القلوب الأربعة! الشيخ عبد اللطيف التويجري
احمد ابوبكر
"سورة الحج فيها مكي ومدني، وليلي ونهاري، وسفري وحضري، وشتائي وصيفي؛ وتضمنت منازل المسير إلى الله بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها.
ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمخبت الحي المطمئن إلى الله.
وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ على اختصارها ما هو بين لمن تدبره، وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها توحيدًا وصلاة وزكاة وحجًا وصيامًا قد تضمن ذلك كله قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} فيدخل في قوله: {وافعلوا الخير} كل واجب ومستحب؛ فخصص في هذه الآية وعمم ثم قال: {وجاهدوا في الله حق جهاده} فهذه الآية وما بعدها: لم تترك خيرًا إلا جمعته ولا شرا إلا نفته".
انتهى بنصِّه من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: [٢٦٦/١٥] رحمه الله تعالى.
صحيح أن سورة الحج عجيبة جدًا، وهي سورةٌ سميت بركن من أركان الإسلام، فهي تؤصل للعقيدة، وتؤسس للتوحيد، وتدعو إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وتنافح عن دين الرسل، وهي من أعاجيب السور كما ذكره ابن سلامة البغدادي، وأبو بكر الغزنوي، وابن حزم الأندلسي، وابن تيمية الحراني.
ومن عجائب هذه السورة الكريمة أنه اجتمع فيها سجودان، وهذا لم يحدث في سورة أخرى، بل قال بعض العلماء: (إن السجود الثاني فيها، هو آخر سجود نزل في القرآن الكريم).
لكن أكثر ما شدَّني من نصِّ ابن تيمية السابق هو قوله: (ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمخبت الحي المطمئن إلى الله).
أسرني هذا النص، وكنتُ أقول: فعلًا كم نحن بحاجة إلى التعرف على أحوال قلوبنا، ومعالجتها بمواعظ القرآن، وأنوار الذكر، فَلَو بحثت في أودية الدنيا كلِّها، وبحار الشرق والغرب لدواء قلبك= فلن تجد أنجع من مواعظ القرآن، وأنوار الرسالة.
والآيات التي عناها الإمام ابن تيمية هي قوله تعالى: ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ هذا في القلب الأعمى، وقوله تعالى: ﴿ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض، والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد﴾، في القلب المريض والقاسي، وقوله تعالى: ﴿وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم..﴾ في القلب المخبت الحي المطمئن إلى الله.
ففتِّش عن قلبك يا مَنْ أدركت هذه الأيام المباركات، فتِّش عن منازل قلبك، وقناديل إيمانك، من خلال تدبر سورة الحج العظيمة، فقد اجتمع لك الحال والزمان، ولو طَهُرَ قلبي وقلبك ما شبعا من كلام الله جلَّ في عُلاه.
عبداللطيف التويجري
٣/ذو الحجة/١٤٣٨هـ