القناعة كنز لا يفنى.

خطبة جمعة بعنوان:
القناعة كنز لا يفنى!
اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى:
الحمد لله الكريم المنان، واسع الكرم والإحسان، أسبغ علينا الكثير من النعم، وجاد علينا بعظيم المنن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( فَبَشِّرْ عِبَادِ (17(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18))
أيها المسلمون:
 لقد خلق الله تعالى الإنسان وأكرمه وأعطاه، فمنهم الراضي القانع، ومنهم الجَشِعٌ الطامع،
 قال تعالى: " فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16))
والموفق من رضي بقسمةِ الله تعالى وعطائه، ولم يتذمر أو يتسخط
فالقناعة هي الرضا بالموجود، وترك الحزن على المفقود.
 ولها ثمرات عظيمة في حياة الإنسان، فهي عزة في النفس لا تشترى، وسعادة لا تنقطع، ومال لا ينفد، وحياة هانئة آمنة، قال الله تبارك وتعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت.
وقد ذكر المفسرون عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: أنهم فسروا الحياة الطيبة بالقناعة.
ومن رُزق القناعة فقد أفلح، وكُللت مساعيه بالنجاح،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ.».
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوعا بما آتاه الله عز وجل يطلب الآخرة، ويرجو مرضاة ربه، ويدعوه قائلا:« اللَّهمَّ اجعل رِزقَ آلِ محمَّدٍ قوتًا».
عباد الله: إن النفس البشرية ميالة للزيادة، ومحبة للاستكثار، ويقول الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها
 وإذا تُرَدُ إلى قليلٍ تقنعِ
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهذب سلوك أصحابه بما يجنبهم شدة التطلع للزيادة، ويحقق لهم القناعة والسعادة،
 فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال:" سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى. قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا.
وقد تلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التوجيه بصدق ويقين، فكانوا يربون أولادهم على القناعة وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس،
أوصى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ابنه حين حضره الموت فقال: "يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني: إذا أردت أن تصلي فأحسن وضوءك ثم صل صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى، وإياك وما يعتذر منه" (الطبراني في المعجم الكبير "312") (ويقصد باليأس القناعة)
خذ القناعة من الدنيا وارضَ بها
واجعل نصيبك منها راحة البدنِ
وانظر لمن مَلَكَ الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكَفَنِ
أيها المسلمون: لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطرق والوسائل التي ترشدنا إلى القناعة والرضا، وأساس ذلك أن يوقن الإنسان بأن الرزق والنعم من الله تعالى، قال سبحانه:(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ)
وعلى المسلم أن يتأمل نعم الله عليه، ولا يقارن بينه وبين الناس، وإذا قارن فلينظر إلى من هو أقل منه كي يستحضر نعمة الله عليه ولا يزدريها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم ، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم».
ومن رزق القناعة أبصر نعم الله عليه فشكرها، ومن لم يقنع جحد ولم يشكر
فاللهم ارزقنا القناعة في أمورنا، وهب لنا الرضا بما أعطيتنا، ووفقنا جميعا لطاعتك.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
* الخطبة الثانية *
الحمد لله جعل الغنى والفقر، وأمر بالصلاة والصبر، فاضل بين عباده في حظوظ الدنيا، وحظوظ الآخرة، وأعظم الأجر.
وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العظمة والقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رفع الله ذكره، وشرح له الصدر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما سجى ليل وانبثق من بعده الفجر.
أما بعد:
 فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من حُرم القناعة فقد قل يقينه بربه واتبع هواه.
وكان أحد الصالحين يقول: من أكثر نعم الله على عباده وأعظمها شأنا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضـاء، والثقة بالله تعالى.
لما لا تقنع وأنت تعلم أن من يوزع الأرزاق ويكتب الأقدار هو رب البريات عز وجل؟
الله أعلم بما يصلح حالك وبما يناسب وضعك، وبما يهذب نفسك وبما يكون سببا في سعادتك في الآخرة..
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
فارضَ واقنع يرحمك الله بما قدر لك
وأبشر فمن رضي فله الرضا هكذا بشرنا صلى الله عليه وسلم.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم ارزقنا رزقا واسعا طيبا مباركا فيه
وارزقنا القناعة بما رزقتنا ووهبتنا.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته
 ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ,وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع من له حق علينا يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم لطفك بأهلنا المستضعفين في كل مكان اللهم ادحر اليهود المعتدين اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير واجعلهم رحمة وبركة على العباد والبلاد وعزا للإسلام والمسلمين.
اللهم صل على نبينا محمد.
عباد الله!
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المرفقات

1724856307_القناعة كنز لا يفنى .pdf

المشاهدات 636 | التعليقات 0