القرآنُ.. تدبر وعمل

عبدالعزيز بن محمد
1446/09/13 - 2025/03/13 15:10PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: تَظَلُّ النُّفُوْسُ البَشَرِيَّةُ تَتَلَجْلَجُ فِي الأَوْهَامِ وَتَضْطَرِبُ بِالهُمُوْمِ، قَلَقٌ دَائِمٌ، وَحَيْرَةٌ بَاقِيَةٌ، وَتَخَبُّطٌ لا يَزُوْلُ.

تَظَلُّ النُّفُوْسُ البَشَرِيَّةُ تَهِيْمُ حَيْرَى فِي الظُّلُمَاتِ. لا تُبْصِرُ نُوْراً، ولا تَعْرِفُ خَيْراً، وَلا تَهْتَدِيْ إِلى سَبِيْل.  جَهْلٌ وَظُلْمٌ وَقَسْوَةٌ وَانْحِرَاف، ضَلالٌ وَفُرْقَةٌ وَتَنَاحُرٌ وَاخْتِلاف.  

وَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الحَالُ تَحُوْلُ بَيْنَ البَشَرِيَّةِ وَبَيْنَ رُشْدِهَا، حَتَى أَرْسَلَ اللهُ إِلى النَّاسِ رُسُلَاً وَأَنْزَلَ مَعَهُم الكِتَابَ. وَخَتَمَ رُسُلَهُ بأَكْرَمِهِم وَخَتَمَ كُتُبَهُ بأَشْرَفِها. 

القُرْآنُ: أَجَلُّ كِتَابٍ وأَشْرَفُ كِتَاب، وأَزْكَى كِتاب وأَطْهَرُ كِتاب. ما تَلَتِ الأَلْسُنُ كِتاباً أَشْرَفَ مِنْه. وما تَعَلَّقَتِ القُلُوبُ بِهَدْيٍ أَهدَى مِنْه. هُوَ كَلامُ رَبِّ العَالَمِيْن {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

هُوَ كَلامُ رَبِّ العَالَمِيْن، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ *وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} تَكَلَّمَ بِهِ رَبُّنا حَقِيْقَةً، فَأَسْمَعَهُ جِبْرِيْلَ، وأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ على قَلْبِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فأَلْقَاهُ جِبْرِيْلُ على مُحمدٍ كَما سَمِعَه. قال الله عزَّ وجَلّ {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}

فَمَنْ قَرأَ القُرآنَ فَإِنَّما يَقْرَأُ كَلامَ رَبِه، ومَنْ اسْتَمَعَ إِلى القُرآنِ فإِنَّما يَسْتَمِعُ إِلى كَلامِ رَبَه، ومَنْ حَفِظَ القُرآنَ فإِنَّما يَحْفَظَ كَلامَ رَبِه، ومَنْ عَمِلَ بالقُرآنِ فإِنَّما يَعْمَلُ بأَمْرِ رَبِه، ومَنْ أَعْرَضَ عَن القُرآنِ فإِنَّما أَعْرَضَ قَولِ رَبِه.  القُرآنُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِها على عِبادِهِ، وأَعْظَمُ نِعْمَةٍ خَلَّدَها بَيْنَهُم. بِهِ عِصْمتُهُم ونَجَاتُهُم، وبِهِ فَوزُهُم وفَلاحُهُم، بِهِ يُخْرَجُ النَّاسُ مِنْ الظُلُماتِ إِلى النُور، وبِهِ يُهْدَونَ إِلى مَنازِلِ الحَظْوَةِ والحُبُور {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 

هُوَ المَوْعِظَةُ وَهُوَ الشِّفَاءُ، وَهُوَ الهُدَى وهو الرَّحْمَة {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 

قِفْ، إِنَّهَا بِجَلالِهَا الآيَاتُ  *  فِيْهَا هُدَىً وَسَكِيْنَةٌ وَثَبَاتُ

هَذَا هُوَ القُرْآنُ أَشْرَفُ مُنْزَلٍ  *  فِي آيهِ تَعْلُو لَنَا الدَّرَجَاتُ

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} فِيْهِ ذِكْرُكُم، فيهِ شَرَفُكُم، فِيْهِ رِفْعَتُكُم، فِيْهِ عِزُّكُمْ، فِيهِ فَلَاحُكُم، فيهِ أَسْبابُ عُلُوِّكُمْ في الدُّنيا وفَوزِكُم في الآخِرَةِ إِنْ عَمِلْتُم بِهِ {أَفَلا تَعْقِلُونَ} فَتُدْرِكُونَ قَدْرَ هذهِ النِّعْمَةِ، فَما أَعْرَضَ عَنِ هذا الكِتابِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ سَدِيْد {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}

نُوْرٌ عَلَى مر ِّالزَّمَانِ تَأَلَّقَا  **  وَأَضَاءَ لِلدُّنْيَا طَرِيْقًا مُشْرِقَا

هَذَا كِتَابُ اللهِ أَعْذَبُ مَنْهَلٍ ** أَنْعِمْ بِهِ مِنْ مَوْرِدٍ لِمَنِ اسْتَقَى 

{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}

كِتَابُ اللهِ حَياةٌ لِلْقُلُوبِ ورَاحَةٌ للأَرْواحِ،  مَنْ تَدَبَّرَهُ أَبْصَرَ، ومَنْ أَقْبَلَ إِليهِ هُدِي، ومَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ تَخَبَّطَ في الظُلُمات {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}

هُوَ حُجَّةُ اللهِ على العِبادِ إِلى قِيامِ السَّاعَةِ، فَمَنْ بَلَغَهُ هذا القُرآنُ، فَقَدْ بَلَغَتْهُ النَّذَارَةُ مِنْ رَبِهِ، وقَامَتْ عليهِ مِنَ اللهِ الحُجَّةُ {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}  

ضَمِنَ اللهُ لِمَنْ قَرَأَ القُرآنَ وعَمِلَ بِهِ، أَنْ لا يَضِلَّ في الدُّنْيا، ولا يَشْقَى في الآخِرَةِ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}

* القُرْآنُ هُو كَلامُ الله، هُوَ عُمْدَةُ المِلَّةِ، وَيَنْبُوْعُ الحِكْمَةِ، وَآيَةُ الرِّسَالَةِ، وَقِوَامُ الدِّيْنِ، لا طَرِيْقَ مُوْصِلٌ إِلى اللهِ سِوَاهُ، ولا سَبِيْلَ إِلى النَّجَاةِ بِغَيْرِهِ.  فَهَلْ يُدْعَى إِلى اللهِ إِلا بِكِتَابِ اللهِ.  وَهَلْ يُرجى صَلاحُ العِبَادِ إِلا بِكَلامِ اللهِ {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}

أَنْزَلَ اللهُ القُرْآنَ لِيُتْلَى ويُتَدَبَّرْ {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ}

* القُرآنُ يُهذِّبُ النُفُوسَ ويُصْلِحُها، ويُرَبِيْها ويُرْشِدُها، هوَ خَيْرُ واعِظٍ وخَيْرُ زاجِر، وهُو خَيْرُ ناهٍ وخَيْرُ آمِر، تُقْبِلُ القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ إِلى القُرآنِ، فَتَخْشَعُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ وعندَ سَماعِه، ثُمَّ تَنْهَضُ مُقْبِلَةً إِلى العَمَلِ بِه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}

* مَنْ كَانَ غَابِطاً أَحَداً فَلْيَغْبِط صَاحِبَ القُرآنِ، ومَنْ كَانَ مُتَمَنٍ مَكانَةً، فَلْيَتَمَنَّ مَكانَةَ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِمُلازَمَةِ القُرآن، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ..» متفقٌ عَلَيْهِ  أَمْنِيَّةٌ صَادِقَةٌ تَحْمِلُ على الجِدِّ في الطَلَب، فَإِنْ قَدِرَ على تَعَلُّمِ القُرآنِ عَمِلَ مِثْلَ ما عَملَ فُلان، وإِنْ عَجِزَ عَنْ تَعَلُّمِ القُرآنِ، أَدْرَكَ ثَوابَ العَامِلين.

* وَمَنْ جَعَلَ القُرْآنَ لَهُ أَنِيْساً وَجَلِيْساً، يَعْمُرُ بِهِ وَقْتَهُ، وَيُحْيِيْ بِهِ قَلْبَهُ، وَيُقِيْمُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ،  يَتَدَبَّرُ آيَاتِهِ، فَيَعْمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُ بِمُتَشَابِهِهِ،  فَقَدْ رَبِحَ تِجَارَةً لَنْ تَبُوْر {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} باركَ الله لي ولكم

 

الحَمْدُ للهِ حَمْداً يَلِيْقُ بِجَلالِهِ ويَرْتَقِيْ لِكَمَالِهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا الله وحدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِه وَآلِهِ. أَمَّا بَعْدُ:  فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيْم

أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: إِنَّ فِي الدُّنْيَا لَظُلْمَةً لَنْ يُزِيْلَها إِلا نُوْرُ القرآن، وإِنَّ فِيْ النُّفُوْسِ لَوَحْشَةً لَنْ يُزِيْحَهَا إلا آيُ القُرْآنِ، وَإِنَّ فِيْ القُلُوْبِ لَقَلَقاً لَنْ يُسْكِنَهُ إِلا تَدَبُّرُ القُرآن.

القُرْآنُ حَياةٌ.  فَيا حَسْرَةَ مَنْ لَمْ يَحْيَ بالقُرآن.

حَياةٌ مَع القُرآنِ في كُلِّ حِيْنِ، وأَشْرَفُ الأَوْقَاتِ في شَهْرِ رَمَضانَ، فَيهِ أَنْزلَ اللهُ القُرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} وَفِيْ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ جِبْرِيْلُ يَنْزِلُ مِنَ السَماءِ بأَمِرِ اللهِ، فَيُدارِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم القُرآن. ولَنْ يُعْدَمَ قَارِئُ القُرآنِ مِنْ رَبِهِ جَزاءً، فَـ «الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ» متفق عليه

* القُرآنُ أَوْفَى صَاحِبٍ، وأَنْفَعُ مُجَالَسٍ، وأَبْقَى قَرِيْن {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يأَتِيْ القُرآنُ يُحاجُ عَنْ صاحِبِهِ، يَشْفَعُ لُه عِندَ رَبه. فأَكْرِمْ بِهٍ مِنْ مُحَاجِجٍ، وأَنْعِمْ بِهِ مِنْ شَفِيْع. عَنْ أَبِيْ أُمامَةَ البَاهِليِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ» رواه مسلم

وأَصْحابُ القُرآنِ هُم: المُكْثِرُونَ لِقِراءَتِهِ، المُتَدَبِرُونَ لآياتِهِ، العَامِلُونَ بِها.

وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَأهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ ــ في الدُّنْيا ــ تَقْدُمُه سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا» رواه مسلم   وأَرْفَعُ مَقَامٍ، مَقَامُ مَنْ رَفَعُهُ اللهُ بالقُرآن، في الحَدِيْثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ» رواه مسلم  يَرْفَعُ بِهِ أَقْوماً بِهِ عَمِلُوا، ويَضَعُ بِهِ أَقْوماً عَنْهُ أَعْرَضُوا.

* أَثْنَى اللهُ عَلَى كِتَابِهِ، وأَثْنَى عَلى صُدُورٍ حَفِظَتْه {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} فَأَكْرِمْ بِصُدُورٍ حَفِظَتِ الكِتابَ، فَكَانَ الكِتابُ لَها مُهذِّباً، وكَانَ لَها ومُؤَدِباً، وكَانَ لَها خُلُقاً، وكَانَ لَها مِنْهاجَ حَياة.

طُوْبَى لِمَنْ حَفِظَ الكِتَابَ بِصَدْرِهِ  **  فَبَدَا وَضِيْئًا كالنُّجُوْمِ تَأَلُقا

وَتَمَثَّلَ القُرْآنَ فِي أَخْلاقِهِ  **  وفِعَالِهِ، فَبِهِ الفُؤَادُ تَعَلَّقا

وتَلاهُ في جُنْحِ الدُّجَى مُتَدَبِّراً  ** والدَّمْعُ مِنْ بَيْنِ الجُفُونِ تَرَقْرَقا

يَا حَافِظَ القُرآنِ لَسْتَ بِحافِظٍ  ** حَتَى تَكُونَ لِما حَفِظْتَ مُطَبِقا

ماذا يُفِيْدُكَ أَنْ تُسَمَّى حَافِظاً  ** وكِتابُ رَبِكَ في الفُؤَادِ تَمَزَّقا

خَيْرُ هذهِ الأُمَةِ وكِرامُها، هُم السائِرُونَ في رِكابِ القُرآنِ، يَتَعَلَّمُونَ القُرآنَ ويُعَلِّمُونَه، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري 

وأَنْفَسُ النَّفَقَاتِ نَفَقَاتٌ بُذِلَتْ في تَعْلِيْمِ القُرآن، صَدَقاتٌ جَارِيَةٌ، وأَوْقَافٌ باقِيَةٌ، حَسَنَاتٌ تُدَّخَرُ لِصَاحِبِها عِنْدَ اللهِ.  في الحَدِيْثِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم   وكَمْ مِن صَدَقَةٍ يَسِيْرَةٍ، مِنْ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ، مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ. ضَاعَفَ اللهُ نَفْعَها، وضَاعَفَ لِصاحِبِها ثوابَها، وصَاحِبُها لا يَعْلَم.

اللهم ارفَعنا بالقُرآنِ

 

المرفقات

1741867825_القرآنُ تدبر وعمل 14ـ 9 ـ 1446.docx

المشاهدات 440 | التعليقات 0