء والانتماء الوطني
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أما بعد : إخوة الإسلام حديثنا إليكم اليوم عن متطلبات الولاء و الانتماء الوطني فهل تعرف أخي المسلم ما يجب عليك نجاه وطنك الذي ترعرعت فيه ؟

اعرني سمعك وقلبك لنتعرف على ذلك في أوجز عبارة وارق إشارة

أولا: من متطلبات الولاء و الانتماء الوطني حب الوطن الحب:

بلادي أحبك فوق الظنون       وأشدو بحبك في كل نادي
عشقت لأجلك كل جميل        وهمت لأجلك في كل وادي
و من هام فيك أحب الجمال      وإن لامه الغشم قال: بلادي
لأجل بلادي عصرت النجوم         وأترعت كاسي وصغت الشوادي
وأرسلت شعري يسوق الخطى        بساح الفدا يوم نادى المنادي
و اعلم علمني الله تعالى وأباك أن محبة الأوطان واجبة على أهل الإيمان و الذي و متطلب من متطلبات الولاء و الانتماء  يتأمل القران الكريم يجد أن الله تعالى سوى بين القتل و بين الخروج من الأوطان فدل ذلك على أن الوطن و محبته مركوزة في نفسية الإنسان  قال الله تبارك وتعالى: ﴿  وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [النساء:66] ؛ فقرن جل شأنه الجلاء عن الوطن بالقتل ، وهو بمفهومِه -عباد الله- يفيد أنَّ الإبقاءَ فيه عديلُ الحياةِ ، وقال الله سبحانه وتعالى : ﴿  قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ [البقرة:246] ؛ فجعل القتال ثأراً للجلاء .

أيها المؤمنون: وإذا كان هذا الحب قائمًا في نفوس البشر كلٌّ لوطنه فكيف الأمر في هذا الوطن المبارك ؛ بلدِ التوحيد والعقيدةِ ، ومَهدِ السنة والرِّسالة ، ومهبط الوحي ومأرِز الإيمان ، وأرضِ الحرمين ، وقِبلة جميع المسلمين ؟!

أيها المؤمنون: إن الوطن المسلم القائم على الشرع المقيم لحكم الله جل وعلا قد اجتمع لأهله حبان:

* حب فطري وهو المتقدم ذكره.

* وحب شرعي وهو ذلكم الحب العظيم المبني على الصلاح والإصلاح.

ثانيا: من متطلبات الاستقرار العمل على استقراره وسؤال الله تعالى أن يحفظه من مكر الماكرين ومن كيد الكائدين

والذي يتأمل أحوال الأنبياء والصالحين يجدهم يكثرون من سؤال الله تعالى أن يبارك لهم في أوطانهم

* دعا إبراهيم الخليل-صلى الله عليه وسلم-لمكة { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] فدعوة إبراهيم تركزت علي الآن والرزق وهو ما يعني الآن الاقتصاد في التوقيت المعاصر

* دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – للمدينة وقد دعا النبي صلي الله عليه وسلم للمدينة الَتْ عَائِشَةُ: عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: ( اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ). ([1])

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبوا الدعاء من النبي صلوات الله عليه وسلم

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قَالَوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا»،. ([2])

دعا النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه، فالمرء الصالح يتمنى الخير لموطنه، ويبغض كل ما يسوء إلى وطنه، ويرى وطنه أنها أجمل وأفضل بقاع الأرض مهما فعلوا فيه أهلها.

ثالثا: الدفاع عنه من متطلبات الانتماء والولاء:

إخوة الإسلام أحباب خير الأنام: إن من متطلبات الانتماء والولاء بذل المهج وكل غال ونفيس من أجل سلامته والحفاظ عليه وذلك أيها الأحباب من صميم الإيمان

أبطالُنَا وهُمُ أحادِيثُ الندَى ليسُوا علَى أوطانهم بشِحَاحِ
صبَرُوا علَى مُرِّ القِتالِ فأَدْرَكُوا حُلْوَ المنَى مَعْسُولةَ الأقْدَاحِ

قال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

ثم اعلموا عباد الله أن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن بالسلاح وبالكلمة والدفاع عن الوطن بالسلاح والكلمة جهاد ولا ريب فيه لمن أخلص نيته ومن قتل في ذلك فنرجو له الشهادة

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شهيد". أخرجه أحمد

قُلْتُ-البغوي : ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ دَمُهُ، أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ وَمُقَاتَلَتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ بِالأَحْسَنِ فَالأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلا بِالْمُقَاتَلَةِ، فَقَاتَلَهُ، فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَلا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ" أخرجه أحمد

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي , قَالَ: قَاتِلْهُ  , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي , قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ  , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

فعلى هذا فان كل من قتل دون أرضه أو عرضه أو ماله أو دينه أو أهله فهو شهيد والوطن مال وعرض وأهل ودين ونشر الأمن في ربوعه غاية دينية شرعية

فيا حُماة العرين، وأُباة العِرنين: إن الله تعالى لما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم – أرسله للحفاظ على الكليات الخمس

1-الدين 2-العقل 3-العرض 4-المال 5-النفس

وهذه الخمس مجتمعة في أي وطن إسلامي تقام فيه شعائر الإسلام وترفع فيه راية التوحيد

الخطبة الثانية

 رابعا: من متطلبات الولاء والانتماء: شخصية تنبذ الفرقة والاختلاف

أيها الأحباب: إن من متطلبات الانتماء والولاء نبذ الفرقة والاختلاف:

 أن تحب الجماعة وتكره الفرقة

أن تؤلف ولا تفرق

أن تبني ولا تهدم

أن تعمر ولا تدمر 

لولا التَّعاونُ بينَ النَّاسِ ما شرفتْ         نفسٌ ولا ازدهرتْ أرضٌ بعمرانِ

فيا أمة الإسلام: لماذا الخلاف؛ والدين واحد، والقرآن واحد، والقبلة واحدة؟

لماذا الفرقة؛ والأصل واحد، والأمة واحدة؟

لماذا الفرقة والخلاف؛ والوطن يجمعنا، والبلاد تضمّنا، ومصلحة البلاد غايتنا؟

إلى متى الفرقة؛ ونحن ندرك ما فيها من ضرر وفساد؟

فهل يختلّ نظام المجتمع، وتنتشرُ الفوضى والاضطرابات، وتتصدعُ أركان الأمة، وتتهددُ عروشها، وتنهَدّ حضاراتها؛ إلا بتفرقِ أهلها وتنازعِهم؟

وهل تتعطل مصالحُ البلاد ومنافعُ العباد؛ إلا بالتفكك، والتعصب للآراء، واتباع الأهواء؟

وهل يتسلط الأعداء ويتمكنون من رقاب الناس؛ إلا بتضارب الآراء، وتحكيم الشهوات والأهواء، وانتشار الأحقاد والحزازات الشخصية والنزَعات الفردية؟

فإلى متى التفرق يا أمة الوحدة والألفة والإخاء؟

و هذا هو نبع الإيمان و الالتزام بأوامر الرحمن و التمسك بهدي سيد ولد عدانان صلى الله عليه وسلم-  قال الله تعالى { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]

ثم نهانا سبحانه وتعالى عن التشبه بالأمم السابقة التي دب إليها داء الفرقة و الاختلاف فقال سبحانه { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]

وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم البشرية جمعاء و أمرهم أن يلتزموا فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة. ومن قاتل تحت راية عِمّيّة، يغضب لعَصَبة، أو يدعو إلى عَصَبة، أو ينصر عصبة، فقتِلَ، فقِتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يَفِي لذي عهد عهدَه، فليس منّي ولستُ منه» رواه مسلم. ([3])

عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة؛ فإنها سبب في قوتكم وعزكم وأمنكم. وإياكم والعصبيةَ ومفارقة الجماعة، فذاك من عمل الجاهلية التي أنقذنا الله تعالى منها بالإسلام،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ.([4])

إنِّي رأيتُ نملةً           في حيرةٍ بين الجبال
لم تستطعْ حملَ الطَّعامِ            وحدَها فوق الرِّمال
نادت على أختٍ لها              تعينُها فالحملُ مال
لم يستطيعا حملَه                تذكَّرا قولًا يُقَال
تعاونوا جميعكم          فالخير يأتي بالوصال
نادت على إخوانِها               جاءوا جميعًا بالحبال
جرُّوا معًا طعامَهم                لم يعرفوا شيئًا محال
الدعاء ..........................................................
 

[1] -أخرجه البخاري (3/29)

[2] -(أخرجه الترمذي) 2268 ,

[3] - مسند أحمد ط الرسالة (38/ 221)حسن لغيره،

[4] - سنن الترمذي ت شاكر (4/ 466)[حكم الألباني] : صحيح

المرفقات

القول-الجلي-في-بيان-متطلبات-الولاء-وال

القول-الجلي-في-بيان-متطلبات-الولاء-وال

المشاهدات 2699 | التعليقات 0