القرآنُ والواقعُ

محمد محمد
1446/10/12 - 2025/04/10 16:52PM

القرآنُ والواقعُ-13-10-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

النَّاظِرُ إلى أَحدَاثِ الوَاقِعِ بِعِينِ البَصِيرَةِ والعِلْمِ، يَرَى مَا يَشِيبُ لَهُ الرَّأسُ ويَحارُ مِنهُ الحليمُ، فَقَد اختَلَطَتْ الأُمُورُ وَظَهَرَتْ الـمُتَنَاقِضَاتُ، وَأَصبَحَ كَثِيرٌ مِن الحَلالِ والحَرَامِ مِن الـمُتَشَابـِهَاتِ، وَصَارَ يَصعُبُ التَّفرِيقُ بِينَ مَلامحِ الأَعدَاءِ والأَصدِقَاءِ، وَرَأينَا الـمُحتَلَّ يَطرِدُ صَاحِبَ الأَرضِ دُونَ حَيَاءٍ، وَتَكَاثَرَت مَصَادِرُ التَّربيَّةِ فِي تَوجِيهِ عُقُولِ الأَبنَاءِ، حَتَى فَلَتَ الزِّمَامُ مِن أَيدي كَثِيرٍ مِنَ الأُمَّهَاتِ والآبَاءِ، وَتَصَادَمَتْ الـمَبَادِئُ الرَّفِيعَةُ مَعَ أَصحَابِ الشُّهرَةِ الوَضِيعَةِ، وَأَصبَحَتْ الأَخلاقُ الفَاضِلَةُ سَبَبًا لِلمُحَاولاتِ الفَاشِلَةِ، وَرَأينَا الاقتِصَادَ العَالـميَّ يَتَأرجَحُ بِسَببِ تَصرِيحٍ أَو قَرارٍ، وَظَنَّ كَثِيرونَ أَنَّ مُستَقبَلَهُم عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، وَصَارَ العَالَمُ يَبحَثُ عَنِ الاستِقرَارِ والسَّلامِ، ويُنَادي كَيفَ التَّمييزُ بَينَ النُّورِ والظَّلامِ؟

إخواني: قَد يُعذَرُ الكُّفَّارُ فِيمَا هُم فِيهِ مِن التَّخَبُّطِ والضَّيَاعِ الأَليمِ، وَلَكِنْ مَا هُو العُذرُ لِمَن بَينَ يَديهِ الهُدى والصِّرَاطُ الـمُستَقِيمُ، وَقَد قَالَ اللهُ-تَعَالى-: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وَقَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ".

فِي كِتَابِ اللهِ-تَعَالى-تَرى الأُمُورَ عَلى حَقِيقَتِها الوَافِيَّةِ، وتَظهَرُ لَكَ الأَحدَاثُ بِألوانـِها الصَّافِيَّةِ، فيه الهُدَى وَالنُّورُ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبلَكُم، وَخَبَرُ مَا بَعدَكُم، وَحُكمُ مَا بَينَكُم.

فِي كِتَابِ اللهِ-تَعَالى-يَنكَشِفُ الأَعدَاءُ، الذينَ يُبطِنُونَ الـمَكرَ السَّيءَ والدَّهَاءَ، واقرَأَ قَولَهُ-تَعالى-: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)، فَلا يُـحِبُّونَ لَكُم أَيَّ خَيرٍ، وتَأَمَلْ قَولَهُ-سُبحَانَهُ-فِي الـمُنافِقينَ: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، وفِي الـمُقَابِلِ يَظهَرُ لَكَ الأَصدِقَاءُ، الذينَ لَهُم الـمَحبَّةُ والإخَاءُ، فَيَقُولُ-عَزَّ وَجلَّ-: (إِنـَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، فَكيفَ بَعدَ ذَلِكَ يَلتَبِسُ العَدُوُّ بِالصَّدِيقِ، مَهمَا ظَهَرَ لَكَ مِنَ الـمُجَامَلاتِ والتَّزويقِ.

فِي كِتَابِ اللهِ-تَعالى-تَظهَرُ مَصَادِرُ التَّربيةِ الأَصِيلَةُ، وتَتجَلى الأَخلاقُ الفاضِلَةُ النَبيلَةُ، ولَكُم فِي هَدي الأَنبيَاءِ كُلُّ صِفَةٍ جَليلَةٍ، وَقَد أَوصَى اللهُ-تَعالى-نَبيَّهُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-بالاقتِدَاءِ بِهِم فَقَالَ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، وَأَوصَانَا بالاقتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، فَكَيفَ بَعَدَ ذَلِكَ نَبحَثُ عَن قُدُواتٍ؟! وَمَن سُواهُم قَد بَلغَ الغَايَةَ والكَمَالاتِ.

وَأَمَا أَصحَابُ الشُّهرَةِ الـمَذمُومَةِ، فَقَد قَصَّ اللهُ-تَعالى-عَلينَا فِي كِتَابِهِ بَعضَ أَخبَارِهِم، فَمَنْهم منِ اِشْتُهِرَ بِشَرِّهِ: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) وَمَن اِشْتُهِرَ بـِمُلكِهِ: (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا)، وَمَن اِشْتُهِرَ بِـمَالِهِ: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)، وَهَكَذا كُلِّ شُهرَةٍ لَم تَكُنْ لِوَجهِ اللهِ الكَريمِ، فَإنَّ صَاحِبَهَا عَلى خَطَرٍ جَسيمٍ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

ففِي كِتَابِ اللهِ-تَعَالى-بِشَارَةٌ لِمَن يَـخَافُ الفَقرَ وَسُقُوطَ الاقتِصَادِ، فَالرِّزقُ إنـَّمَا هُو بِيَدِ اللهِ الذي خَلقَ العِبَادَ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، وَقَد تَكَفَّلَ بِرزقِ كُلِّ دَابَّةٍ خَلَقَها، فَقالَ-سُبحَانَهُ-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين)، فَلا يُؤَثِّرُ فِي أَرزَاقِنَا تَصريحُ أَحدٍ، ولا يـَمنَعُ مَا كَتَبَ اللهُ قَرارُ أَحدٍ، (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكروا لَهُ).

فِي كِتَابِ اللهِ-تَعَالى-تَشخِيصٌ دَقِيقٌ يَكشِفُ عُيُوبَنَا، وأَسبَابَ القَلقِ والخَوفِ الذي شَغَلَ قُلُوبَنَا، أَلا وَهُوَ حُبُّ الدُّنيَا، والتَّعلُّقُ بـِهَا، وإعطَاؤُهَا أَكبَرُ مِن مَكَانَتِهَا، مِـمَّا أَثَّرَ عَلى نِسيَانِ الآخِرَةِ، والعَملِ لَـهَا، واستِبعَادِ وَقتِهَا، (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ*وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)، وَقَد ضَرَبَ اللهُ-تَعَالى-لَنَا فِي كِتَابِهِ مَثلًا لِهَذِهِ الحَياةِ الصَّغِيرةِ، التي أَشغَلَتْ القُلوبَ، وأَسهَرَتْ العُيُونَ، وضَاعَ بِسَبَبِهَا دِينُ كَثِيرٍ من الناسِ، فَقَالَ-سُبحَانَهُ-: (إِنّـَمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مـِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنّـَهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نـَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فَأينَ الـمُتَفَكِّرونَ؟

وَهَكَذا يَضعُ القُرآنُ الكَريمُ النُّقَاطَ عَلى الحُرُوفِ، وتَظهَرُ فِي آيَاتِهِ الحَقَائقُ ويَذهَبُ الخَوفُ، ويَعرِفُ الإنسَانُ الغَايَةَ مِن وُجُودِهِ فِي هَذهِ الحَياةِ، ويَعلَمُ الأَعدَاءَ والأَصدِقَاءَ، والأَخلاقَ والقُدُواتِ، ويـُمَيُّزُ بِعَينِ البَصِيرَةِ بَينَ الخَيرِ والشُّرِ، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)، والعَجَبُ مِن أُمَّةٍ عِندَهَا هَذَا القُرآنُ، ثُمَّ لا تَقُودُ العَالَمَ إلى بَرِّ الأَمَانِ!  

اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، الـمنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ الـمسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالـمِسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1744293231_القرآنُ والواقعُ-13-10-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1744293231_القرآنُ والواقعُ-13-10-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 504 | التعليقات 0