القرآن وقرب رمضان 8-8-1443

محمد آل مداوي
1443/08/07 - 2022/03/10 09:25AM

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلمُ ما يَلِجُ في الأرضِ وما يخرُج منها، وما ينزِلُ من السماءِ وما يعرُج فيها، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بشيرُ الأمةِ ونذيرُها وهاديها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوَى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله، لا تحزَنوا على الدُّنيا فعاقِبَتُها الرَّحيل، وتوكَّلوا على ربِّكم فهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيل.. مَنْ أَنِسَ بالقُرآنِ لم يُوحِشْهُ شيء، ومَنْ عَظُمَ رجاؤه حَسُنَتْ عبادَتُه، والتأسُّفُ على الماضي تفويتٌ للحاضِر، ومَنْ أحسَنَ الظنَّ أحسَنَ العمل، ومَنْ ظنَّ أنَّ حياةَ غيرِه خيرٌ من حياتِه فقد حُرِمَ القناعة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

أيها المسلمون: مِنْ حكمَةِ اللهِ ورحمتِه بخَلْقِه؛ أنْ بعَثَ فيهم رُسُلَهُ وأنزَلَ عليهم كُتُبَه، فأنزلَ التوراةَ والإنجيلَ والزَّبُورَ وصُحُفَ إبراهيمَ وموسى، وختمَها بالقرآنِ العظيم؛ أعظمِها فضلاً وأشْرَفِها قَدْرًا.

حَمِدَ نفسَهُ سبحانه على إنزالِه للقرآنِ فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا). وأقسَمَ به فقال: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) ووصفَهُ بالعظَمَةِ فقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)

هو شَرَفٌ للنبيِّ r ولأمَّتِه، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ). وهو روحُها لِتَوَقُّفِ الحياةِ الحقيقيةِ عليه، وإذا ابتعدَ المرءُ عنه كانَ حيًّا بلا حياة، قال سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)

لو أنزلَهُ اللهُ على جَبلٍ لخشَعَ وتصدَّعَ؛ ذُلاًّ لله وطاعة.

لا يَصِحُّ إيمانُ عَبدٍ حتى يُؤمنَ به جُملةً وتفصيلاً، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ)

حفِظَهُ الله قبلَ إنزالِه، فقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) وصانَهُ مِنَ الشياطين وقتَ نُزولِه، (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ) وتكفَّلَ بحفظِهِ بعدَ نُزولِه، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

علَّمَ اللهُ عبادَهُ القرآنَ ويَسَّرَهُ لهم تلاوةً وعمَلاً وحِفْظًا، يحفظُه العربيُّ والعَجَميُّ، والصغيرُ والكبيرُ، والذكرُ والأنثى، والغنيُّ والفقير.

فيه هِدايةُ الخَلْق، ومعَ الهدايةِ فيه الرَّحمة، (هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) عِصْمَةٌ مِنَ الضَّلالِ لمن تمسَّكَ به، قال عليه الصلاة والسلام: "تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعدَهُ إنِ اعتَصَمْتُم به: كتابَ الله" رواه مسلم.

وأسعَدُ الناسِ أقرَبُهم مِنْ كتابِ الله، وهو أمانٌ للمُجتمعِ وبركةٌ عليه، وفيه الأُنسُ والرِّفعةُ ورِضا ربِّ العالمين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). هو شفاءٌ لأمراضِ الأبدان؛ لدَغَتْ عقربٌ رجلاً في عهدِ النبيِّ r، فقُرئَ عليه سورةُ الفاتحة فبَرأَ. رواه البخاري.

ولا غِنى لأحدٍ عن كتابِ الله، فنبيُّنا محمدٌ r أكملُ الناسِ عقلاً، وكمَالُ عقلِه لم يَهْدِهِ إلى الصواب، وإنما هدايتُه بالقرآن، قال سبحانه: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه.. أما بعد أيها المسلمون:

فالتمسُّكُ بكتابِ الله وتلاوتُه؛ هو وصيةُ النبيِّ r للأمة. سُئِلَ عَبدُالله بنُ أبي أوفَى رضي الله عنه عن وصيَّةِ رسولِ الله r فقال: "أوصَى بكتابِ الله" رواه البخاري.. قال ابنُ حجرٍ رحمه الله: "والمُرادُ بالوصيَّة بكتابِ الله: حِفْظُه حِسًّا ومعنًى، فيُكرَمُ ويُصَانُ ويُتَّبعُ ما فيه، ويُداوَمُ على تلاوته وتعلُّمِه وتعليمِه".

والقرآنُ كلامُ ربِّ العالمين، تكلَّمَ به حقيقةً بحرفٍ وصَوْتٍ مَسْمُوعَين، منهُ بدأَ وإليه يعودُ في آخرِ الزمان، سَمِعَهُ خيرُ الملائكةِ جبريلُ –عليه السلام– مِنَ اللهِ عزَّ وجل، ونزَلَ به على خيرِ الرُّسُلِ في أشرَفِ البِقَاع، وفي خيرِ شهرٍ، وفي خَيرِ الليالي: ليلةِ القدر، لخيرِ أمةٍ بأفضل لغةٍ وأجمعِها.

عبادَ الله: أمَا وقد دنا شهرُ القرآن، وتراءَتْ لنا أنوارُه؛ فجَديرٌ بنا أنْ نتعلَّقَ بكتابِ الله، وأن نعودَ إلى رِحابِه؛ تلاوةً وتدبُّرا، وعملاً وتطبيقًا، وهدايةً وسُلُوكا.. (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِل اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)

ألَا فاتَّقوا الله عبادَ الله، خُذوا الكتابَ بقوَّة، اقرأوهُ وتدبَّروه، وتخلَّقوا بأخلاقِه.. علِّموهُ صغارَكم، وربُّوهم على تَعظيمِه والأنسِ به، والتأدُّبِ بآدابِه، فهو النُّورُ والحياة؛ (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

 

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّرْ أعداء الدين، واجعلِ اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا، وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم يا قوي يا عزيز، أنْجِ المُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، يا رب العالمين.

اللهم وفّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه وولي عهده على ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.. اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفَظ رجال أمننا واحفظ جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم يا رب احفَظهم بحفظك، وأيدهم بتأييدك، وانصُرهم على القوم المعتدين، اللهم عاف جريحهم، وتقبل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخير يا رب العالمين.

اللهم بلّغنا بمنّك وكرمك شهر رمضان، اللهم سلّمنا إليه، وتسلّمه منا متقبّلاً
يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1646904337_خطبة 8-8-1443 القرآن الكريم.docx

1646904337_خطبة 8-8-1443 القرآن الكريم.pdf

المشاهدات 915 | التعليقات 0