القِصَّةُ العَجِيبَةُ 30 صفر 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/02/28 - 2023/09/13 17:21PM

القِصَّةُ العَجِيبَةُ 30 صَفَر 1445هـ

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتِقَيمٍ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الْنَّهْجِ الْقَوِيمِ، أَحْمَدُهُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأتوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلَّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْتَبِرُوا بِمَا فِي كِتَابِ رَبِّكُمْ وَبِمَا فِي سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ مِنْ قِصَصٍ وَعِبَر, فَإِنَّ مَا فِيهِمَا أَصْدَقُ الْقَصَصِ وَأَنْفَعُهَا, وَاللهُ تَعَالَى ذَكَرَهَا لَنَا لِنَسْتَفِيدَ مِنْ عِظَاتِهَا وَنَتَأَمَّلَ فَوَائِدَهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ ذَكَرَهَا اللهُ مُخْتَصَرَةً فِي الْقُرْآنِ, وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ مُطَوَّلَةً فِي سُنَّتِهِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.

عَنْ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا فَهِمًا لَقِنًا، فَأُعَلِّمَهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا العِلْمُ، وَلاَ يَكُونَ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُه، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ - وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ- فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ, فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ, فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ, فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ وَيُبْطِئُ, فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ.

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ (قِيلَ: إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتْ أَسَدًا) فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا, وَمَضَى النَّاسُ.

فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ، حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ (أي : المنشار)، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ.

فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ) [هذا لفظ مسلم وفيه بعض من رواية الترمذي.] انْتَهَتِ الْقِصَّةُ, وَفِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِإِذْنِ اللهِ نَأْخُذُ بَعْضَ عِبَرِهَا, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كِلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا رَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ, وَاحْذَرُوا السِّحْرَ فَإِنَّهُ كُفْرٌ لا يَحِلُّ تَعَلُّمُهُ وَلا تَعْلِيمُهُ, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِيهَا عِبَرٌ مُفِيْدَةٌ, فَمِنْهَا: أَنَّ التَّعْلِيمَ فِي الصِّغَرِ مُؤَثِّرٌ جِدًّا وَالصَّغِيرُ يَتَعَلَّمُ بِسُرْعَةٍ وَيَفْهَمُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ, وَلِذَلِكَ فَمَا أَحْوَجَكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ تَهْتَمَّ بِأَطْفَالِكَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ, وَتَزْرَعَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْعِلْمِ وَتَدْفَعَهُمْ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالالْتحَاقِ بِحِلَقِ الْعِلْمِ, فَمَنْ يَدْرِي قَدْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِكَ مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا.

وَمِنْ فَوائِدِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يُبْتَلَى فِي دِينِهِ, فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ وَيَحْذَرَ الْفِتَنَ, وَلا يَتَزَحْزَحُ عَنْ دِينِهِ مَهْمَا كَانَتِ الظُّرُوفُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ, وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الشَّبَابِ رُبَّمَا ظَنَّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلِيلًا عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ بِالْعَمَلِيَّاتِ الاسْتِشْهَادِيَّةِ, وَهِيَ فِي الْوَاقِعِ عَمَلِيَّاتٌ انْتِحَارِيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ, قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ : فَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الانْتِحَارِ, بِحَيْثُ يَحْمِلُ آلآتٍ مُتَفَجِّرَةً وَيَتَقَدَّمُ بِهَا إِلَى الْكُفَّارِ ثُمَّ يُفَجِّرُهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَبَدَ الآبِدِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّ هَذَا قَتَلَ نَفْسَهُ لا فِي مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَقَتَلَ عَشْرَةً أَو مِائَةً أو مِائَتَيْنِ، لَمْ يَنْتَفِعِ الْإِسْلَامُ بِذَلِكَ فَلَمْ يُسْلِمِ النَّاسُ، بِخَلَافِ قِصَّةِ الْغُلَامِ، وَهَذَا رُبَّمَا يَتَعَنَّتُ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ وَيُوغِرُ صَدْرَهُ هَذَا الْعَمَلُ حَتَّى يَفْتِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَشَدَّ الْفَتْكِ ...
وَلِهَذَا نَرَى ... أَنَّهُ قَتْلٌ لِلنَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّهُ مُوجِبٌ لِدُخُولِ النَّارِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ، لَكِنْ إِذَا فَعَلَ الإِنْسَانُ هَذَا مُتَأَوِلَّاً ظَانًّا أَنَّهُ جَائِزٌ فَإِنَّنَا نَرْجُو أَنْ يَسْلَمَ مِنَ اْلإِثْمِ . ا.ه.(شَرْحُ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ 1/222)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَنَّ الشَّافِيَ مِنَ الْأَمْرَاضِ هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعَلَّقَ قُلُوبَنَا بِاللهِ وَأَنْ نَّهْتَمَّ بِتَصْحِيحِ إِيمَانِنَا, فَإِنَّ جَلِيسَ الْمَلِكِ جَاءَ لِلْغُلَامِ بِالْأَمْوَالِ لِيُعْطِيَهُ إِنْ هُوَ شَفَاهُ, فَبَيَّنَ لَهُ الْغُلَامُ الْمُؤْمِنُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللهُ, ثُمَّ أَمَرَهُ بِالإِيمَانِ بِاللهِ ثُمَّ دَعَا اللهَ لَهُ فَشَفَاهُ. فَمَا أَكْثَرَ مَا نُبْتَلَى بِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ نَحْنُ وَأَهَالِينَا, فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّقَ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَدْعُوَهُ بِالشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةَ.

أَسْأَلُ اللهَ بِـمَنَّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُتِمَّ عَافِيَتَهُ عَلَيْنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَنْ يَلْطُفَ بِنَا وَلا يَكِلَنَا إِلى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ, اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا, وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَارَبَّ العَالـَمِينَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

1694614901_القِصَّةُ العَجِيبَةُ 30 صفر 1445هـ.doc

المشاهدات 1788 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا