القدوة بمن كان أجود من الريح المرسلة

الحمد لله.. إخوة والإيمان والعقيدة ... إن رمضان يمتاز عن غيره من الشهور بأنه شهر الجود والعطاء؛ وإن الله تعالى قد جاد على عباده بنزول القرآن في رمضان، ويجود على عباده فيه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. ولقد كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في رمضان، فقد جمع ﷺ أنواع الجود من البذل والعطاء، وإيصال النفع إلى الناس، ولم يزل على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، قالت خديجة رضي الله عنها في أول بعثه: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. كان الجود سجية للنبي ﷺ، وزاد جوده وكرمُه بعد البعثة، لأنه أكملُ الناس إيماناً، وأعلمهم أن ما عند الله خير وأبقى، فكان لا يمسك من المال شيئاً؛ قال أنس بن مالك t: ما سئل رسولُ الله ﷺ على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاءَه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع الرجل إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمداً ﷺ يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة. وكان ﷺ يُقدِّم الناس على نفسه؛ لأن جودَه ﷺ كله لله عز وجل، وفي ابتغاء مرضاته؛ فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله، أو يتألفُ به على الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه. وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده، فيعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثلُ كسرى وقيصر، ويعيش ﷺ في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهرُ والشهران لا يُوقَدُ في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع. وكان جودُه ﷺ يتضاعفُ في شهر رمضان حتى ينسلِخَ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ ﷺ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ. فلنا – يا عباد الله - في رسول الله ﷺ أسوة وقدوة، فالجود في رمضان له من فوائد لا تحصى ومزايا لا تعد، حيث شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل، والصدقةُ فيه تعين الفقراء الصائمين القائمين الذاكرين على الطاعة، فيستوجبُ المعينُ لهم مثلَ أجرهم، قال ﷺ (ومن فطر صائماً فله مثلُ أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء) وتفطير الصائمين جودٌ وكرم. فمن جاد على عباد الله تعالى جاد الله عليه بالفضل والعطاء. ثم إن الصيام والصدقة من موجبات الجنة، قال النبي ﷺ (إن في الجنة غرفاً يُرى ظهورُها من بطونها وبطونُها من ظهورها) قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال (لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) وهذه الخصال كلها تجتمع في رمضان، فالمؤمن في رمضان يجمع بين الصيامَ والقيامَ والصدقةَ وطيبَ الكلام. واعلموا – يا عباد الله – أن من معاني الصيامِ العظيمةِ: إحساس الأغنياء بحاجة إخوانهم الفقراء فيسدوا حاجتهم، ويجودوا عليهم. سئل أحد السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع، فلا ينس الجائع. كان ابن عمر رضي الله عنهما يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين. وإذا جاءَه سائلٌ وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطى السائل، فيرجع وقد أكلَ أهلُه ما بقي في الجفنة، فيُصبحَ صائماً ولم يأكل شيئاً. وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يُعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً. فلله درُّ تلك النفوس ما أسخاها، وما أشد إيثارها، وما أعظم رغبتها فيما عند مولاها.                           فأين الأغنياء والموسرون؟! شهر الجود دونكم فجودوا جاد الله عليكم وخذوا من أنفسكم لأنفسكم في مشاريع الخير والأوقاف والصدقات الجارية ]وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا[ وقال تعالى ]إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ[ أقول ما تسمعون ...     الحمد لله ... معاشر المؤمنين ... فرض الله تعالى في المال حقوقاً كالزكاة وبين له فضائل كالصدقة وحدد المستحقين للصدقة وتوعّد أشد الوعيد على من يخل بواجب الصدقة ممن تحققت فيه شروطها قَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ وَقَالَ ﷺ (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِى شِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ) ثُمَّ تَلاَ ﴿لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ الآيَةَ. عباد الله ... لقد بيَّن النبي ﷺ أن للصدقة فضائل عظيمة، ولابد أن تكون الصدقة من أطيب المال قَالَ تَعَالَى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ وَقَالَ ﷺ (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ. وعليكم – يا عباد الله – بالاقتداء بالنبي ﷺ في مساعدة الناس من الفقراء واليتامى والمساكين والمطلقات والأرامل ومساعدة المستضعفين والمعسرين قَالَ ﷺ (إنّ لله تَعَالَى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنافِعِ العِبادِ ويُقِرُّها فيهِمْ مَا بَذَلُوها، فَإِذا مَنَعُوها نَزَعَها مِنْهُمْ فَحَوَّلها إِلَى غَيْرِهِمْ) و (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم، لا يَظْلِمهُ، وَلاَ يُسْلمُهُ. مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه ،كَانَ اللهُ في حَاجَته ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ) و (مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) فـ (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ). فلتعاون على البر والتقوى، والبحث عن من  يستحقون الزكاة من الأصناف الثمانية وتفقد الجيران والأسر المحتاجة، ولا بأس بالاستعانة بعد الله بالجمعيات الخيرية الموثوقة المعتمدة والمنصات الإلكترونية المصرح لهم من قبل الدولة، قَالَﷺ (مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى). وصلى الله على نبينا محمد ...

المرفقات

1649405345_جود النبي في رمضان.docx

1649405353_جود النبي في رمضان.pdf

المشاهدات 701 | التعليقات 0