القناعـــــــــــــــــــة شفــــــــــــــــــــــــــــــاء ( خطبة جمعة )

محمد بن سليمان المهوس
1439/01/29 - 2017/10/19 18:37PM

الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمد عبده

ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .......

أما بعدُ، فاتَّقوا الله - معاشرَ المؤمنين - حقَّ التَّقوى، وأصْلِحوا أقوالكم وأحوالكم، تصلح لكم أعمالكم وآخرتكم؛ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))

أيها المسلمون / كثير منا قد رأى صنوفا من الناس في هذا الزمن من لا يقنع ولو ملك كنوز الأرض ؛ ولا يكتفي بجمع حطام الدنيا ولو على حساب دينه وخلقه وصحته ؛عقله وفكره وبدنه ونومه ويقظته كلها في الدنيا ؛ ماذا كسب اليوم وماذا خسر ولذلك تجده يتحيل على الدنيا بالحلال والحرام والكذب والخديعة ولا يبالي ! لأن الدنيا استعبدته والعياذ بالله، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ ) رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  .

فعدم القناعة عذاب في الدنيا والآخرة ومن أعظم ثمارها محق البركة وذهابها من النفس والمال والوقت وغيره ؛ إذ من أهم أسباب محق البركة: ضعف الإيمان بالله تعالى ،وعدم ترويض القلب على القناعة والغنى؛ فإن حقيقة الفقر والـغـنـى تكون في القـلب؛ فمن كان غني القلب نَعُمَ بالسعادة وتحلى بالرضى والبركة ، وإن كان لا يجد قـوتَ يـومـه،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من أصبحَ منْكم آمناً في سِرْبِهِ، معافىً في جَسَدِهِ، عنْده قُوتَ يوْمهِ، فكأنّما حِيزَتْ لَهُ الدّنيا بِحَذَافِيرِهَا )) رواه الترمذي ، وحسنه الألباني

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَه)) رواه أحمد ، وصححه الألباني .

وفي المقابل من كان فقير القلب؛ فإنه لو ملك الأرض ومن عليها إلا درهماً واحداً لرأى غِناه في ذلك الدرهم؛ فلا يزال فقيراً حتى ينالَه قال تعالى ((مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ))

فقناعةُ المؤمن ورضاه بما قسم الله له من رزق، وعدمُ سؤالِه وتطلعه إلى ما عند الآخرين، والطمع في تحصيله ، سببٌ عظيم من أسباب البركة، ولو كان رزقُه قليلاً،كما أن السؤالَ وحرص النفس وطمعَها إلى ما عند الآخرين، سببٌ عظيم من أسباب محقِ البركة، ولو كان هذا المالُ الذي سيحصل عليه كثيراً قال تعالى (( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ،فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ: مَا اسْمُكَ قَالَ فُلانٌ لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّه:ِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ))

ومن أسباب محق البركة : كثرةُ الذنوب وانتشارها فهي من أهم أسباب محق البركة فللمعصية أثر عظيم في محق بركة المال والعمر والعلم والعمل فعن عن ثوبانَ مولَى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه)) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني ، فالعاصي كلما ازدادت معصيتُه ازداد بُعْداً من الله ولا ينال ما عنده إلا بطاعته والقرب منه.

فاتقوا الله تعالى ، واقنعوا بما رزقكم الله من فضله ؛ فالقناعة شفاء ودواء ، وراحة نفس وهناء ، وقد قيل :

 هي القناعة فالْزمها تعِشْ ملِكًا   لو لم يكُن لك إلا راحـةَ البدنِ

فأين منْ ملك الدنيا بأجْمَعِهـا   هلْ راح منها بغير القُطْنِ والْكَفنِ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

                           الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن القناعة لا تحدُّ من الطموح والنجاح، ولا تسدّ الآفاق، ولا تحبسك عما كان لك من همم وأبعاد، ولا تقيدك عن العلوم النافعة، ولا توقفك عن اهتماماتك، بل تعينك على كل حياتك ، كلما كنت مع ربك وخالقك ،وكما قيل :

 إذا غامرت في شرفٍ مَرُومٍٍ

                                      فلا تقْنع بما دُونَ النُّجُومِ

ولكنَّ الحذرُ كلُّ الحذر من الطمع والحرص، والتفرغِ للدنيا وجعلِها أكبرَِ الهموم والاهتمام ، لا يتحرى العبدُ فيها الحلالَ في كسبه ؛ قد شغلت الدنيا أكثرَ وقته، وسيطرت على تفكيره ، فلا يبالي بماله أجَمعه من حلال أم من حرام، وقد روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)) أخرجه ابن ماجه ، وصححه الألباني .

، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .

المرفقات

شفاء

شفاء

المشاهدات 2335 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا